صراع "الدِيَكة" في الوقت الضائع!

كاتب

الكل في لبنان بات "يلعب" في الوقت الضائع بكل ما لكلمة اللعب من معنى، حيث لا حراك جدِّي بارز على الساحة السياسية الداخلية، الأمر الذي يُؤكد مرة أخرى خواء هذه الطبقة السياسية سواء الحاكمة منها، أو "المعارِضَة" على إختلاف مشاربها وتياراتها التقليدية منها والتغييرية.
فما شهدناه في الأيام الأخيرة من حراك وعراك أشبه بـ "صراع الدِيَكة" ناتج عن ممارسات ومناكفات وتصريحات، لا يمكن أن يدخل إلا في باب العبث السياسي والأخلاقي، واللعب بمصائر الناس والبلد بخفة ما بعدها خفة، بدايةً من موضوع التوقيت وصولاً إلى موضوع المطار مروراً بـ"موقعة المجلس"، حيث تطايرت الاتهامات والاهانات المشينة في قاعاته، هو الذي يُفترض أن تكون له "قدسيته" السياسية بإعتبار أنه "سيد نفسه"، عدا عن أنه يُعتبر بمثابة "المعبد" السياسي حيث يتم التشريع لمصالح البلد والناس، تماماً كما المسجد والكنيسة والمعبد بالنسبة الى العامة من الناس في المجتمع.
قرار مفاجئ وغير مدروس يُتَّخذ في جلسة صفاء ثنائية يقضي بتأجيل التوقيت الصيفي، وهو بغض النظر عن الخفة التي اتخذ بها والتي كان من الممكن نقاشها ومعارضتها بهدوء وروية، إلا أنه في النهاية قرار إداري عادي لا "يُهدِّد" الأمن القومي للبلد مثلاً، ولا يمس بجوهر الدستور اللبناني ولا بصيغة "العيش المشترك" بمعناها الوطني العميق، ومع ذلك كاد أن يتحوَّل إلى قرار بحرب أهلية وطائفية و"ذبح" على الساعة كما ذهب ساخراً بعض الناشطين، بسبب من أن هناك من هو "فاضي" قرَّرَ أن يعمل "قاضي" كما ذكرنا في مقالة سابقة، ونجح للأسف مرة أخرى في جر الجميع إلى المعمعة، فغابت الحكمة ودخل العقل في إجازة، حيث لا "حكيم" رأينا ولا "عاقل" سمعنا، بل رأينا وسمعنا ما لم نرَه ولم نسمعه في الدفاع مثلاً عن المودعين وأموالهم، والمرضى ودوائهم، والطلاب ومدارسهم، والشباب وغربتهم في مجتمعهم، والنساء في تعنيفهم وقتلهم. كذلك الأمر في مجلس النواب الذين فوَّضهم الشعب التشريع بإسمه والدفاع عن مصالحه، فإذا بهم يتصرفون كـ"سُكارى في حانة"، يتلفظون بألفاظ سوقية من "الصباط" ونازل، و"بيَّك مجرم وبيي أحسن من بيَّك وعيلتي أحسن من عيلتك" وغيرها من الألفاظ التي تؤكد على الدرك الذي وصل إليه الوضع السياسي والأخلاقي في البلد.
في صفقة المطار كذلك، خفة ما بعدها خفة في الاعلان عن المشروع كما في سحبه بعد الضجة التي أثيرت حوله - سواء عن حق أو عن باطل - ومع ذلك يَعتبر الوزير المعني بأن تجميد المشروع أو سحبه "شجاعة" منه، بينما الشجاعة التي نراها تكون بالاستمرار في الدفاع عن المشروع حتى النهاية - في حال لم يكن هناك ما يثير الريبة في الصفقة - وإلا فقد توحي الأمور بالطريقة التي جرت فيها، بالعكس للأسف الشديد.
كل هذا يجري في بلد بات في أسفل قائمة الدول في كل المجالات بشهادة المنظمات والمؤسسات الدولية الرصينة، وما ذلك إلا في سبيل تسجيل النقاط على الآخر وملء الوقت الضائع تورية لفشل في إنجاز أهم إستحقاق دستوري، يمكن أن يكون البداية للإنقاذ الحقيقي إذا ما أنجز بحكمة عالية ووطنية صادقة صافية، وبعيدة كل البُعد عن التحريض والتجييش الطائفي البغيض تلبية لمصالح شخصية وسياسية ضيقة لأي طرف داخلي أو خارجي، وذلك عبر إنتخاب شخصية رزينة ومحترمة وذات خبرة في الشؤون العامة، وكذلك ذات بُعد وطني جامع لا طائفي مُستفِز، شخصية منفتحة على العالم الخارجي وعلى معرفة بكيفية التعامل معه وبأدواته الجديدة، فالعالم كما هو معروف يتغيَّر ويتبدل بإستمرار، كذلك الاقليم الذي يُحَاول أن يلحق بركب التطور المتسارع الذي يجري على أكثر من صعيد وبوسائل وأدوات جديدة تواكب هذا العصر، فيما "العصابة" عندنا لا تزال "تلعب" بأساليبها وأدواتها القديمة التي أثبتت فشلها أكثر من مرة، بحيث باتت منتهية الصلاحية أشخاصاً وأساليب وشعارات، مع ذلك هي مصرة على تلميع نفسها وتجريب المجرَّب وكأن شيئاً لم يكن، متجاهلة ما تسببت به للبلد والناس من أضرار وخسائر كبيرة مادية ومعنوية، عندما أوصلته إلى قاع المجتمع الدولي، ما يؤكد أنها تعيش حالة إنفصام خطيرة وإنفصال عن الواقع، معتقدة بأنها محور التفاهمات الاقليمية، بينما هي في الواقع لا تعدو كونها تفصيلاً صغيراً في هذه التفاهمات، لتبدو في غرورها كذاك الديك - وما أكثر دِيَكة الطوائف عندنا - الذي يعتقد بأن الشمس تشرق خصيصاً له لكي يصيح، في الوقت الذي تكون فيه الشمس تشرق على يوم جديد قد يكون فيه الديك" مطروحاً على المائدة، عربون تفاهمات الكبار التي لا تعترف بغباء الديكة ولا بصياحها مهما علت أصواتها، ومهما نفشت من ريشها، فهل نطمع بالعثور على "ديك فصيح" واحد، يفهم لغة العصر ويتعامل بها ويُخرِج البلد من لعبة "الوقت الضائع"، ليملأه حركةً إيجابية وعملاً جدِّياً ورصيناً، يعوِّض بهما على اللبنانيين ما ضاع منهم في السنوات الماضية قبل فوات الأوان؟ هذا هو السؤال، وهذا هو التحدي.