هل ينهي “إتفاق بكين” التاريخ المتوتر بين السعودية وإيران؟

زياد سامي عيتاني

بعد أكثر من أربعة عقود من التوتر المتصاعد، وبعد سبع سنوات من قطع العلاقات الديبلوماسية، إتفقت المملكة العربية السعودية وإيران على إستعادة هذه العلاقات وإعادة فتح سفارتي بلديهما، من خلال إتفاق، رعته الصين، ووقع في بكين، حيث جاء الاعلان المفاجئ للاتفاق، وكأنه يؤسس لتغيير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط.

المملكة العربية السعودية وإيران خصمان مريران لهما تاريخ من العداء وإنعدام الثقة، يمتد إلى قرن من الزمن، لكن الصراع بينهما إشتد عقب الاطاحة بنظام “الشاه” في إيران، بعد الثورة “الاسلامية” التي قادها الامام الخميني، وإطلاق طهران إستراتيجية “تصديرالثورة” إلى دول المنطقة، في محاولة لاستعادة أمجاد الدولة الفارسية (!) مما أجّج بينها وبين الدول العربية خلافات عميقة أخذت أشكالاً مذهبية وعرقية، نتجت عنها مخاوف وهواجس أمنية لدى هذه الدول، وفي مقدمها المملكة العربية السعودية، لما تمثل من ثقل سني وعربي في الشرق الأوسط.

غير أن هذا الصراع المحتدم تاريخياً بين الدولتين، بلغ ذروته عندما قطعت العلاقات الديبلوماسية بينهما في 3 كانون الثاني 2016، بعد أن أعدمت السعودية الشيخ نمر باقر النمر، وفي المقابل هاجم متظاهرون إيرانيون السفارة السعودية في طهران إنتقاماً، مما تسبب ببلوغ التوتر أشده بين إيران والسعودية والدول العربية والخليجية.

وظلت العلاقات بين القوتين الاقليميتين متوترة منذ ذلك الحين، إلى أن أخذت منحنى خطيراً في 14 كانون الأول عام 2019، بعد هجوم تبناه مقاتلون حوثيون مدعومون من إيران على منشآت بقيق في المملكة العربية السعودية، ما أدى إلى تعطيل نصف طاقة إنتاج النفط في البلاد مؤقتاً.

فالبلدان النقيضان يشكلان قوتين إسلاميتين كبيرتين، على الرغم من الخصوصية الفقهية لكليهما، كما أنهما مصدران كبيران للنفط، ويحظيان بموقع إستراتيجي نفطي وسياسي مهم ومؤثر في الشرق الأوسط والخليج. وهذا ما جعل العلاقات بين البلدين تمر بمراحل تاريخية مختلفة، تشوبها توترات وإضطرابات مستمرة، وتحسن وتقارب لفترات محدودة.

والجدير بالذكر في هذا السياق، أنه قبل الثورة الايرانية، كانت إيران والسعودية حليفين رئيسين للولايات المتحدة، التي كانت الناظم والضابط للعلاقات بينهما. وعلى الرغم من ذلك، حصلت أول قطيعة بين البلدين عام 1943 في عهد الشاه محمد رضا بهلوي، على خلفية إعدام حاج إيراني. واستمرت هذه القطيعة نحو أربع سنوات، لتعود العلاقة بينهما إلى سابق عهدها.

غير أن ذلك تغير تماماً بعد الثورة الاسلامية في إيران، إذ إنتقلت طهران من الحليف الأول في المنطقة بعد إسرائل للولايات المتحدة، إلى العدو الأول، مع توصيف الخميني لها بـ”الشيطان الأكبر”، وهذا ما انسحب على حلفاء واشنطن في الاقليم، وفي مقدمهم الرياض، التي باتت تنازعها على زعامة العالم الاسلامي.

السؤال الذي يفرض نفسه بقوة في هذه المرحلة التي يعيش فيها الشرق الأوسط حالة من الغليان: هل هذا الاتفاق كفيل بأن تتمخض عنه بداية جديدة لعلاقات مستقرة بين البلدين؟ أم أنه لا يعدو كونه مجرد إتفاقية لاستئناف العلاقات الديبلوماسية الطبيعية؟

مما لا شك فيه، أن هذا الاتفاق إذا لم يقرن بمزيد من الخطوات الملموسة نحو المصالحة، مدعومة بضمانات ورقابة خارجية، فلن يعدو كونه ببساطة فترة إنتقالية، قبل المرحلة التالية من التوترات الثنائية.

