كما كان متوقعاً، لم يتمتع النواب المشاركون في الرياضة الروحية التي دعا إليها البطريرك بشارة الراعي بالروح الرياضية التي كانت لتسمح بتوافقهم على مرشح رئاسي قادر على الوصول إلى بعبدا، فظلوا متمترسين خلف مواقفهم التي من الصعب التقريب بينها ويصعب معها توجههم إلى البرلمان لممارسة الدور المطلوب منهم دستورياً ووضع لبنان على طريق الإصلاح والإنقاذ.
لكن مصادر مقرّبة جداً من الثنائي الشيعي وتحديداً من “حزب الله” كشفت أن الحزب صار مقتنعاً بخيار المرشح الثالث لادراكه صعوبة تأمين الأكثرية المطلوبة لمرشحه رئيس تيار “المردة” النائب والوزير السابق سليمان فرنجية، وعدم قدرته على تحمّل تبعات إبقاء البلد في فراغ رئاسي كما فعل مع الرئيس السابق ميشال عون.
وكشفت المصادر لموقع “لبنان الكبير” أن الاستمرار في حال المراوحة الحالية في ظل الانفراجات التي تلوح في الاقليم سيزيد من حال التأزم والانهيار التي يعاني منها لبنان، وبالتالي أصبح “حزب الله” ميالاً أكثر إلى البحث في اسم مرشح ثالث لا يشكّل تحدياً له ولا يطعنه في الظهر والأهم أن يكون مقبولاً من الأكثرية المسيحية وهذا ما لا يتوافر في فرنجية على الأقل من ناحية القبول المسيحي.
وعن احتمال دعم الحزب ترشيح قائد الجيش العماد جوزيف عون، أكّدت المصادر أن أمام العماد عون عقدتين، الأولى مسيحية من خلال رفض “التيار الوطني الحر” ورئيسه النائب جبران باسيل مجرد فكرة انتخابه رئيساً، والعقدة الثانية هي التي تدفع الحزب الى الوقوف خلف رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يشدّد على ضرورة إجراء تعديل دستوري للمادة 49 كي يصبح انتخاب عون وارداً.
وأشارت المصادر إلى أن فرنجية خلال زيارته “الاعلامية” الى باريس ولقائه بالمستشار باتريك دوريل، رد على الاسئلة التي وجهها الأخير اليه وخصوصاً في ما يتعلق بالضمانات التي يمكن أن يقدّمها الى المملكة العربية السعودية وكيفية مقاربته مسألة سلاح الحزب في الداخل.
وفي هذا الاطار، جاء الرد الذي وقع كالصاعقة على لسان البطريرك الراعي خلال عظة عيد الفصح المجيد، اذ أكّد أن على الرئيس المقبل أن يتمتع “بالثقة التي تتراكم نتيجة أعماله ومواقفه وليس من خلال تقديم الضمانات أو النجاح في الامتحان الذي يتقدم إليه سواء في الخارج أو الداخل”، وهذا الموقف وإن لم يذكر فرنجية بالاسم، فمن الواضح أنه كان يتوجه إليه.
وفي ما يتعلق بالمملكة العربية السعودية، فإن مواقفها بخصوص الانتخابات الرئاسية واضحة وجلية ويكررها المسؤولون السعوديون في كل مناسبة سواء من وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان أو المستشار المكلف ادارة الملف اللبناني نزار العلولا أو سفير خادم الحرمين الشريفين لدى لبنان وليد بخاري، فهي لا تتدخل في الأسماء ووضعت مواصفات للرئيس العتيد وتترك الأمر بين أيدي النواب لينتخبوا الرئيس الذين يرونه مناسباً، وبعدها ستتعامل المملكة مع هذا الرئيس وحكومته انطلاقاً من البرنامج الذي ستتولى تنفيذه.
واعتبرت المصادر أن الاتفاق السعودي – الايراني الذي حصل برعاية صينية ستكون له مفاعليه الايجابية على صعيد المنطقة وسيطال لبنان حتماً، إنما الأولوية بالنسبة الى الرياض كما بالنسبة الى طهران هي وقف الحرب في اليمن وعدم تدخل أي بلد في شؤون البلد الآخر وتطوير العلاقات الثنائية بما يحفظ الأمن القومي للبلدين.
كما إن هذا الاتفاق بحسب المصادر، له علاقة بالوضع السوري الذي وضع على نار حامية في ما يتعلق بعودة دمشق إلى الجامعة العربية واحتمال توجيه دعوة إلى رئيس النظام بشار الأسد للمشاركة في القمة العربية المقبلة في الرياض في 19 أيار المقبل، غير أن للأسد مشاغله التي تصرفه عن الاهتمام بالشأن اللبناني من اقتصادية وإعادة إعمار ما هدّمته الحرب الدائرة منذ العام 2011.
وأضافت: “إن ما يهم السعودية هو التعاون مع دمشق في منع تهريب الكبتاغون من أراضيها إلى الخليج، وهذا الأمر يأتي في سلم أولوياتها في علاقتها معها”.
وحول زيارة الموفد القطري إلى لبنان، شدّدت المصادر على أن وزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمد بن عبد العزيز الخليفي لم يطرح خلال لقائه رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع اسم قائد الجيش للرئاسة كما أشارت بعض التقارير الصحافية، لكنه فعل ذلك في لقائه مع “حزب الله” ولم تتضح صورة الجواب الذي حصل عليه، علماً أن الحزب لم يبدِ سابقاً أي اعتراض على اسم العماد عون سوى من الناحية الدستورية.
ولم تستبعد المصادر فكرة عقد مؤتمر للقوى السياسية اللبنانية يسبق انتخاب رئيس للجمهورية، مشيرة إلى أن جدول أعمال هذا المؤتمر قد يتناول مواضيع مختلف عليها بين هذه القوى مثل قانون الانتخاب الجديد واعتماد اللامركزية الادارية الموسعة قبل التوافق على اسم الرئيس العتيد للجمهورية واسم رئيس الحكومة التي يجب منحها صلاحيات استثنائية لمدة عامين على الأقل لكي تتمكن من تحقيق الاصلاحات المطلوبة.
وأمام هذا الواقع، فإن الكرة أصبحت فعلياً في مرمى “حزب الله” الذي عليه أن يبادر إلى التخلي عن دعمه لفرنجية والانتقال إلى البحث الجدي في اسم مرشح ثالث، وبذلك يلاقي دعوة رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط الذي بادر إلى إعلان لائحة من أسماء مرشحين غير “استفزازيين” ولا يشكلون تحدياً لأي فريق سياسي، وأبناء الطائفة المارونية الذين يحملون هذه الصفات كثيرون وما على النواب إلا الاختيار من بينهم من هو قادر على القيام بالمهام الجسيمة التي ستلقى على عاتقه منذ اليوم الأول لدخوله إلى بعبدا.