سباق محموم… بين تسوية محتملة وانفجار اجتماعي

هيام طوق
هيام طوق

منطقة الشرق الأوسط قبل الاتفاق السعودي – الايراني ليست كما بعده، حتى أن كثيرين اعتبروا أن هذا التقارب من أهم المنعطفات التي حصلت بعد الحرب العالمية الثانية. وتعددت التحليلات والقراءات بين من رأى أن الترجمة العملية الأولى للاتفاق ستكون في لبنان، وبانتخاب رئيس للجمهورية خلال الشهرين المقبلين، بحيث أن لبنان سيكون بمثابة الأرضية لاختبار النيات بين الفريقين خصوصاً أن اشكالية انتخاب الرئيس لطالما كانت تحل عبر تسويات وتفاهمات بين العديد من الدول المتخاصمة. وبالتالي، في ظل التقارب السعودي – الايراني برعاية صينية، لا بد من أنه ستنتج تسوية رئاسية يتوافق عليها الجميع، وهي باتت تبحث في الكواليس السياسية واللقاءات بين المسؤولين والديبلوماسيين أي الانتقال الى الخطة “ب”، والتوافق على رئيس من خارج لائحة الأسماء المطروحة، لا يكون طرفاً أو استفزازياً لأي فريق. في المقابل، اعتبر البعض أن الاتفاق مهم جداً للمنطقة، لكن لبنان ليس أولوية حالياً لأن مهلة الستين يوماً، وضعت لبلورة الصورة في اليمن قبل أي شيء آخر، والملفات الشائكة في دول المنطقة تحتاج الى جولات من النقاش وربما تستغرق سنوات من التفاوض، ومن بينها لبنان. وما قاله وزير الخارجية السعودية عن ضرورة التقارب اللبناني – اللبناني واضح في حين أن المواقف والاصطفافات في الداخل لا تزال على حالها، وبالتالي، ربما انتخاب رئيس الجمهورية وحلحلة الوضع ليسا قريبين كما يظن البعض الا اذا حصل عكس المعطيات الحالية.

على أي حال، بغض النظر عن التحليلات والمقاربات المتناقضة للتطورات الاقليمية، فإن هموم اللبنانيين المعيشية والحياتية التي تخطى عددها المئة ألف بعد أن تجاوز الدولار عتبة المئة ألف ليرة، تدفع الكثيرين الى التساؤل عما اذا كان البلد لا يزال يملك مقومات الصمود الى حين بروز نتائج التسويات المنتظرة أو أن الضائقة الاقتصادية والمالية والحياتية ستؤدي الى انفجار اجتماعي قد يسبق أي تسوية رئاسية في الأشهر المقبلة؟

في هذا السياق، قال الصحافي والمحلل السياسي علي حمادة: “في لحظة ما، وعلى الرغم من كل الظواهر التي تفيد بأن اللبناني قد تأقلم مع الأزمة، يمكن أن نستفيق ذات يوم على انفجار في الشارع وفي مختلف مناطق لبنان. هناك تراكم واضح للغضب في الساحة اللبنانية، والضغط الاجتماعي والمالي والاقتصادي أصبح مخيفاً، والشعور أن ليس هناك من مسؤول، والمسؤول يتنصل من مسؤوليته، ويكتفي ببعض الترقيعات، فربما نستفيق على لبنان مشتعل من أقصاه الى أقصاه. سيحاول الثنائي الشيعي أن يضبط شارعه، لكن بقية الشوارع لن يتمكن من ضبطها، ولن يستطيع الضغط على الأجهزة الأمنية والجيش كما فعل بعد ثورة 17 تشرين لكي يقمعوا الناس الغاضبين من سوء الحال. ما يمكن استنتاجه أن الثورات في العالم، يمكن أن تنطلق في لحظة لا يتوقعها أحد، ويشتعل الشارع”.

ورأى أن “من الممكن في حال تأخرت التسوية، أن يسبقها الانفجار. واذا أتت التسوية في غضون وقت معقول أي خلال أسبوع أو أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، أي من الآن الى نهاية شهر رمضان، مع الافادة من مناخات التهدئة الاقليمية المستجدة بعد الاتفاق السعودي – الايراني، يمكن أن نتدارك الأمور”.