بإنتظار أن تتظهر وتتبلور بصورة فعلية على أرض الواقع مفاعيل الاتفاق، نعرض لأبرز محطات الصراع والتوتر بين الدولتين:

الثورة الايرانية:

في نيسان 1979، أعلنت جمهورية إيران الاسلامية. واتهمت دول الخليج زعيم الثورة الخميني بالسعي إلى “تصدير” الثورة إلى بلدانها.

الحرب العراقية – الايرانية:

في أيلول 1980، إنفجرت الحرب بين العراق وإيران، فوقفت دول الخليج وفي مقدمها السعودية إلى جانب العراق، بحيث إعتبرته يشكل خط الدفاع الأول عن أمنها، فدعمت مالياً نظام صدام حسين، وشجعت الدول الخليجية الأخرى على القيام بالمثل.

مواجهات بين مقاتلات إيرانية – سعودية:

عام 1984، وقعت مواجهة جوية بين مقاتلات إيرانية وسعودية، وذلك في أوج الحرب الايرانية – العراقية. وفي هذا الحادث، أسقط السلاح الجوي السعودي بإسناد أميركي في الخليج مقاتلتين إيرانيتين.

القطيعة الأولى:

في 31 تموز1987 وعلى خلفية الحرب بين إيران والعراق (1980 – 1988) والدعم السعودي لبغداد، قمعت قوات الأمن السعودية في مكة المكرمة الحجاج الايرانيين، ما أسفر عن 402 قتيل، بينهم 275 إيرانياً، وفق حصيلة رسمية سعودية.

وقبل هذه الأحداث بعام، إتهمت السعودية إيران بشحن متفجرات في حقائب الحجاج إلى أراضيها.

ورداً على ذلك، تعرضت السفارتان السعودية والكويتية في طهران للنهب، وفي ضوء ذلك قطعت الرياض علاقاتها معها في نيسان 1988، وغاب الإيرانيون عن الحج حتى 1991.

وفي عام 1988، وخلال رسالة بمناسبة الذكرى الأولى لما أسمته إيران بـ”مذبحة الحج”، قال الخميني: “إذا سامحنا صدام (حسين) وأصبحنا ننسى قضية القدس وتجاوزنا جرائم أميركا فلن نتسامح مع آل سعود”.

تهدئة مع وصول خاتمي:

هدأ الوضع في العام 1997 بعد إنتخاب الرئيس المعتدل محمد خاتمي، ثم زيارته إلى السعودية في 1999. حينذاك، وجه الملك فهد بن عبد العزيز دعوة رسمية إلى مرشد الثورة علي خامنئي لزيارة المملكة وأداء مناسك الحج.

إتفاق 2001 الأمني:

في 2001 وقعت الرياض وطهران إتفاقاً أمنياً، هدف بصورة أساسية إلى مكافحة تهريب المخدرات والارهاب.

الغزو الأميركي للعراق:

لكن الغزو الأميركي للعراق في 2003 أجّج التوتر مجدداً بين البلدين، إذ وضع بغداد داخل دائرة النفوذ الايراني مع وصول أذرعها إلى الحكم. وتزامن هذا الغزو، مع تعاظم دور إيران ونفوذها في المنطقة من خلال تصاعد دور “فيلق القدس” (الذراع الخارجية للحرس الثوري الايراني)، وما ترتب على ذلك من تداعيات إقليمية على موازين القوى!

اتهام طهران بمحاولة إغتيال الجبير في واشنطن:

ومن بين حوادث أخرى عمّقت الخلاف بين طهران والرياض، الاعلان الأميركي في 11 تشرين الأول 2011، عن تخطيط إيراني لاغتيال السفير السعودي في الولايات المتحدة آنذاك عادل الجبير، واتهمت واشنطن “فيلق القدس” بتدبيره.

“الربيع العربي”:

بعد إنطلاق ما عرف بـ “الربيع العربي” عام 2011، ومع تزايد الدور والنفوذ الايرانيين في المنطقة، إشتبكت السياسة الايرانية مع السياسات السعودية، في أكثر من ساحة في المنطقة، من العراق إلى اليمن ولبنان وسوريا وساحات أخرى. وعليه، شهدت تلك الساحات، حروباً بالوكالة بين إيران والسعودية، وخصوصاً في اليمن.

