الذكاء الاصطناعي… الغرب يقيّده والصين تريده “اشتراكياً”

حسين زياد منصور

لا يزال “شات جي بي تي” حديث العالم في مجال الذكاء الاصطناعي، ولكن على الرغم من التطور والتقدم الذي ينجز، لم يصبح مصدراً موثوقاً للمعلومات، ويعود ذلك الى وجود العديد من المغالطات، اذ يواجه مشكلات في كثير من دول العالم إن كان في أوروبا أو أميركا خصوصاً تلك التي تتعلق بحماية البيانات والأنظمة الخاصة بالذكاء الاصطناعي، مع دعوات رجال أعمال وخبراء ومدراء تنفيذيين الى التوقف عن تطوير ذكاء اصطناعي قوي، وحتى الصين حيث لا يمكن استخدام “شات جي بي تي”، في شركات التكنولوجيا المحلية الكبرى التي تنافس على تصميم أدوات مكافئة، وتعتزم الصين إخضاع أدوات الذكاء الاصطناعي لاجراءات “تدقيق أمني” في مدى التزام محتوياتها “القيم الاشتراكية الأساسية” وعدم مساسها بأمن الدولة.

الولايات المتحدة

في الولايات المتحدة التي تعد موطن أكبر شركات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وأشهرها شركة “أوبن ايه آي” المدعومة من مايكروسوفت والتي أنشأت “شات جي بي تي”، وجهت وزارة التجارة الأميركية دعوة الى الجهات الفاعلة في قطاع التكنولوجيا لتقديم مساهمات لادارة الرئيس الأميركي جو بايدن من أجل إعداد تصور حول أنظمة خاصة بالذكاء الاصطناعي. وكانت الوزارة نفسها أشارت الى أنه كما لا يتم توزيع الطعام والسيارات في الأسواق من دون ضمان مناسب للسلامة، كذلك يجب أن توفر أنظمة الذكاء الاصطناعي ضماناً للعامة والحكومة والشركات بأنها ملائمة.

وفي الوقت الذي تفتقر فيه الولايات المتحدة الى التشريعات اللازمة في هذا المجال، صرح الرئيس الأميركي بأنه ليس هناك حكم نهائي في ما إذا كان الذكاء الاصطناعي يشكل خطراً على المجتمع، لكنه حض الكونغرس على تمرير قوانين تضع قيوداً صارمة على شركات التكنولوجيا الضخمة.

أوروبا

وفي الاتحاد الأوروبي تتحرك بعض الدول لمواجهة تطور تقنية الذكاء الاصطناعي منها فرنسا واسبانيا وإيطاليا، وبدأت تتطور التحقيقات في ما يتعلق بانتهاك “شات جي بي تي” التشريعات المتعلقة بحماية البيانات في الاتحاد، خصوصاً بعد الإعلان عن إنشاء فريق عمل بهدف تعزيز تبادل المعلومات حول أي إجراءات يمكن اتخاذها تجاه “شات جي بي تي”، وعلى الرغم من تأييد الاتحاد للتقنيات المبتكرة مثل الذكاء الاصطناعي لكنه شدد على أنها يجب أن تكون دائماً “متوافقة مع حقوق الناس وحرياتهم”.

وفتحت العديد من هيئات حماية البيانات الشخصية في عدد من الدول المذكورة تحقيقات بشأن احتمال مخالفة التشريعات المتعلقة بحماية البيانات، كما فعلت الهيئة الإسبانية لحماية البيانات وفتحت تحقيقاً في شأن شركة “أوبن إيه آي” الأميركية التي تملك “شات جي بي تي” لاحتمالها مخالفة التشريعات المتعلقة بحماية البيانات. وفي فرنسا قررت الهيئة الفرنسية لحماية البيانات الشخصية فتح “إجراء رقابة” مرتبط ببرنامج “شات جي بي تي”.

وأصبحت إيطاليا في نهاية آذار أول دولة تحظر “شات جي بي تي” موقتاً، وعللت سلطات روما قرارها بعدم احترام البرنامج التشريعات المتعلقة بالبيانات الشخصية، وبعدم وجود نظام للتحقق من عمر المستخدمين القصّر.

