نصر الله: بندقيتي ليست للبيع!

أنطوني جعجع

هل يعقل أن يكون هناك نفق في الجنوب لا يسيطر عليه “حزب الله”، هو الذي يحصي أنفاس الناس والجيش وقوات الطوارئ الدولية، ويعرف مكان كل صاروخ ومقاتل وبندقية ورصاصة؟

نطرح هذا السؤال، في حال كانت الرواية الاسرائيلية عن “عملية مجيدو” صحيحة، فقط لالقاء الضوء على الطريقة التي تمكن بها فلسطينيان مدججان بالسلاح والعبوات من عبور أحد الأنفاق الجنوبية والتسلل الى اسرائيل من دون علم “حزب الله” أو على الأقل في غفلة منه.

ان ما جرى على الحدود الشمالية يؤشر الى أمرين لافتين، الأول أن “حزب الله” حفر أنفاقاً جديدة بعد تلك التي دمرها الجيش الاسرائيلي من دون أن تدري بها القوات الدولية ما يجعل مهمتها في الجنوب ناقصة أو عقيمة، والثاني أنه أراد توجيه واحدة من رسالتين، الأولى منه والثانية عبره.

الأولى تهدف على الأرجح الى تطويق الشق الذي يتعلق بمصير الميليشيات الوارد في بيان المصالحة السعودية – الايرانية، والثانية تهدف على الأرجح أيضاً الى إفهام حلفاء ايران أن المصالحة مع السعودية لا تعني وقف الصراع مع إسرائيل ولا تعكس أي تغيير في استراتيجية “الثورة الاسلامية” لا من قريب ولا من بعيد، وهو ما برز أيضاً في العملية التي وقعت في الحوارة جنوب نابلس بالتزامن مع الاجتماع “الأطفائي” الذي ضم في شرم الشيخ اسرائيل ومصر والأردن وفلسطين وأميركا.

والسؤال البديهي، هل يمكن أن يكون منفذ عملية الحوارة واحداً من الذين تسللوا عبر أنفاق “حزب الله”، وهل يقدم حسن نصر الله على التصرف بعيداً من أي تنسيق مع ايران أو من دون تعليمات منها؟

تقول مصادر قريبة من الضاحية الجنوبية ان نصر الله يشعر بحرج شديد أمام بيئته، بعد ظهوره بمظهر “من لا يعلم” هو الذي أوحى طويلاً بأنه يكاد يكون الناطق الأوحد باسم الجمهورية الاسلامية لا بل الرجل الأول في حسابات ايران وخياراتها، مشيرة الى أنه يرى في “بيان المصالحة” شيئاً يشبه القرار ١٥٥٩ وهو ما أثار لديه هواجس حول الثمن الذي قد تدفعه ايران لتحاشي حرب تبدو حتمية مع كل من اسرائيل والولايات المتحدة من جهة، والتخلص من الحصار الدولي الخانق من جهة ثانية.

وتذهب المصادر بعيداً الى حد القول إن نصر الله يشعر بامتعاض من بنود الاتفاق الذي يشبه اتفاقاً بين “غالب ومغلوب”، مشيراً الى “تفوق” سعودي أخذ من طهران أكثر مما أعطى أقله في ظاهر الاتفاق وليس في باطنه.

وتشير المصادر الى أن أولى بوادر هذه الغلبة تمظهرت في قرار ايران التوقف عن تسليح الحوثيين، في خطوة يتخوف “حزب الله” من أن تكون مقدمة لخطوات مماثلة في مناطق أخرى ومنها لبنان، على الرغم من أن أوساطاً قريبة من ايران تؤكد أن بند الميليشيات الوارد في “لقاء بكين” لا يشمل تلك التي تقاتل الدولة العبرية أو المصالح الأميركية في المنطقة.

