هل يشهد التاريخ على هبوط حر للاقتصاد الأميركي؟

حسناء بو حرفوش

لا شك في أن ما تتداوله الصحف والمواقع الاخبارية ينبئ بمشكلة وخيمة يعاني منها الاقتصاد الأميركي ولكن ما هي حدة خطورتها؟ يستذكر المحلل الأميركي ديزموند لاشمان، في قراءة لما يحصل في الولايات المتحدة “نكتة قديمة عن شخص قفز من مبنى (إمباير ستيت). وعندما سئل عن حاله أثناء مروره بالطابق الأربعين، أجاب: جيد جداً حتى الآن.

“تدفع هذه النكتة، وفقاً لمقال لاشمان على موقع معهد American Entreprise Institute الالكتروني، الى التساؤل عن مدى التشابه بين مضمون هذه النكتة وما قد يختبره الاحتياطي الفديرالي خلال أكثر جولات تشديد السياسة النقدية عدوانية وحدة منذ عقود. ولا شك في أن الاقتصاد صامد بصورة جيدة حتى الآن، معززاً بنمو اقتصادي أقوى من المتوقع وبمعدل بطالة لا يزال قريباً من أدنى مستوى له منذ خمسين عاماً.

ومع ذلك، يبدو أن القضية مسألة وقت فقط قبل أن يواجه الاقتصاد هبوطاً صعباً مع بروز الآثار المتأخرة للتشدد غير العادي في السياسة النقدية العام الماضي. يبدو أن هذا هو الحال خصوصاً لأن هذا التشديد يحدث عندما لا تزال الأسواق المالية والائتمانية مضغوطة، وعندما تلوح في الأفق مواجهة لسقف الديون وعندما تقترب البلاد من مواجهة منحدر السياسة المالية.

والحقيقة أن الضعف المتجدد في سوق الأسهم والركود الكبير في الطلب على المساكن والمشكلات الحادة في الإقراض التكنولوجي كلها أمور تذكّر بمدى اعتماد أسواق الأصول والائتمان على الحفاظ على أسعار الفائدة المنخفضة للغاية. ومع ذلك، مع وجود اقتصاد أقوى من المتوقع يحد من وتيرة اعتدال تضخم الأجور والأسعار، أوضح الاحتياطي الفديرالي أنه يعتزم إبقاء سعر الفائدة أعلى لفترة أطول مما كان متوقعاً في وقت سابق. ويأتي هذا بعد رفع الاحتياطي الفديرالي أسعار الفائدة بأسرع وتيرة منذ الثمانينيات والانخراط في تشديد كمي بوتيرة غير مسبوقة.

إن ربط السياسة المالية المتشددة لبنك الاحتياطي الفديرالي بهزة ما في الأسواق المالية الأميركية والعالمية ينبع من حقيقة أن العالم لم يسبق له أن اختبر مثيلاً في الديون كما هو الحال اليوم. وفقاً لصندوق النقد الدولي، سجل مستوى الدين العالمي اليوم أعلى نسبة بنحو 50 نقطة مئوية من الناتج المحلي الاجمالي عما كان عليه عشية إفلاس بنك (ليمان براذرز) في 2008.

إذا كانت تجربة مواجهة سقف الديون لعام 2011 هي حل يجب المضي فيه، فيجب توقع تقلبات إضافية في الأسواق المالية في وقت لاحق من هذا الصيف إذا لم يجد السياسيون حلاً لأزمة سقف الديون الحالية. وما يجعل الأمر أكثر إثارة للدهشة هو أن بنك الاحتياطي الفديرالي يواصل رفع أسعار الفائدة بعد التشديد الكبير في السياسة النقدية العام الماضي. أحد المؤشرات على هذا التشديد والذي ينبغي أن يرفع الأعلام الحمر حول احتمال المبالغة في السياسة النقدية في بنك الاحتياطي الفديرالي، هو التحول غير العادي في المخزون النقدي. فبعد أن ارتفع بنسبة هائلة بلغت 40% في العامين التاليين مباشرة للوباء، يتقلص المخزون النقدي الآن بوتيرة تذكرنا بما حدث في 2008 – 2009.

ويصعب فهم التشدد النقدي الحالي لبنك الاحتياطي الفديرالي، خصوصاً وأنه يتزامن مع الكلام عن اتجاه الاقتصاد الأميركي نحو الهاوية.

وتتمثل إحدى نقاط الضعف الرئيسة في البنك الفديرالي في أن المؤسسة لم تعمل بصورة تطلعية. على سبيل المثال، في العام 2021، أدخلت السياسة النقدية التي اتبعها البنك البلاد في فوضى التضخم الحالية، من خلال الاعتماد المفرط على البيانات وتجاهل أكبر حافز للموازنة في زمن السلم. والآن مجدداً، من خلال الاعتماد المفرط على البيانات مرة أخرى وتجاهل السوق المالية وسقف الديون والمخاطر المالية الهائلة التي تلوح في الأفق، يخاطر البنك باستدراج البلاد نحو هبوط اقتصادي حر”.

شارك المقال