في المقابل، أكدت “أوبن إيه آي” بعد القرار الإيطالي حرصها على حماية البيانات، واحترامها أنظمة الاتحاد الأوروبي في هذا الشأن.

الصين

اما الصين حيث لا يمكن استخدام “شات جي بي تي”، فتعتزم إخضاع أدوات الذكاء الاصطناعي لإجراءات “تدقيق أمني” في مدى التزام محتوياتها “القيم الاشتراكية الأساسية” وعدم مساسها بأمن الدولة، وتنظيم هذه التكنولوجيا، اذ ينبغي اخضاع أي منتج يقوم على الذكاء الاصطناعي التوليدي قبل وضعه في تصرف المستخدمين لتدقيق أمني. وذلك استناداً الى مسودة نص تنظيمي نشرتها إدارة الفضاء السيبراني الصينية، لكنها لم تحدد أي تاريخ لدخوله حيز التنفيذ، لكن على المحتوى أن “يعكس القيم الاشتراكية الأساسية وألا يحتوي على (عناصر تتعلق) بتخريب سلطة الدولة”، وأن يحترم هذا المحتوى حقوق الملكية الفكرية، كل ذلك بحسب الوثيقة لضمان “التطور الصحي لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدية وتطبيقها وفق المعايير”.

وتشجعت شركات الانترنت المحلية العملاقة على تصميم أدوات شبيهة بروبوت المحادثة “شات جي بي تي”، فكان محرّك البحث “بايدو” في طليعة المجموعات الصينية التي دخلت على هذا الخط، وما لبثت أن حذت حذوها شركة الانترنت وألعاب الفيديو “تنسنت” وكذلك شركة “علي بابا” رائدة التجارة الالكترونية.

أبي نجم: التكنولوجيا المتقدمة لها حسنات وسيئات

المستشار في أمن وتكنولوجيا المعلومات والتحول الرقمي رولاند أبي نجم أكد لموقع “لبنان الكبير” أن التكنولوجيا المتقدمة مثل أي وسيلة لها حسنات وسيئات، فالذكاء الاصطناعي اجمالاً يرتكز على عاملين: البيانات المتوافرة والخوارزميات الموجودة.

وقال: “الذكاء الاصطناعي ليس برنامجاً واحداً ومشتركاً في كل شيء، فلكل برنامج معلومات مخزنة من مصادر أو أشخاص أو كتب أو مواقع مختلفة، اذ أن شات جي بي تي لديه معلومات وبيانات خاصة به، وبارد التابع لغوغل له بيانات خاصة به. وهذه المعلومات الموجودة قد تكون منحازة في محلات معينة، وليس بالضروري أن تكون عن قصد. على سبيل المثال إن سألنا 20 شخصاً في الطريق عن رأيهم بأحد الوزراء فستكون اجاباتهم مختلفة، لأن كل واحد منهم لديه نظرة ورأي مختلف عن الآخر”.

أضاف: “الذكاء الاصطناعي يعتمد على مصدر واحد أو شخص واحد لإدخال البيانات والمعلومات، فلا يمكن وضع معلومات مختلفة أو متناقضة، لذلك ستكون المعلومات عند الذكاء الاصطناعي منحازة، وهو السبب الذي يقلق الصين وجعلها تحظر شات جي بي تي، لأنها لا تريد أن يسأل الصينيون البرنامج وان كانت البيانات قد أدخلها الصينيون أنفسهم كي لا يقوم بغسل دماغهم، وفي الوقت نفسه شهدنا ما حصل في بلجيكا عندما أقدم شخص على الانتحار بسبب ليزا وهو برنامج ذكاء اصطناعي أيضاً، لأن بعض الناس أصبح مقتنعاً بأن هذه البرامج أفضل وأذكى من الانسان وتفهم في كل شيء، مع العلم أن شات جي بي تي يقول انه ليس مخولاً إعطاء إجابات عن الطب أو علم النفس”.

وحظي برنامج “شات جي بي تي” الأميركي بمتابعة كبيرة في مختلف دول العالم بعد إعطاء أجوبة بصورة سريعة عن مجموعة واسعة من المواضيع، وخصوصاً في الصين التي تفرض رقابة شديدة على التكنولوجيا والمنصات الاجتماعية، كي لا يتعارض المحتوى مع قيم السياسة الصينية وتوجهاتها.

شارك المقال