والسؤال الذي يطرح نفسه هل يجر حسن نصر الله رجاله الى حرب واسعة مع اسرائيل أم يكتفي بما جرى في محيط حيفا محاولاً إفهام “الشامتين” أنه لا يزال سيد قراره حرباً وسلماً، وصانع الرؤساء عفواً وقسراً، في انتظار ما قد تتكشف عنه الأيام أو الأسابيع المقبلة؟

تجيب المصادر أن حسن نصر الله ربما أراد من خلال الفلسطينيبن، بدلاً من أهل البيت، عدم الذهاب بعيداً في التحديات المباشرة، وإفهام من يهمه الأمر أنه ليس لقمة سائغة ورأساً برسم القطع، وأنه يملك القدرة على تفجبر المنطقة تماماً كما يملكها لتهدئتها، محذراً من أي محاولة مباشرة أو غير مباشرة لبناء أي بنيان جديد على أنقاض “حزب الله” أو أي من الحلفاء الآخرين.

وليس البيان الذي صدر مما يسمى “الذئاب المنفردة – قوات الجليل” الا محاولة تمويهية تستهدف إبعاد الشبهة عن “حزب الله” وإبعاد شبح مواجهة غير مقصودة، بعدما تمكن من ايصال رسالته التي تخضع الآن لأكثر من عملية تمحيص وتدقيق في كل من تل أبيب وطهران والرياض وواشنطن.

وتذهب مصادر ديبلوماسية إقليمية الى تحليل آخر يفيد أن ايران ربما حركت الجبهة الشمالية مع اسرائيل، كورقة ضغط تحتاج اليها في أي مفاوضات مع الولايات المتحدة التي باتت أقرب الى تمرير المواجهات العسكرية مع طهران على خلفية برنامجها النووي من جهة، وخلفية تورطها في الحرب الى جانب روسيا في أوكرانيا من جهة أخرى، مشيرة الى أن طهران تريد إفهام من يعنيه الأمر أن التنازل في اليمن لا يعني أبداً التنازل أمام إسرائيل، وأنها تنتظر “مكرمات” في المقابل قد يكون أحدها رئيساً موالياً لها في بيروت يضمن الهدنة جنوباً.

ويكشف مصدر عسكري غربي، أن ما جرى في مجيدو، نقل الصراع بين ايران واسرائيل من الأراضي السورية الى أراضي اسرائيل نفسها، وهو ما يعني في العلم العسكري الخروج على الخطوط الحمر التي رسمت بين لبنان والدولة العبرية غداة “حرب تموز ” في العام ٢٠٠٦، وتحديداً القرار ١٧٠١.

وقد يبدو في هذه القراءة الكثير من المبالغة، في وقت ترى مصادر ديبلوماسية وعسكرية أن “عملية مجيدو” يمكن أن تكون ذريعة إسرائيلية لاسقاط التفاهم السعودي – الايراني الذي لا ترى فيه تل أبيب ما يمكن أن ينزل “حزب الله” و”الحرس الثوري” عن أكتافها، وقد يكون أيضاً مباركة أميركية – أوروبية لمنع المصالحة من التمدد نحو سوريا، وهو ما يفسر البيان الرباعي الأميركي – الألماني – الفرنسي – البريطاني الذي يحظر التواصل مع نظام بشار الأسد الساعي الى ركوب الموجة الصينية – الروسية بعد الموجة الايرانية.

ان ما جرى في منطقة محاذية لمدينة حيفا ليس من أعمال هواة، وان من خطط لها ليس بعيداً من غرفة عمليات “حزب الله”، وان من نفذها ليس غريباً عن مدرسته التي احترفت أعمال التدريب ولعبة التسلل الدقيق والاحترافي نحو الأراضي الاسرائيلية.

وتؤكد الوقائع أيضاً أن ما جرى في مجيدو ليس عملاً عادياً يمكن أن تبتلعه اسرائيل بسهولة، وليس عملاً يمكن أن يمر من دون رد فور التأكد من أن “حزب الله” متورط فيه، ليس لأن حجم ما جرى على مستوى الخسائر البشرية أو المادية كان كارثياً ويستدعي الرد، بل لأن العسكريين الاسرائيليين يعرفون أن التردد في مواجهة “المقاومة الاسلامية” لا ينطبق على المواجهة مع حركتي “حماس” أو “الجهاد الاسلامي” أو “عرين الأسود”، بل يشكل مسألة كيان لا يمكن أن يستريح ما دامت صواريخ “حزب الله” مصوّبة نحو أراضيهم، ومسألة سلام عربي – اسرائيلي لا يمكن أن يتم ما دامت ايران توشك انتاج قنبلة نووية وما دام حسن نصر الله يوشك ابتلاع لبنان.

شارك المقال