برقيات استخباراتية سرية: كيف فازت إيران بالحرب الأميركية في العراق؟

لبنان الكبير

كشف موقع The Intercept الالكتروني عن مكاسب طهران السياسية في العراق منذ غزو العام 2003 بناء على ما وصفه بـ”البرقيات الاستخبارية السرية”. ووفقاً للمقال، “عقد ضابط استخبارات إيراني معروف بين زملائه باسم بروجردي اجتماعاً في كانون الثاني 2015 مع رئيس الوزراء العراقي آنذاك حيدر العبادي، بالتزامن مع شن مسلحي تنظيم الدولة الاسلامية هجماتهم في أنحاء العراق وسوريا.

وعقد الاجتماع (من دون حضور سكرتير أو طرف ثالث)، وفقاً لتقرير في أرشيف مسرّب من البرقيات من وزارة الاستخبارات الإيرانية الغامضة. وكان العبادي آنذاك عضواً من الطبقة السياسية المنفية في العراق التي عادت لتولي السلطة بعد الغزو الأميركي. ناقش الرجلان مجموعة من المواضيع، من بينها تهديد داعش للدولة العراقية ودور القوى الأجنبية مثل تركيا والسعودية في المنطقة وموقف الغرب فيها. واتفق الطرفان على الأقل على التهديد الذي يمثله داعش والقوى الاقليمية الأخرى، لأن الظروف السياسية التي أحدثها الغزو الأميركي للعراق والإطاحة بصدام حسين خلقت فرصة لجمهورية إيران الإسلامية والنخب العراقية المتحالفة معها. وورد في التقرير دعوة (لاستغلال هذا الوضع).

وبعد مرور عشرين عاماً على غزو القوات الأميركية للعراق لأول مرة، سلطت وثائق المخابرات الإيرانية السرية، التي ذكرت للمرة الأولى في سلسلة من القصص التي نُشرت بداية العام 2019، الضوء على السؤال المهم حول من ربح الحرب بالفعل؟ وتظهر مئات الصفحات من الوثائق السرية أن المنتصر الوحيد هو إيران.

وكشفت التقارير المسرّبة شبكة نفوذ طهران الواسعة في العراق، حيث تتمتع بامتياز الوصول إلى النظام السياسي والاقتصاد فيه، في حين تقلص حجم الولايات المتحدة إلى لاعب ثانوي. العراقيون أنفسهم ما زالوا منقسمين بشدة والعديد من نخبهم السياسية حلفاء مقربون لإيران. وتقدم برقيات وزارة الاستخبارات والأمن، التي كُتبت بين العامين 2013 و2015، في ذروة الحملة الدولية ضد داعش، أمثلة لا تقل عن توسع النفوذ الإيراني في العراق.

كما تظهر الأنشطة الموثقة بصورة مطولة في البرقيات، مشاركة المسؤولين الإيرانيين في ترقية السياسيين العراقيين المفضلين إلى أدوار مهمة في الحكومة العراقية لحماية إيران الاقتصادية والسياسية. وهذا أثناء المساعدة في تدريب وتنظيم قوات الأمن العراقية المرتبطة أيديولوجياً بالجمهورية الإسلامية. ووصف أحد التقارير السرية لعام 2014 الواردة في مجموعة البرقيات الإيرانية رئيس الوزراء العراقي المستقبلي آنذاك عادل عبد المهدي بأنه ينفرد (بعلاقة خاصة) مع إيران كما سرد أعضاء مجلس الوزراء العراقيون الآخرون الذين كانوا مقربين من الجمهورية الإسلامية، وغالبيتهم من الأشخاص الذين أمضوا سنوات في المنفى في إيران. تناقش البرقيات كيف أفادت هذه العلاقات الوثيقة إيران، بما في ذلك السماح للمسؤولين العراقيين المتعاطفين بإعطاء إيران إمكان الوصول إلى المجال الجوي العراقي واتصالات النقل الحيوية مع حلفائهم في سوريا.

