شروط قيامة الدولة: لا صفقات ولا حمايات… بل عقوبات

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

تفاءل اللبنانيون بالاتفاق السعودي – الايراني، علّها تفرج داخلياً الا أن الأمور تفاقمت، ففريق 8 آذار الذي “لم يكن يعلم” أراد استخدامه لتمرير مرشحه وتسويقه بالترويج لاتفاق يقضي برئيس جمهورية لي وبرئيس حكومة لكم، طرحه الفرنسيون الذين يبحثون عن تركيبة لبنانية تخدم مصالحهم النفطية، لكن المملكة العربية السعودية أحبطت مسعى الاستذكاء هذا، وجاء الرد بتحريك لعبة الدولار الذي وصل الى سقف جنوني والحبل على الجرار.

تقر مصادر سياسية متابعة بأن “الاتفاق أمر إيجابي على الصعيد الاقليمي، وأفضل من الصراع الدموي، واللجوء الى الخيارات السلمية أنسب من الحرب، لكن انعكاساته على الوضع اللبناني تتعلق بما سيقوم به اللبنانيون، وكيفية التعامل مع الطرف الايراني، الذي يتصرف مع لبنان كساحة ولا يحترم لا حدوده السياسية ولا الجغرافية. والسؤال هل سيساعد سلوك حزب ايران بوقف تدخلاته الميليشيوية والعسكرية في سوريا وغيرها وضبط الحدود ليعود لبنان دولة؟!”، مستدركة بالقول: “البعض قد يرى أنه تاريخياً كان للأحزاب والقوى السياسية اللبنانية بكل أطيافها صلات وارتباطات خارجية للاستقواء في الداخل، وكان للدول مراكز نفوذ في لبنان عبر جهات متعددة، لكن لم تكن الدولة اللبنانية على ما هي عليه اليوم من وهن وخضوع لارادة منظومة وحزب يغني على ليلاه ومرجعيات تأتمر بما يريد وتنفذ مخططاته حتى ذابت الدولة ووضع الدستور جانباً وجرى العمل بقوانين الزمرة الحاكمة. فالطائف لم ينفذ ليس منذ أن أعلن عنه، وكل من جاء الى السلطة لم يعمل على تطبيقه، لا بل كان ضده، من حزب الله الى التيار الوطني الحر الى حركة أمل حتى عمّت الفوضى نتيجة عدم تطبيق الدستور، وصار انتخاب رئيس الجمهورية يحتاج الى توافق وتسويات علماً أن النص الدستوري يقضي بانتخاب رئيس بوضوح وليس التوافق والمساومة، وأن مجلس النواب هيئة ناخبة لا هيئة حوار ولا من يحزنون، ومهمته انتخاب الرئيس لا (تزبيط) فلان أو علان في الرئاسة. ومن هنا كانت هذه التسويات تضرب الدستور فتنهار الدولة ويجري الاستقواء بالخارج لفرض معادلات لصالحه في الداخل، وتأبيد شخصيات في السلطة وعدم الاحتكام الى آليات تداولها عبر احترام قواعد الدستور والقانون، بعيداً عن الترويج لسلة كاملة أو اتفاقات فوقية تضرب آليات النظام البرلماني الديموقراطي”.

ولا ترى هذه المصادر أن اتفاق الطائف بات من الماضي كما يروّج له البعض، فبالنسبة إليها ان “الأزمة الفعلية لكل الطوائف اللبنانية هي في عدم تطبيقه لا سيما للطائفتين الشيعية والمسيحية، لأن مشروع الطائف هو مشروع الدولة الوطنية ولا يمكن لأي طائفة أن تكون خارجه ومتمردة على الدستور والقوانين، ولا أحد يقبل بفرض نفوذ سياسي أو عسكري من أي قوة مهما كان تأثيرها، أو الادعاء بأنها لم تمثل كما تريد والكلام البيزنطي عن حرمان أو حقوق طائفة معينة أو مذهب ما، ولا يمكن لأحد الادعاء بأنه لم يأخذ حقاً من الطائف، المطلوب فعلياً تطبيقه اليوم، وليس الامساك لا بقرارات بعبدا ولا السرايا ولا مجلس النواب”.

وتضيف: “هل يعقل مثلاً نتيجة الاتفاقات والتسويات أن تشكل حكومات رئيسها لا يعرف من هم الوزراء الشيعة فيها أو تفرض فيها حصة لرئيس الجمهورية، علماً أن تياره ممثل؟ لا بد من فصل السلطات وليس التحكم بها حسب الحاجة والمصلحة والتهديد باستخدام القوة سواء بالتعطيل أو بتحريك الشارع واستخدام القضاء والأجهزة الأمنية والمؤسسات لضغط طرف على آخر حتى انهارت الدولة بالكامل، وهو ما أرادته المنظومة الحاكمة حتى تبقي على نفوذها عبر الامساك بالتمثيل الطائفي أو المذهبي وتطويع كل السطات لخدمة هدفها في البقاء في الحكم واقصاء من يخالفها بالادعاء بأنهم زعماء يمثلون الطوائف حتى وإن خربت أورشليم. فالأحزاب التي أمسكت بالسلطة وتحاصصت وتقاسمت اعتبرت نفسها ممثلاً وحيداً وشرعياً للطوائف، علماً أن في كل المكونات هناك مستقلين وقوى سياسية ومجتمعاً مدنياً لم يستطع الوصول بسبب النظام الانتخابي الذي فصل على قياس أحزاب السلطة”.