إضطرابات البحرين:

في ذروة “الربيع العربي”، أرسلت الرياض في آذار 2011 ألف جندي إلى البحرين لقمع الحركة الاحتجاجية التي يشكل الشيعة (المدعومون من إيران) محورها، متهمة إيران بالوقوف وراء هذه الاضطرابات.

الحرب السورية:

تجددت المواجهة بين طهران والرياض على خلفية النزاع السوري، إعتباراً من العام 2012، خصوصاً مع دخول طهران وأذرعها العسكرية في لبنان والعراق عسكرياً إلى سوريا لحماية نظام بشار الأسد، بصفتها الحليف الاقليمي الرئيس عسكرياً ومالياً للنظام السوري.

حرب اليمن:

في آذار 2015، أطلقت الرياض عملية عسكرية على رأس تحالف غالبيته من دول عربية، لمنع المتمردين الحوثيين المتهمين بتلقي دعم من إيران، من السيطرة على كل اليمن، نظراً الى الخطر الكبير الذي قد يشكله هذا التحول على أمن المملكة المجاورة لليمن.

وفاة حجاج إيرانيين:

في أيلول 2015، أدانت إيران “عدم كفاءة” السلطات السعودية، بعد تدافع أودى بحياة مئات الايرانيين في الحج في مكة المكرمة.

إعدام الشيخ نمر النمر:

في كانون الثاني 2016، أبدت طهران إستياءها الشديد من إعدام الرياض رجل الدين الشيعي المعارض الشيخ نمر النمر. وفي اليوم التالي، قطعت الرياض علاقاتها الديبلوماسية مع طهران، بعد مهاجمة سفارتها في العاصمة الايرانية.

تصنيف “حزب الله” إرهابياً:

مطلع آذار 2016، صنّفت الدول الخليجية “حزب الله” المتهم بأنه رأس حربة لايران، منظمة “إرهابية”، غداة إتهام زعيمه المملكة بالعمل من أجل “فتنة بين المسلمين السنة والشيعة”.

وفي تشرين الثاني 2017، أعلن رئيس الوزراء سعد الحريري من الرياض إستقالته، متهماً “حزب الله” وإيران بـ “السيطرة” على لبنان.

قطع العلاقات مع قطر:

في حزيران 2017، قطعت السعودية والبحرين والامارات ومصر والحكومة المدعومة من الرياض في اليمن، علاقاتها الديبلوماسية مع قطر التي اتُهمت بـ “دعم الارهاب” والتقرب من إيران.

الملف النووي:

في تشرين الأول 2017، رحبت المملكة بقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب عدم المصادقة على التزام إيران بالاتفاق التاريخي حول برنامجها النووي الذي وقعته مع ست دول كبرى في 2015. إذ إنّ الاتفاق الذي أبرم بعيداً عن تفاهمات وترتيبات إقليمية، زاد من مخاوف القوى الاقليمية، ومنها السعودية، من أنه سيؤدي إلى تعاظم الدور الايراني أكثر من ذي قبل.

وحينها أيضاً إنتشرت تقارير غربية عن حث الرياض الولايات المتحدة على مهاجمة إيران، ما عرّضها لهجمات إعلامية وسياسية، الأمر الذي عمّق الأزمة بينهما.

الاحتجاجات في إيران:

إعتباراً من 17 أيلول الماضي، وبعد وفاة الشابة مهسا أميني بعد أيام من إحتجازها من شرطة الآداب بسبب عدم الالتزام بقواعد الحجاب، إندلعت إحتجاجات واسعة في إيران، التي اتهمت مرات عدة السعودية بـ”التدخل في شأنها الداخلي” والسعي الى “إثارة الفتنة”، و”الترويج لأعمال شريرة” عبر وسائل الاعلام، كما إتهمتها بتمويل قناة “إيران إنترناشونال” الناطقة بالفارسية ومقرها لندن، وهي القناة التي قامت بتغطية واسعة للشأن الإيراني والاحتجاجات، وتتهمها السلطات الايرانية بـ”تأليب الشارع” ضد النظام.

بعدما نجحت الصين في إبرام الاتفاق السعودي – الايراني، فإن جميع القوى الإقليمية تراقب بحذر مدى قدرة “إتفاق بكين” على إنهاء التاريخ المشحون بالتوتر بين السعودية وإيران، وما إذا كانت الادارة الأميركية، ستسمح للصين من خلال هذه “الصفقة” بالعبور المريح إلى الشرق الأوسط، عبر طريق الحرير!

شارك المقال