روسيا وايران تؤسسان لنظام أوروآسيوي جديد

حسناء بو حرفوش

مع عزل الغرب كلاً من روسيا وإيران، أقام البلدان تحالفاً على أساس المعارضة المشتركة للهيمنة الغربية والحاجة المتبادلة الى الالتفاف على العقوبات، حسب قراءة في موقع Stimson الالكتروني للاعلام والبحوث. وحسب مقال إميل أفدالياني، أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأوروبية في تبليسي بجورجيا والباحث المتخصص في “طريق الحرير”: “لطالما نُظر إلى العلاقات بين الخصمين التاريخيين على أنها فشلت في تحقيق إمكاناتهما، لكن ميل إيران نحو موسكو خلال الحرب في أوكرانيا ساهم في تغيير الديناميكية. وفي الواقع، تمكنت القوتان الأوروآسيويتان أخيراً من إيجاد أرضية مشتركة بشأن المسائل العالمية والاقليمية الحرجة.

من منظور تاريخي، يكتسب التقارب بين إيران وروسيا أهمية خاصة. فلم يكن لدى الدولتين الأوروآسيويتين علاقات وثيقة في أي وقت منذ أواخر القرن السادس عشر، عندما اشتركت موسكو وإيران الصفوية في معارضة الامبراطورية العثمانية المتوسعة. ولا يزال معظم الايرانيين لا يثقون بالروس ويتذكرون كيف احتلت الامبراطورية الروسية ثم السوفياتية لاحقاً أجزاء من الامبراطورية الفارسية.

ومع ذلك، لطالما اعتبرت روسيا أقل تهديداً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في العام 1991، وأصبحت ما بعده مورداً مهماً للأسلحة والتكنولوجيا النووية لايران. والآن نشأ هذا التحالف لمواجهة الهيمنة الغربية.

قد تكون إيران براغماتية للغاية، فقد رأى المسؤولون في طهران كيف فشلت روسيا في طموحها لفرض إرادتها بالكامل على أوكرانيا، مما أجبرها على الاعتماد على القوى الأوروبية الآسيوية. إذا كانت طهران في السابق قد دفعت من دون جدوى لتنفيذ العديد من المشاريع المتوقفة منذ فترة طويلة، فإن روسيا الآن في أمس الحاجة إلى إيران.

كما كُتب الكثير عن التعاون العسكري والالكتروني المتنامي، لكن العلاقات التجارية المزدهرة والتوسع المخطط له لممر العبور الدولي بين الشمال والجنوب بقي في الظل. وقدمت المبادرة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين لكنها فشلت في التحقق بسبب نقص الاستثمار نتيجة العقوبات الغربية المفروضة على إيران. في ذلك الوقت، كانت روسيا أيضاً أقل اهتماماً بالتجارة باتجاه الجنوب.

لكن في ضوء الحرب في أوكرانيا، اكتسب الممر أهمية جديدة. وزار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين طهران في تموز 2022 وتعهد الجانبان بمواصلة استكمال الممر. وتأمل إيران أن ترى إطلاق الطريق بحلول العام 2025. وحتى الآن، أدى التوسع في استخدام الممر بالفعل الى مضاعفة نقل البضائع؛ التي تجاوزت شحناتها 2.3 مليون طن في الفترة الممتدة من كانون الثاني إلى آذار 2023.

ويختصر الممر وقت العبور من الهند إلى أوروبا ويمكنه ربط الموانئ الروسية بالخليج العربي والمحيط الهندي، ويتكون من ثلاثة فروع رئيسة: عبر بحر قزوين ، و”فرع” غربي على طول الساحل الغربي لبحر قزوين، وطريق آسيا الوسطى عبر تركمانستان. علاوة على ذلك، بالنسبة الى إيران، يفتح الممر الوصول إلى عشر مدن يسكنها مليون مستهلك أو أكثر على طول نهر الفولغا، وهو أيضاً رابط إلى آسيا الوسطى الأوسع وربما الموانئ الأذرية والجورجية على البحر الأسود.

ومع ذلك، تجدر الإشارة أيضاً إلى أن إكمال الممر ليس مضموناً، ويعتمد تشغيله على العديد من المتغيرات، بما في ذلك العلاقات المتوترة بصورة متزايدة بين إيران وأذربيجان، والتي أصبحت غير مستقرة منذ انتصار باكو الحاسم في حرب ناغورنو كاراباخ الثانية في العام 2020. واندلعت التوترات في وقت مبكر من هذا العام بهجوم مميت على السفارة الأذربيجانية في طهران.

وفي هذا النظام الجديد، تستعيد روسيا وإيران ماضيهما الامبراطوري، لكنهما هذه المرة أكثر حذراً في عدم التضارب وتحاولان بناء نظام مختلف، ومع ذلك، لا ينبغي أن يُنظر إلى التقارب بينهما على أنه يقود إلى تحالف نهائي. في الواقع، في النظام العالمي الأوراسي الجديد الذي تتصوره موسكو وطهران، لا يحتاج البلدان إلى تشكيل تحالف فعلي لأن ذلك سيحد من قدرتهما على المناورة في عصر جديد متعدد الأقطاب، وسيستخدم كلاهما الآخر لتعزيز مواقفهما التفاوضية على المسرح العالمي. على سبيل المثال، سعت روسيا الى الحصول على تنازلات بشأن أوكرانيا كثمن لدعمها المستمر لاحياء الاتفاق النووي الإيراني، أما إيران، من جانبها، فأقل استعداداً لإحياء الصفقة لأنها تتمتع بدعم ضمني من موسكو.

إيران ليست ساذجة لكنها تنتهج سياسة براغماتية للغاية تجاه روسيا، التي تعد بالنسبة الى طهران، مجرد عنصر في جهودها الأكبر لبناء سياسة خارجية أكثر تنوعاً تشمل تعزيز العلاقات مع جيران أوراسيا والتقارب الأخير مع المملكة العربية السعودية في صفقة توسطت فيها الصين. بالنسبة الى طهران، يُنظر إلى العلاقات الأوثق مع روسيا على أنها تؤدي إلى نظام أوروبي آسيوي متعدد الأقطاب مع زيادة القدرة على المناورة ومجموعة أكبر من خيارات السياسة الخارجية.

وكما هو الحال مع العلاقات الروسية المتنامية مع الصين، يجب أن يُنظر إلى تقارب موسكو مع طهران بصورة متزايدة على أنه تطور طويل الأمد. ومن المرجح أن تستمر الحرب في أوكرانيا لبعض الوقت، وكذلك المنافسة المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين والتعزيز التدريجي لموقف بكين في الشرق الأوسط. ولن تؤدي هذه الاتجاهات الرئيسة إلا إلى تقارب أكبر بين طهران وموسكو”.

شارك المقال