أوكرانيا: أزمة مصداقية أميركية وتضليل روسي

حسناء بو حرفوش

هل فشل مشروع “أمركة” العالم؟ وفقاً للمحلل الإيطالي لوسيو كاراتشولو: ما عاد العالم يشبه المشروع الغربي الذي تصورته الولايات المتحدة، وبغياب مشروع بديل ربما يبدو أن الحضارة تحترق لعدد من الأسباب أهمها أن وقف إطلاق النار ليس في الأفق في أوكرانيا. ويعود ذلك الى أمل بوتين في اختراق الجبهة لفرض شروط وقف إطلاق النار على الغرب بشكل يفرض هيمنة روسيا المتجددة على “أشقائها” الأوكرانيين.

ويلفت كاراتشولو إلى أن “الاتجاه الرئيس في العالم هو التوحيد التدريجي لساحات القتال، وهذا يعني الاقتراب من مرحلة الزلزال الكوني، حيث يسير العالم باتجاه الحرب العالمية الثالثة بشكل يصعب تجنبه. وهذا ما يتضح جلياً من خلال التوتر بين الولايات المتحدة والصين وروسيا بحيث قد يخيل للشخص أن المواجهة الشاملة أمر لا مفر منه. وعندما يقتنع المرء بأن الحرب لا مفر منها، يغرق في خداع نفسه أملاً بأن يخرج منتصراً، ويضيع في دوامة البروباغندا.

وفي هذا السياق، يلعب العامل البشري دوراً مثيراً للاهتمام، ويطرح السؤال: من هو المستعد للموت من أجل الوطن الأم؟ في أوروبا، وبالنظر إلى متوسط العمر والازدهار والاعتياد على السلام، تتقلص نسبة مقاتلي القرن العشرين وتبدو القارة أقل استعداداً للمبارزة. أما الروس والأميركيون فأكثر ميلاً الى الروح المحاربة. أضف إلى ذلك عنصراً ثانياً وهو الاستعداد الأكبر اليوم لخوض الحروب بالوكالة: نحن لا نرغب في القتال، فإذن نسلح أولئك الذين يستطيعون ويريدون ذلك.

ولكن الغرب لا يضمن التناسق بين الفاعلين الذي سيحاربون باسمه وخير دليل تردد الأوكرانيين في وضع مصيرهم بيده مقابل ترددهم أيضاً في التخلي عن دعمهم. ولا أحد يعرف مدى استدامة هذا الانقسام. في كل الأحوال، يدرك جميع الفاعلين أن لا عودة الى الوراء وأنه لا يمكن استرجاع الوضع السابق. وسيحسن الأوروبيون صنعاً إذا تعايشوا مع فكرة أن هذه الحقبة قد مرت ولن تعود أبداً.

في المقابل، تبقى أزمة مصداقية “المظلة الأميركية” المفترضة التي من شأنها حماية الأوروبيين الأطلسيين. هل الولايات المتحدة مستعدة للمخاطرة بالمحرقة الذرية للدفاع عن شركائها في كل مكان حول العالم؟ هناك تسلسل هرمي ضمني في الرؤية الأميركية لأوروبا. فقد تنخرط واشنطن في تصادم نووي إذا دمرت موسكو لندن أو حتى باريس. لكن ماذا لو كان الهدف ألمانيا أو إيطاليا؟

بالنسبة الى أوكرانيا، هناك علامة استفهام ضخمة. وكييف تعرف أن الضمانات الغربية لها حدود، والنتيجة انعكست بسباق التسلح. وها هم أولئك الذين لا يمتلكون قنابل ذرية ولكن قادرين على تحمل تكاليفها، يفكرون في الحاجة الى تجهيز أنفسهم بها، بدءاً من ألمانيا.

وفي سياق متصل، كشف تقرير في صحيفة “نيويورك تايمز” عن وثائق حرب سرية توضح خطط “الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي لبناء الجيش الأوكراني قبل هجوم مخطط ضد روسيا”. وتشكل هذه الخطط موضع تحقيق من البنتاغون الذي يحاول الكشف عمن يقف وراء تسريبها، بعد نشرها على “تويتر” و”تليغرام”، بينما ربط بعض المحللين الوثائق بجهود تبذلها موسكو “في محاولة جديدة للتضليل”.

شارك المقال