وفي البرقيات، يتضح أن المحادثات الخاصة بين الضابط الإيراني والعبادي تكررت في ذلك الوقت على مستويات عديدة من الحكومة العراقية والمجتمع. وسعى المسؤولون الإيرانيون الى ترسيخ المصالح التجارية والأمنية في العراق من خلال الحصول على عقود النفط والتنمية في المناطق الكردية الشمالية ومشاريع تنقية المياه في الجنوب، واللجوء مثلاً الى رشوة بقيمة 16 مليون دولار دفعت إلى عضو مجلس النواب العراقي بحسب احدى الوثائق. وتُظهر البرقيات أيضاً كيف تم الضغط على مسؤولين عسكريين عراقيين سابقين، بما في ذلك الأفراد الذين درّبتهم الولايات المتحدة أو دعمتهم خلال الاحتلال، لخدمة المخابرات الإيرانية، مع الاشارة إلى أن أحد العملاء النموذجيين أُجبر على (التعاون لإنقاذ نفسه).

ولا تقوم فوائد الحرب بالنسبة الى إيران على أساس سياسي أو أمني فحسب، فقد فتحت أبواب العراق للسياحة الدينية ولمواقع التأثير الإيراني بعيد المدى على المستوى الثقافي حتى. وتوفر الوثائق الموجودة في أرشيف وزارة الاستخبارات والأمن في الغالب تقارير فردية عن محادثات وأنشطة استخباراتية قام بها عملاء إيرانيون داخل العراق. كل ذلك من خلال الافادة من الفراغ الذي خلفه الغزو الأميركي.

ولا تنعكس صورة الهيمنة الإيرانية هذه في الوثائق الاستخباراتية الخاصة بالعراق فقط، حسب المقال، فقد توصلت دراسة ضخمة من مجلدين نشرتها في العام 2019 الكلية الحربية للجيش الأميركي إلى نتيجة مماثلة. وتفيد الدراسة بأن (إيران التوسعية المنتصرة الوحيدة) في الصراع. وتمنح الدراسة نظرة شاملة حتى الآن على تكاليف الحرب ونتائجها من منظور عسكري أميركي. وبعض هذه التكاليف واضحة ومعروفة، فقد قُتل الآلاف من الأميركيين بعد مهمة غير محددة بدقة للعثور على أسلحة دمار شامل تحولت إلى حملة مكافحة التمرد والحرب الأهلية. ولكن على الرغم من أن معظم عبء الحرب وقع نسبياً على عاتق الأميركيين الذين شاركوا بصورة مباشرة، إلا أن تأثيراتها امتدت الى المجتمع الأميركي حيث لا تزال محسوسة حتى يومنا هذا.

(…) وعانى العراقيون أنفسهم كثيراً من الحرب. قتل الملايين أو جرحوا أو شردوا نتيجة الغزو والصراع الأهلي الذي تلاه ظهور جماعة داعش الاسلامية المتطرفة، والذي تناقشه وثائق المخابرات الايرانية باستفاضة، وهو نفسه نتاج فوضى العراق ما بعد الغزو، بما في ذلك الانتهاكات التي ارتكبتها الميليشيات المارقة المدعومة من إيران.

(…) في النهاية، دمرت داعش نتيجة لتحالف ضمني بين الحكومة العراقية والولايات المتحدة وإيران والبشمركة الكردية، والتي تضافرت جهودها لمحاربة المجموعة واستعادة السيطرة على أراضيها. اليوم، لا تزال إيران أقوى لاعب خارجي داخل العراق. على الرغم من أنها حققت هدفاً تتوق إليه منذ الحرب الايرانية – العراقية في الثمانينيات، وهو ممارسة السلطة في العراق ودمج المناطق ذات الغالبية الشيعية في مجال النفوذ الإيراني، فقد أثبت انتصار إيران من نواحٍ عديدة، أنه غير مرض.

ويترجم ذلك من خلال الاحتجاجات ضد فساد الحكومة في العراق في العام 2019، بحيث غالباً ما ألقى العراقيون باللوم على إيران وحلفائها، إلى جانب الولايات المتحدة حول ما يتعلق بوضع البلاد المحفوفة بالمخاطر. وعلى الرغم من السلام النسبي الذي أعقب هزيمة داعش، لا يزال العراق اليوم ساحة متفجرة مع انتشار البطالة والتدهور البيئي والفقر والأزمات التي عجزت النخب الحاكمة فيه عن حلها. واليوم، بعد عقدين من الغزو الأميركي للعراق، تواجه إيران تحدياتها الخاصة مع عدم الاستقرار الداخلي والتأثير الاقتصادي للعقوبات الدولية”.

شارك المقال