12 عاماً على الثورة… الأسد لم يرحل والمعارضة معارضات

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

في شهر شباط وبينما كانت ارهاصات ثورات ما سمي بـ “الربيع العربي” تتظهر بدءاً من تونس ومصر وليبيا واليمن، كان الرئيس السوري بشار الأسد يبدو واثقاً من أن الثورة لن تستطيع طرق أبواب دمشق، وكان المعارضون السوريون قد فقدوا الأمل في تغيير الواقع السياسي المزري والانتقال بالحكم القائم نحو نظام يضمن الحريات الديموقراطية ويسمح بتبادل السلطات. وتأثراً بشعار الثورات العربية كتب أطفال درعا من تلامذة المدارس “يسقط النظام” و”جاء دورك يا دكتور”، فتحركت الأجهزة الأمنية للنظام السوري لتوقيف الفتيان الصغار، لتندلع بعدها بأسابيع احتجاجات عارمة في درعا للمطالبة باطلاق سراح المعتقلين، ولتتوسع الى مناطق أخرى تضامنت مع أهل درعا في المواجهات التي حصلت مع القوى الأمنية للنظام الذي استشرس في القمع، وأدت فيما بعد الى استشهاد الطفل حمزة الخطيب تحت وطأة التعذيب، والى انتشار الاحتجاجات في دمشق ومدن سورية أخرى.

وعلى وقع التظاهرات التي كانت تملأ الشوارع ومحاولات قمعها بالقوة، أعلن في تموز 2011 عن تأسيس “الجيش الحر” من منشقين عن قوات النظام، وسيطرت قوات المعارضة على مناطق واسعة من البلاد حتى وصلت الى محيط دمشق. وعلى المستوى السياسي، تأسس “المجلس الوطني” في تشرين الأول 2011 ومن ثم “الائتلاف الوطني” في تشرين الثاني 2012 و”هيئة التفاوض” في كانون الأول 2015، قبل أيام من صدور القرار الدولي الرقم 2254 الذي نص على اجراء محادثات السلام في سوريا في كانون الثاني 2016 وأكد أن الشعب السوري هو من يقرر مستقبل البلاد. ودعا الى تشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات برعاية أممية، مطالباً بوقف أي هجمات ضد المدنيين بصورة فورية.

وكان تنظيم “داعش” الارهابي تمكن من السيطرة على مناطق من سوريا منذ العام 2014 قبل أن يهزم في 2017 بعيد دخول روسيا عسكرياً لصالح النظام في ايلول 2015 وقبلها مشاركة “حزب الله” وايران في الحرب بحجة حماية المقامات الشيعية، ومن ثم تدخل تركيا في سوريا، حيث سيطرت لاحقاً مع المعارضة على مناطق في الشمال الغربي.

منذ أيامها الأولى رفعت الثورة السورية مطالب أهمها إسقاط نظام بشار الأسد وأبرز رموزه العسكرية والسياسية، واقامة نظام ديموقراطي يضمن حقوق المواطنين وحريتهم العامة، واصدار دستور جديد للبلاد ينص على تداول السلطة، واطلاق سراح المعتقلين ومحاكمة المسؤولين عن تعذيب الآلاف منهم، ومحاسبة مرتكبي جرائم القتل من الشبيحة وإنصاف ضحايا الهجمات الكيميائية التي أودت بحياة أطفال وعائلات بأكملها لا سيما في الغوطة.

الثورة التي اندلعت في 15 آذار 2011 من درعا، تحولت الى حرب أهلية ثم صراع دولي على النفوذ، وأدت إلى قتل الكثيرين وتسببت بحالات نزوح وتشريد واعتقالات، وليست هناك احصائيات واضحة لضحايا هذه الحرب، إلا أن الأمم المتحدة و”المرصد السوري لحقوق الانسان” قدما سلسلة من الأرقام، فهناك 388 ألف شخص على الأقل قتلوا منذ اندلاع النزاع الذي بدأ باحتجاجات سلم ضد هذا النظام الذي سرعان ما قمعها بالقوة. وحسب المرصد هناك ما يقارب خمسة ملايين و600 ألف هجروا الى دول الجوار أي تركيا ولبنان والأردن. وبحسب احصاءات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين هناك ستة ملايين و700 ألف سوري فروا من منازلهم، يعيش قسم منهم في مخيمات، ووفق الأمم المتحدة هناك أكثر من مليونين وأربعمائة طفل سوري خارج النظام التعليمي، ومليون سوري يعيشون في فقر مدقع ويكافحون لايجاد طعام يسد رمقهم، بحسب منظمة “أنقذوا الأطفال”، وهناك مئة ألف شخص تقريباً قضوا جراء التعذيب، خلال مكوثهم واعتقالهم في سجون النظام، بحسب المرصد السوري، بينما لا يزال مائة ألف شخص في عداد المفقودين. كما قتل ألف وأربعمائة شخص من جراء هجمات كيميائية اتهم نظام دمشق بشنها.

وعلى الرغم من محاولات التطبيع التي تجري اليوم مع النظام السوري والرغبة في الرهان عليه للعودة الى الحضن العربي، لا سيما وأن الزلزال الذي وقع في تركيا وسوريا في 6 شباط الماضي كانت له ارتدادات سياسية وأراد الأسد الافادة من الدعم الانساني لتحقيق نصر سياسي، الا أن الرهان على ذلك غير واقعي فالنظام السوري معروف أنه يُنفِّذ أجندات إقليمية، ويستثمر الاسلاميين المتشددين ولديه ارتباطات وتحالفات مع أنظمة ديكتاتورية مثل النظامين الايراني والروسي، وهناك أنظمة تقف معه بحجة مقاومة الامبريالية الأميركية والغربية. كما أنَّ روسيا والصين وإيران ساندت النظام سياسياً وعسكرياً، فيما لم يقدم الدعم الكافي للثورة التي عانت بدورها من الانقسامات وتشرذمت وزادت فصائل الشرخ في خوضها صراعات السيطرة على الأرض. والواضح أن المجتمع الدولي لا يحرك ساكناً لحل الأزمة السورية وتطبيق مقررات جنيف، وجاءت حرب أوكرانيا لتبعده عن سكة الحلول، اذ بدا أنه لا يزال متمسكاً بالنظام السوري الذي لم تنته وظيفته بعد، لكن المساومات ستستمر بالطبع وعندما ينتهي دوره سوف يتم بيعه.

كثيرون اليوم يرون أن حل الأزمة السورية يتطلب “طائفاً” سورياً، وفق صيغة لا غالب ولا مغلوب على الطريقة اللبنانية، وهذه معادلة دولية أيضاً فالمصالحة المتوخاة يجب أن تحصل على أسس القرارات الدولية فقط لا غير ومن دون تلاعب، حتى لا تُجبر المعارضة على حل مشين.

ويعتبر الكثيرون أن عسكرة الثورة السورية تسببت بمخاوف لا سيما وأن “الجيش الحر” لم يستطع السيطرة والإمساك بالقرار على الأرض، وسمح ذلك بنشوء تنظيمات مسلحة تكفيرية مدعومة من الخارج سيطرت على الأرض وأربكت المعارضة بتنظيماتها المسلحة وبتوجهاتها السياسية في وقت لم يستطع فيه أيضاً الائتلاف السوري المعارض تقديم رؤية لمستقبل سوريا ولم يقدر على تنظيم نفسه، مما أصاب الشعب السوري باليأس من قيام سوريا موحدة وبناء نظام وطني يحقق شعار الحرية والكرامة.

شارك المقال