مصالح الدول أكبر من كل الصراخ اللبناني

محمد شمس الدين

يظن اللبنانيون أن الدول الصديقة تهمها مصلحة لبنان فوق كل اعتبار، بل أكثر من ذلك يظنون أن الأولوية الدولية هي لبنان، كأنه البلد الذي تقف عنده قضايا الكوكب كله، ربما يعود هذا الأمر إلى تاريخ فينيقيا، التي سيطرت على المتوسط في مرحلة تاريخية، وكان يحسب لها الحساب بين الامبراطوريات العظمى في ذلك الزمن، ولكنهم نسوا أو تناسوا أن فينيقيا القديمة جعلت نفسها محور المنطقة، ليس بقوتها العسكرية، بل بقوتها التجارية التي سجلت في التاريخ، إلا أن هذه القوة لم تستمر، فعندما وجدت بعض الدول أو الجماعات أن مصلحتها تقضي بمحاربة الدولة الفينيقية لم تتوانَ عن ذلك، وأرسلت الجيوش والغزاة إليها، حتى لم يبقَ من الحضارة الفينيقة إلا آثارها في نهاية المطاف. يبدو أن اللبنانيين لم يقرأوا التاريخ جيداً ليتعلموا منه، فإن كان للبنان دور في يوم من الأيام، هذا الدور انتهى منذ زمن، ولم يبقَ إلا الهاجس الأميركي على أمن اسرائيل، الذي وبتقديرات الأميركيين لا يمكن تهديده طالما أن لبنان الكيان الذي هو نقيض الكيان الاسرائيلي انتهى، وتفشت الانقسامات والطائفية فيه، بل أصبحت الفديرالية مطلباً عند بعض القوى في الداخل.

اليوم هناك مصلحة لبعض الدول مع لبنان، أولها الدول التي تتبع لها الشركات في الكونسورتيوم اللبناني للتنقيب عن الغاز، وهي فرنسا، إيطاليا وقطر بعد انسحاب الشركة الروسية منه، وهذه الدول الثلاث تحظى بعلاقات أكثر من ممتازة مع ايران، وإن كانت علاقة الأخيرة بفرنسا وقطر مشهورة أكثر من علاقتها بإيطاليا، إلا أنها في الاجمال جيدة لدرجة ارسال البحرية الايرانية منذ بضع سنوات سفناً حربية إلى إيطاليا لتعزيز العلاقات مع البحرية الايطالية. ومن هذا المنطلق يمكن استنباط الدور القطري والفرنسي والايطالي في الشأن اللبناني، بحيث أن “حزب الله” يعتبر بالنسبة اليها الذراع الأولى لايران في المنطقة، ويمتلك الشعبية الأكبر في بيئته، وليس قوياً عسكرياً وحسب، بل متماسك وقوي سياسياً أيضاً، وبالتالي ما تحتاجه هذه الدول هو أن يحظى الحزب بالضمانات المحلية والدولية، كي تستطيع العمل في حقول الغاز اللبناني بسلام، فضلاً عن أن الأمر من شأنه أن ينعكس إيجابية أكثر على علاقاتها مع إيران.

لا تتعامل الدول بالأسماء، ولا تهمها فعلياً الأدوار الطائفية في البلد، كل ما يهمها هو مصالحها، وقد تكون عارفة بالتركيبة اللبنانية، ولذلك تستطيع عرض الصفقات على القوى السياسية ولكنها في خطتها الأساسية يهمها مصالحها، لذلك كل الصراخ الداخلي اللبناني لن يكون له معنى عندما تكون الأمور متعلقة بمصالح الدول، فلن تقف فرنسا أو قطر عند حدود “الأكثرية المسيحية”، وحتى السعودية التي ترعى اتفاق الطائف وتؤكده وتثبته، قد تستطيع الحصول على ضمانات لمصالحها في المنطقة، وعندها يكون الملف اللبناني هامشياً وليس أساسياً، تحديداً بعد اضطراب العلاقة بصورة كبيرة مع السعودية في السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى رؤية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لبلده أن يكون مركز العالم، وعلى الرغم من أن رؤية 2030 تتضمن الدول العربية ككل إلا أن أولويتها الكبرى هي السعودية، وما الانماء الذي يحصل في المملكة إلا دليلاً على ذلك، فلماذا تخرج أموال المستثمرين خارج السعودية، بينما يمكن أن تستثمر في الداخل السعودي؟ وفي قراءة لما يقوم به بن سلمان في السعودية، فقد استنسخ فعلياً النماذج من لبنان ودول أخرى وبناها داخل السعودية بطريقة متطورة أكثر، ولا بد من التنبه الى أن رؤيته للمنطقة تحتاج الى هدوء على الساحات، وبالتالي هذا هو السبب الرئيس للتهدئة مع إيران وإعادة فتح العلاقات معها، بل انه سبب أساس للتطبيع العربي مع سوريا أيضاً.

المشكلة ليست في الدول الاقليمية، فاللبنانيون على الرغم من شهرتهم بالأمثال الشعبية يبدو أنهم نسوا المثل الشهير “بحبك يا اسوارتي بس مش قد زندي”، فما زالوا يظنون أن العالم يتمحور حولهم، والقوى السياسية لم تحسن قراءة المشهد الدولي والاقليمي، وتفكر في مصالحها الضيقة فقط، ولذلك كل السياسيين الذين يتسلقون شجرة التصعيد، سيقعون أشد وقعة، عندما تحصل التسوية وفق مصالح الدول، وعندها، كل الخطابات عالية اللهجة، والتي تنتهج لغة التحريض والطائفية لن تساهم إلا في زيادة الشرخ بين اللبنانيين.

شارك المقال