الكيان اللبناني نقيض الاسرائيلي… لا يمكن أن يكون فديرالياً!

محمد شمس الدين

كلما انسد الأفق السياسي في لبنان تعلو أصوات الطامحين الى الفديرالية، من منطلق أن لكل طائفة في لبنان خصوصية ويجب أن تحصل على حكمها الذاتي. ولكن الفديرالية عادة ما تكون لتوحيد المقسم وليس لتقسيم الموحد، فلبنان قبل تأسيسه في العام 1920 كان جزءاً مما يعرف ببلاد الشام في حينه، والتي كانت تخضع لحكم الامبراطورية العثمانية، وبعد الحرب العالمية الأولى وفوز الحلفاء تم تقاسم الدول ووضعت تحت الاستعمار، قبل أن تحقق هذه البلدان استقلالها وتصبح كما هي عليه اليوم. وبالتالي من غير المنطقي تقسيم المقسم أصلاً، تحديداً أن لبنان بلد صغير، لا تتجاوز مساحته بعض المدن في دول أخرى.

أولاً في تعريف النظام الفديرالي: هو نمط من أنماط التنظيم السياسي والمؤسساتي للدول تتحد بموجبه مجموعة وحدات سياسية مستقلة (دول، ولايات، كانتونات… إلخ) في دولة فديرالية واحدة، على أن تتمتع الوحدات السياسية باستقلالية واسعة في تدبير شؤونها وبهياكل مؤسساتية مستقلة تماماً عن الحكومة الفديرالية، مع أن العلاقة بين الطرفين يجب أن تبقى محكومة بمبدأ تقاسم السلطة والسيادة.

وفي النظام الفديرالي تتوافر الوحدات الفديرالية لحكومات كاملة الصلاحيات في تدبيرها للشأن المحلي، في حين تؤول الى الحكومة المركزية السلطات المتعلقة بالسياسة الخارجية والدفاع، كما تتولى جميع الشؤون المالية كتحصيل الضرائب ووضع الميزانية الفديرالية، ويكون للوحدات السياسية الفديرالية نصيب من عائدات الضرائب والنشاط الاقتصادي والاستثماري الذي يتم على أراضيها.

التعريف واضح، هو اتحاد بين مجموعة من الكانتونات تتفق على سياسة خارجية ودفاعية واحدة تديرها الدولة المركزية، وهذه هي المشكلة في لبنان، هناك اختلاف على الخارجية والدفاع، فكيف يمكن أن تكون دولة فديرالية؟

أمر لا يعرفه كل اللبنانيين أن بلدهم هو نقيض الكيان الصهيوني العنصري، بل إن تفتيت لبنان الكيان برأي الاسرائيليين هو مدخل لتفتيت كل الدول العربية، وهذا ما أكد عليه مقال نشر في العام 1982، لموظف سابق في وزارة الخارجية الاسرائيلية عوديد ينون، عندما كان لبنان لا يزال في خضم الحرب الأهلية، ومقسماً بين الميليشيات الطائفية، فقد جاء في المقال حينذاك: “إن تفتت لبنان كلياً إلى خمس مقاطعات إقليمية هو بمثابة سابقة للعالم العربي بأسره، بما في ذلك مصر وسوريا والعراق وشبه الجزيرة العربية التي أخذت تنحو منحى مشابهاً منذ اليوم. إن تفتيت سوريا والعراق لاحقاً إلى مناطق ذات خصوصية اثنية ودينية على غرار لبنان وارد، وهو هدف من الدرجة الأولى بالنسبة الى إسرائيل في الجبهة الشرقية في المدى البعيد، في حين أن تشتيت القوة العسكرية لهذه الدول هو اليوم الهدف المرسوم في المدى القصير. فسوريا سوف تتفتت وفق تركيبها الاثني والطائفي، إلى عدة دول مثل لبنان حالياً، بحيث تقوم على ساحلها دولة علوية شيعية، وفي منطقة حلب دولة سنية، وفي منطقة دمشق دولة سنية أخرى معادية للدولة الشمالية، والدروز سيشكلون دولة، ربما أيضاً في الجولان عندنا، وطبعاً في حوران وشمالي الأردن، وسيكون ذلك ضمانة للأمن والسلام في المنطقة بأسرها على المدى الطويل، وهذا الأمر في متناول أيدينا منذ اليوم”.

هذا الكيان الذي تم التأكيد على وحدته في اتفاق الطائف لا يمكن تفتيته مجدداً، والخلاف بين مكوناته، ليس بسبب أن المسلمين ينزعجون من جرس الكنيسة، ولا بسبب انزعاج المسيحيين من آذان الجامع، بل انه في وسط عاصمة الكيان بيروت، تجد جامعاً وكنيسة الى جانب بعضهما البعض، وهذا أمر موجود في معظم الأراضي اللبنانية. بالإضافة إلى ذلك غالبية القرى والبلدات اللبنانية تجد فيها من كل المكونات، مسلمون يعيشون في منطقة عين الرمانة ذات الغالبية المسيحية، ومسيحيون يعيشون في منطقة الصفير ذات الغالبية المسلمة، وستجد أن مسلماً هنا أقاربه مسيحيون، ومسيحياً هناك أقاربه مسلمون، وهذا الأمر يسترعي الانتباه في المناسبات أو في الأعراس، فتجد أن الصالة مقسمة بين من يتناول الكحول وبين من ينبذها بسبب وجود أقارب من مختلف الطوائف، وبالتالي المشكلة ليست في تعايش المكونات مع بعضها البعض، على الرغم من اختلاف ثقافتها، بل المشكلة هي في السياستين الخارجية والدفاعية، وهذا أمر أساس في أي دولة فديرالية، فإذا لم يتوافر الاتفاق على هذين الأمرين لا يمكن أن تكون هناك دولة مركزية فديرالية. أما عن كيفية الحل؟ فالحل موجود وقديم، وكلف عشرات الآلاف من الضحايا، واسمه “اتفاق الطائف”، فبدلاً من حمل لواء الفديرالية، يجب حمل لواء تنفيذ دستور الطائف كاملاً.

شارك المقال