ماذا لو؟

صلاح تقي الدين

فيما الآمال منعقدة على الرياضة الروحية التي دعا إليها البطريرك بشارة بطرس الراعي النواب المسيحيين في 5 نيسان المقبل علّها تحل روح القدس عليهم ليتفقوا على اسم مرشح أو أكثر يختارونه لخوض معركة رئاسة الجمهورية اللبنانية، يبدو أن شهر رمضان المبارك الذي يبدأ اليوم سيحمل معه الصيام إلى الأزمة الرئاسية المستفحلة. لكن الأسئلة التي يبدو مناسباً طرحها كثيرة وتبدأ بماذا لو؟

ماذا لو لم يخرج النواب المسيحيون من هذه الرياضة بتوافق على مرشح وبقيت الطموحات الشخصية متحكمة بالمواقف والطروح المقرونة برفض جبران باسيل لسليمان فرنجية وجوزيف عون وميشال معوض مع حفظ الألقاب ويلاقيه سمير جعجع في منتصف الطريق برفض فرنجية؟

ماذا لو ظل الثنائي الشيعي على تمسّكه بترشيح فرنجية مقابل المعارضة الواقعية للفريق السيادي الذي يعتبره مرشح تحدٍ وبالتالي سيحاول بما أوتي من قدرة تعطيل انتخابه؟

ماذا لو استمرت القوى السيادية في طرح اسم معوض للرئاسة على الرغم من عدم قدرتها على تأمين أكثر من 44 صوتاً له، هل تبحث جدياً في الانتقال إلى خيارٍ ثان؟

ماذا لو انعكست الأجواء الايجابية التي تعيشها المنطقة حالياً بعد الاتفاق الإيراني – السعودي برعاية صينية على لبنان من حيث فرض مرشح يرضي الفريقين الاقليميين النافذين من دون إعارة أي اعتبار لرأي القوى السياسية الداخلية؟

ماذا لو تم انتخاب رئيس بقدرة قادر، هل سيستطيع هذا الرئيس إعادة انتظام العمل المؤسساتي في الدولة وحماية ما تبقى من أجهزتها من الانحلال؟

هل سيكون الرئيس وحده قادراً على النهوض بالبلاد من قعر جهنم التي أوصلنا إليها “العهد القوي” الغابر؟

هل ستكون الطريق معبّدة أمام الرئيس والمجلس النيابي المفكك إلى جبهات متقابلة لاختيار رئيس حكومة ووزراء قادرين على وضع خطة إنقاذية إصلاحية مطلوبة داخلياً وخارجياً على السواء؟

ماذا لو لم تكن هذه الطريق معبّدة واستغرق تشكيل الحكومة أشهراً طويلة بل ربما سنوات، هل ستبقى هناك دولة ومؤسسات تستحق هذه المعارك الدونكيشوتية التي يخوضها الزعماء السياسيون طمعاً برئاستها؟

ماذا وهل إلى ما لا نهاية يمكن طرحها لكن جميع هذه الأسئلة تصب في خانة معرفة ما الذي ينتظر اللبنانيين في خضم التطورات المتسارعة الحاصلة على مستوى المنطقة والعالم؟

لقد وضع أحد أمهر الأطباء اللبنانيين في الخارج الدكتور أمين حداد كتاباً بعنوان “مائة عام من الانحلال” اعتبر فيه أنه منذ قيام دولة لبنان الكبير ولغاية اليوم، لم يحقق لبنان ومسؤولوه السياسيون أي خطوة تجعلهم قدوة للأجيال المتلاحقة لا بل أمعنوا في استغلال كل ما وفّره لهم البلد “الرسالة” و”سويسرا الشرق” لمصالحهم الخاصة من دون أي اعتبار للمصلحة الوطنية العليا ما جعل البلد ينهار رويداً رويداً حتى بلغ الهاوية التي يقبع فيها اليوم.

إن الوصف الذي استخدمه الدكتور حداد حقيقي وواقعي وينطبق بالكامل على هذه الطبقة السياسية الفاسدة التي أمعنت في فسادها لدرجة أنها تستطيع، والحال اليوم مثال على ذلك، تستطيع العيش من دون انتظام في عمل المؤسسات الدستورية، من دون رئيس للجمهورية وفي ظل حكومة تصريف أعمال ومجلس منقسم لا يستطيع التشريع.

انتخاب رئيس للجمهورية ليس الحل المنشود حقاً، فما يجب التطلع إليه هو إعادة صياغة النظام اللبناني المهترئ وهذه الصياغة تبدأ من القاعدة وليس من الرأس. على اللبنانيين أن يقرروا تغيير المسار الذي أجبرهم زعماؤهم على السير به، وهذا يبدأ من اعتماد قانون انتخابات عصري لا يفصل على قياس هذا أو ذاك من السياسيين.

والحل لذلك يكون بانعقاد المجلس في أسرع وقت ممكن لانتخاب رئيس يعمد إلى إجراء استشارات نيابية ملزمة يسفر عنها تكليف شخصية لرئاسة الحكومة وتشكيلها، لكي يكون العمل الأول الذي تقوم به هو صياغة قانون الانتخابات الجديد وتقديمه إلى مجلس النواب لاقراره، ثم التوافق على حل المجلس النيابي لاجراء انتخابات رئاسية مبكرة علّها، إذا كان الشعب قد استفاق من غيبوبته المستمرة منذ قرن، تسفر عن وصول شخصيات جديرة بتحمل المسؤولية تعمل على إعادة صياغة مستقبل البلاد والعباد وفق معطيات وطنية وليس مذهبية أو “مصلحجية”.

على أمل أن يحمل شهر رمضان المبارك ما يتطلع إليه اللبنانيون من استقرار وتحسّن في أوضاعهم المعيشية، يبقى أن “رمضان كريم” وكلنا أمل بأنه كذلك.

شارك المقال