جورجيا جبهة جديدة في حرب روسيا

حسناء بو حرفوش

باتت جورجيا تشكل جبهة جديدة في حرب روسيا، حسب قراءة في موقع “بلومبرغ”، لفت إلى “سحب الحكومة الموالية لموسكو مشروع قانون (العملاء الأجانب) بعد ليلتين فقط من الاحتجاجات في الشوارع والاشتباكات العنيفة مع شرطة مكافحة الشغب في تبليسي. ومع ذلك، تشعر أحزاب المعارضة بقلق من أن ما حصل مجرد بداية لإضعاف الحريات الديموقراطية.

وتعكس المشاهد في تبليسي ما يشبه تلك التي شهدتها انتفاضة ميدان 2014، عندما امتلأت كييف بالأشخاص الذين تظاهروا ضد الرئيس الأوكراني آنذاك فيكتور يانوكوفيتش الذي تخلى عن اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا من أجل توثيق العلاقات مع روسيا. وتواجه الديموقراطية الهشة في جورجيا، وهي واحدة من الحلفاء القلائل المخلصين للولايات المتحدة وأوروبا في المنطقة حتى وقت قريب، لحظة خطرة. كما تمثل مسيرة جورجيا باتجاه الغرب، تماماً مثل مسيرة أوكرانيا، إحدى المسيرات التي صمّم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على إفشالها.

المفارقة في محنة جورجيا اليوم هي أنه يمكن القول إن حملة بوتين على أوكرانيا بدأت في ذلك الوقت، عندما وجد ذريعة لشن غزو في العام 2008 نيابة عن الانفصاليين في جمهوريات أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا المعلنة من جانب واحد. أسفرت الحرب عن تطهير عرقي للجورجيين في تلك المناطق وأمنت نصراً استراتيجياً لبوتين، الذي تحتل قواته الآن حوالي 20% من أراضي الدولة. كما استخدمها كنموذج لضم شبه جزيرة القرم في العام 2014، تمهيداً للتوغل في منطقة دونباس الأوكرانية والغزو الشامل الذي شنّه العام الماضي.

ومكّن الانخراط الأميركي والأوروبي المتقطع في منطقة جنوب القوقاز، بوتين من فتح جبهات جديدة في حربه الهجينة لتعزيز القوة الروسية في المنطقة. وبعد فترة وجيزة من غزوه لجورجيا، تولى الرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما منصبه واعداً بـ (إعادة ضبط) روسيا، مما عزز الشعور بالضيق الجغرافي الاستراتيجي في جورجيا والذي استمر في ظل إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.

ويتناقض الحجم الصغير لجنوب القوقاز مع كبر أهميته الإستراتيجية، بحيث يقع على مفترق طرق بين أوروبا وآسيا والشرق الأوسط، ويشكل جسراً بين البحر الأسود وبحر قزوين. باختصار، هذه المنطقة طريق عبور رئيس للغاز الطبيعي والنفط. وفي جورجيا، يُظهر القانون الألوان الحقيقية للحكومة التي غالباً ما زعمت أنها موالية للغرب في الوقت الذي تتقبل فيه بوتين. يجب أن يدق اتخاذ الحكومة هذا المنعطف جرس الإنذار في الغرب. والحقيقة أن مسار جورجيا غالباً ما بدا متعرجاً ما بعد الاتحاد السوفياتي، ولكن تم تحديده على نطاق واسع من خلال الاتجاه الموالي للغرب الذي بدأ في أوائل التسعينيات في عهد الرئيس الجورجي آنذاك إدوارد شيفرنادزه.

ووصف الرئيس الأميركي السابق جورج بوش جورجيا بأنها “منارة الحرية”. وفي عهد الرئيس الجورجي السابق ميخائيل ساكاشفيلي، الذي استمر عهده من 2004 إلى 2007 ومن 2008 إلى 2013، تحركت جورجيا لتوطيد علاقاتها مع الغرب. وأقامت الولايات المتحدة اتفاقية “شراكة إستراتيجية”، وأبرم الاتحاد الأوروبي اتفاقية شراكة في العام 2014 وكذلك اتفاقية التجارة الحرة. وأقرت جورجيا تعديلاً دستورياً يطالبها بالتحرك نحو “الاندماج الكامل” في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.

وفي حين أن الغالبية العظمى من الجورجيين مؤيدة بشدة للغرب، تحولت الحكومة بصورة متزايدة نحو موسكو بتوجيه من الملياردير المنعزل زعيم حزب (الحلم الجورجي) بيدزينا ايفانيشفيلي، الذي لا يتمتع حالياً بأي دور رسمي وقد نفى مراراً وتكراراً أنه يدير جورجيا بصورة غير رسمية؛ لكن قلة في الغرب تشكك في سيطرته الفعلية على مؤسسات الدولة الرئيسة والقضاء والأجهزة الأمنية. في العام 2020، أعلن تجمع لممثلي الولايات المتحدة أنه (حليف وثيق لبوتين ومتورط في زعزعة استقرار جورجيا نيابة عن روسيا).

ليست جورجيا الجزء الوحيد من جنوب القوقاز الإستراتيجي الذي يتعرض لزعزعة الاستقرار بمساعدة روسية أو بإذعان لها. فقد وضعت ديموقراطية أخرى وحليفة غربية أخرى هي أرمينيا، في حالة ضعف وجودية تقريباً. وعانى حوالي 120 ألف أرمني من حصار مرير استمر لأشهر في ناغورنو كاراباخ، وهي منطقة متنازع عليها يسكنها الأرمن في أذربيجان، حيث رفضت روسيا التدخل على الرغم من اتفاقها الأمني مع أرمينيا ودورها في حفظ السلام على طول ممر لاتشين، وهو الطريق الوحيد الذي يربط بين البلدين. كما استولت أذربيجان، بدعم من تركيا، على جزء كبير من الأراضي المحيطة بناغورنو كاراباخ في حرب في العام 2020 وتريد الآن تشكيل طريق عبر أرمينيا يربط أذربيجان مباشرة بتركيا عبر الجنوب. هناك مخاوف من أن تستخدم أذربيجان نفوذها المتزايد لتجميد أو طرد الأرمن من ناغورنو كاراباخ ودفع المزيد من مكاسب الأراضي. وتعد جورجيا أيضاً حليفاً إقليمياً حيوياً وشريكاً تجارياً لأرمينيا”.

شارك المقال