عبوات ناسفة أمنياً وسياسياً

زاهر أبو حمدة

قتل مستوطنان وجُرح 25 آخرون في تشرين الثاني الماضي، في القدس المحتلة. كانت عملية عبقرية من حيث التنفيذ. المهندس الفلسطيني إسلام فروخ، من بلدة كفر عقب شمال القدس المحتلة، عبر من حاجز “عوفر” وهو يحمل أجزاء من العبوات الناسفة داخل مركبته، من دون أن يتعرض للتفتيش. يفيد التحقيق الاسرائيلي المنشور لاحقاً، أن فروخ نجح في إخفاء أجزاء من العبوات الناسفة بعدما صممها داخل المدينة المحتلة، قبل أن يجمعها ويزرعها على مداخل القدس وقرب مفرق حي “راموت” الاستيطاني. كان فشلاً أميناً اسرائيلياً، ليس لأن العبوات الناسفة انفجرت في التوقيت والمكان المناسبين وفقاً لخطة المقاتل الفلسطيني وحسب، إنما لأن تجميع مواد التذخير والتصميم كان ذاتياً من دون مساعدات أو إرشادات فصائلية. يعني أن المهندس هو المُصنع والمخطط والمنفذ.

صحيح أن هذه العملية أخذت وقتاً لكشف معالمها وخيوطها ومن ثم اعتقال فروخ، لكنها وضعت الفدائيين أمام مرحلة جديدة من العمل المقاوم. معروف أن غالبية العبوات تُصنع محلياً لكنها غير فاعلة تجاه العربات والمركبات الاسرائيلية. هنا أصبح العنوان ممكناً أن يُصنّع الفدائيون عبوات لها فاعلية ويمكن أن تقتل.

بعدها ارتفع منسوب القلق عند أجهزة أمن الاحتلال الاسرائيلي، على خلفية تزايد محاولات خلايا المقاومة، تجهيز العبوات الناسفة، واستخدامها في الأشهر الماضية، على غرار ما كان يحدث في انتفاضة الأقصى عام 2000. وتشير صحيفة “هآرتس” الاسرائيلية إلى أنه في الآونة الأخيرة، “كان هناك ارتفاع في مستوى تعقيد الهجمات ومحاولات تنفيذ عمليات مميتة”. وتزعم الصحيفة، اعتقال فلسطيني وضع عبوة ناسفة داخل حافلة في مستوطنة “بيتار عيليت” قرب القدس، والعثور على عبوات بحوزة عناصر مسلحة في قرية جبع قرب جنين. وتلفت إلى أن قوات الاحتلال “أبطلت مفعول عبوة ناسفة، وضعت قبل أيام داخل حافلة مستوطنين قرب القدس، بعد نحو 100 يوم من عملية اسلام فروخ”.

اما ما حدث عند مفترق مجدو قرب مدينة حيفا شمال غرب فلسطين المحتلة، فلفت الانتباه في المؤسسة الأمنية وحتى على المستوى السياسي، لا سيما وأنها حادثة غير عادية، وأشارت وسائل الاعلام العبرية إلى أن “العبوة المستخدمة جانبية، وهي من النوع المستخدم سابقاً بصورة أساسية ضد قوات جيش الاحتلال في جنوب لبنان، في المرحلة التي سيطرت فيها إسرائيل، على المنطقة الأمنية هناك”. وفوراً، حظرت محكمة الاحتلال النشر في تفاصيل انفجار العبوة الناسفة على مفرق مجدو في الوقت الذي تولّى فيه جهاز الأمن العام “الشاباك” مهمة التحقيق في الانفجار. ومن ثم تراجع الاحتلال عن رواية أن الفدائي تسلل عبر نفق من لبنان ليقول إنه استخدم سُلماً عبر من خلاله عبر الحدود اللبنانية – الفلسطينية، وأن العبوة المستخدمة صناعة روسية. الرواية الاسرائيلية حول التسلل من لبنان فيها مبالغة وفبركة. إذا نظرنا إلى الخريطة فسنجد أن جنين أقرب إلى مجدو من لبنان. يعني إذا تسلل فدائي من السيلة الحارثية عبر شارع 66 يصل في دقائق. اما لماذا يريد الاحتلال إدخال أطراف خارجية في العمل المقاوم؟ فالإجابة لأنه يرفض إعطاء اعتبار للفلسطينيين أنهم قادرون على فعل ذلك من دون مساعدة خارجية. طبعاً هذا لقتل الروح المعنوية الفلسطينية، ليقول: الفلسطيني لا يمكنه فعل هذا العمل الخطير.

في المقابل، يحاول الاحتلال تصدير أزمته الداخلية نحو الحدود إن كان مع لبنان أو مع الأردن بعد الأزمة الأخيرة بوضع خريطة الأردن ضمن الحدود الاسرائيلية. ما فعله وزير المالية الإسرائيلي ورئيس حزب “الصهيونية الدينية”، بتسلئيل سموطرش، ليس عبثياً أو لأنه يستند إلى رؤيته الدينية والسياسية، إنما لإشغال الأطراف الاسرائيلية كلها بمعارك جانبية بعيداً عن التظاهرات ضده وضد حكومته. وهكذا العبوات الناسفة تحول المواجهة إلى مرحلة فيها تطور أمني وعسكري وكذلك سياسي. وربما دولة الاحتلال لأول مرة منذ تأسيسها تواجه هذا الكم من العبوات الموقوتة. وفي مرحلة لاحقة قريبة جداً، ستكون العبوة الأهم لتسقط حكومة بنيامين نتنياهو.

شارك المقال