وباعتبار هذه المصادر، على الرغم مما تمر به البلاد، أن “اتفاق الطائف لا يزال اتفاقاً قابلاً للحياة والمطلوب تطبيقه وليس تغييره، ويجب تداول السلطات واعتراف هؤلاء الزعماء الذين يأتون الى الرئاسات أو الوزارات أو يصبحون نواباً، بأنهم مجرد موظفين وليس عليهم الا القيام بوظائفهم والانسحاب عندما تنتهي خدمتهم العامة، والافساح في المجال أمام تداول السلطة بالطرق الدستورية وليس وقف العمل به لخدمة حزب أو لمصلحة زعيم”.

ولا توافق هذه المصادر على دعوات التوافق والحوار “كونها مجرد عناوين لمّاعة لخداع الناس حتى يبقوا في السلطة وتستمر المحاصصة، فكل هؤلاء مجرد مافيات طائفية تجتمع لتعيد تنظيم أمورها على الرغم من الخلافات لضبط اللعبة من جديد وترتيب بيت السلطة بما يخدم مصالحها، فتلاقيها لا يحصل من أجل خدمة الشعب أو قيام الدولة من كبواتها وانقاذها من الجحيم الذي خطط له بدقة ليصل لبنان الى حالة الانهيار، ولا من منقذ له نتيجة فقدان الثقة الدولية بالشخصيات الحاكمة التي تبدّي مصالحها على مصالح الشعب اللبناني وتعمل على إفساد الناس حتى تحكم سيطرتها عليهم، وهذا ما يظهر جلياً في الفوضى الحالية مع صعود سعر الدولار وانفلات السوق وتحول اللبنانيين الى صرافين بدل الدفاع عن مصالحهم في محاكمة الطبقة المسؤولة عن الانهيارات والفساد والتهريب وتقاسم الثروات”.

وتشير الى “أننا لا نزال ننتظر وعود الغرب بفرض عقوبات على هؤلاء الذين حوّلوا السلطة اللبنانية الى شرابة خرج لايران وسمحوا لها بتحقيق أطماعها، والفرصة اليوم متاحة ليس لعقد صفقات واتفاقات فوقية تمرر على حساب الشعب اللبناني لصالح اعادة احياء المنظومة التي جرى في عهدها انفجار مرفأ بيروت وقمع الشعب وحتى قمع النواب المعارضين، وضربت القضاء بسياسات الاستنساب واستهداف شخصيات دون غيرها، علماً أن الكل في زورق واحد وهو أمر مقصود، وبالطبع اليوم لا يمكن انقاذ الدولة من براثن هؤلاء بالآليات الموجودة، لقد أفسدوا الناس ونهبوا المال العام وضربوا القطاع المصرفي وفي الوقت نفسه يعاندون ولا يريدون التخلي والذهاب الى منازلهم فهم لا يعترفون بالفشل”، معتبرة أن “على الدول التي تطالب بالاصلاح في لبنان حتى تقدم المساعدة الاقتناع بأن الاصلاح لا يتم باعادة تعويم هؤلاء في السلطة بل بمغادرتهم مواقع المسؤولية، وفي لبنان طاقات كثيرة بالامكان الاتكال عليها في التغيير، لا الاصلاح بآليات الفساد نفسها، ومن هنا على الرئيس الفرنسي بالتحديد ادراك الحقائق بأنه لا يمكن الاتيان برئيس يفرض من هؤلاء”.

وتشدد على “أهمية الرعاية العربية للبنان خلال الفترة المقبلة من أجل انقاذه، وعلى اللبنانيين التخلي عن الزعماء الفاسدين والفاشلين الذين رموا اللبنانيين في أتون النار. والمعروف أن المنظومة الحالية لا تريد الاصلاح لأن أي تدابير تتخذ لتنفيذ البنود الاصلاحية التي يتحدث عنها البنك الدولي وغيره ستكشف عن فسادهم وسرقاتهم للمال العام”.

وتصف المصادر الموقف السعودي في الاجتماع الخماسي بـ “الموقف المبدئي الذي عطل طموحات ماكرون بتمرير مصالحه التجارية على حساب اللبنانيين”، لافتة الى أن “السعوديين رفضوا الصفقة التي أرادوا تمريرها، واليوم لا مفر من انتخاب رئيس بعيداً عن جدول التوافق وبديموقراطية كفلها الدستور، ولا بد من تنفيذ العقوبات الأوروبية والأميركية وليس التلويح بها، مما يفسح المجال أمام محاكمة هؤلاء الذين سرقوا فيعاد المال المنهوب الى خزينة الدولة حتى تقف على قدميها من جديد”.

شارك المقال