وأشار حمادة الى أن “هناك سباقاً محموماً بين الأزمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية واحتمالات التسوية لأن التسوية ليست واضحة المعالم في لبنان. من المهم في مكان الاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية يكون صاحب مواصفات معقولة وليس رئيس جمهورية مفروضاً على اللبنانيين كما يريد الثنائي الشيعي أن يفعل بمعنى آخر، الاسراع في إنجاز تسوية رئاسية على القاعدة التالية: رئيس جمهورية مستقل، اصلاحي، محترم وصاحب كفاءة وصاحب علاقات حقيقية مع الحاضنة العربية ومع العالم الخارجي وليس انتهازياً في علاقاته اضافة الى وجوب أن يكون على مسافة حقيقية من الثنائي الشيعي أي لا يكون خصماً أو عدواً لهما انما ألا يكون جزءاً من منظومة حزب الله. ثم تكليف رئيس حكومة جديد يكون من الصف السيادي بلا حرج ولا مواربة على اعتبار أن رئيس مجلس النواب هو جزء من محور الممانعة أو ما يسمى بالمقاومة، وبالتالي، يفرض التوازن أن يكون هناك رئيس حكومة سيادي واستقلالي بالمعنى العميق للكلمة وألا يكون صدامياً لكي يحقق شيئاً من التوازن مع رئاسة مجلس النواب على أن يكون رئيس الجمهورية الحكم بين الجميع. ثم تشكيل حكومة متوازنة لا تكون فيها غلبة لأي طرف ولا يكون فيها أي منحى تعطيلي. بيان وزاري يخلو من أي اشارة الى ما يسمى بالثلاثية الذهبية، اذ أن هذه الثلاثية مناقضة لمبدأ الدولة ولمنطق الدولة ولأي جهد اصلاحي وانقاذي. انطلاقاً من هذه العناصر، يمكن أن يكون هناك توجه أو غلبة للانقاذ على الانفجار”.

أضاف: “عدا ذلك، اذا استمر حزب الله وحلفاؤه في محاولة فرض الرئيس من عندهم فوق كل الاعتبارات، فلن يكون هناك في أحسن الاحوال رئيس، وفي أسوأ الاحوال ربما ينجحون في فرض رئيس انما سينفجر البلد في وجه الجميع، وهنا بيت القصيد. ماذا يريد الثنائي الشيعي؟ هل يريد انقاذ البلد والافادة من الاتفاق السعودي – الايراني من أجل محاولة انقاذ البلد مع شركائهم في الوطن أو يريد ميشال عون آخر؟ في هذه الحال، البلد ذاهب الى الانفجار، ليس الانفجار الاجتماعي والاقتصادي وحسب، انما الانفجار بين مكونات البلد لأنه لم يعد مقبولاً أن يتم السطو على رئاسة الجمهورية كما حصل سنة 2016”.

أما الكاتب والمحلل السياسي قاسم قصير فوصف الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بأنها “صعبة جدا، لكن من الواضح على الرغم من الصعوبات، ليس هناك حتى الآن دينامو معين لتحريك الشارع بحيث تقتصر التحركات على النقابية منها”، معتبراً أن “القوى السياسية والحزبية، نجحت في ضبط الشارع من خلال ترتيب أوضاع جمهورها. كما أن بعض اللبنانيين استطاع التكيف مع سعر الدولار وأصبح جزءاً من اللعبة. لذلك، ليس هناك اليوم، مؤشرات لانتفاضة كبيرة، لكن في ظل تعاظم المشكلات، لا أحد يعرف إن كان سيحصل انفجار اجتماعي، اذ أن كل أمر وارد في ظل الأزمات المتعددة”.

وأكد أن “الضغط يزيد على القوى السياسية للاستعجال في الوصول الى تسوية سياسية، لكن أي منهما يسبق، التسوية أو الانفجار الاجتماعي؟ لا أحد يعلم لأن ذلك مرتبط بالظروف والتطورات. معظم القوى السياسية تفكر في حساباتها الخاصة وليس في الحسابات العامة، وليس هناك من قوة مشتركة لاطلاق ثورة شعبية. هناك سباق بين التصعيد الاجتماعي والعمل للتسوية، لذلك يزيد الضغط سواء داخلياً أو خارجياً للاسراع نحو التسوية السياسية، لكن لا نعلم أي منهما سيسبق”.

شارك المقال