لبنان… سلطة الاتجاه المعاكس!

ياسين شبلي
ياسين شبلي

الواضح من تطورات الأيام الأخيرة في المنطقة، أن قطار التسوية الذي انطلق بقوة “الوقود” الذي وفرَّه الاتفاق السعودي – الايراني يسير بسرعة قياسية وعلى سكته الصحيحة، وقد تجلَّى ذلك في سرعة تبادل الزيارات بين الجانبين لتهيئة الأرضية لاعادة إفتتاح السفارات والقنصليات في كلا البلدين. وفي هذا الاطار، كان لافتاً نزع لوحة تشير إلى تسمية أحد الشوارع في إيران بإسم الشيخ نمر باقر النمر، الذي كان قد أُعدمَ في السعودية عام 2016 وكانت قضيته سبباً أو بالأصح اتخذت كذريعة للهجوم على السفارة السعودية في طهران يومها وإغلاقها فيما بعد.

كذلك، كان لافتاً ومهماً إجتماع وزيري خارجية البلدين في بكين، ما يشير إلى تصميم الصين على رعاية تنفيذ هذا الاتفاق ومواكبته، كذلك التهدئة في اليمن وهي في النهاية “فعل إيراني” بمثابة بادرة حسن نية تجاه المملكة، تلتها زيارة وفد سعودي إلى صنعاء أدت الى إتفاقية تبادل الأسرى بين الجانبين، كما واكبها قرار سعودي بإتجاه سوريا بإعادة العلاقات القنصلية بين البلدين تبعته زيارة لوزير خارجية سوريا إلى الرياض بدعوة من نظيره السعودي، بما يوحي بتوازي المسارات ما بين اليمن وسوريا، وهو ما يشير على ما يبدو إلى الأولوية التي تعطيها السعودية لهذين الملفين اللذين يتصلان بأمنها القومي والاجتماعي مباشرة، سواء من الناحية الأمنية بالنسبة الى اليمن أو بالنسبة الى شحنات الكبتاغون التي تتدفق على السعودية على الرغم من كل التدابير المتخذة ومصدرها مناطق النظام السوري.

في هذا الوقت لم تُسجَّل أي إشارة إلى إمكان التحرك بإتجاه بحث ملف لبنان باستثناء الحديث غير المؤكد عن إمكان ضم إيران إلى الاجتماع الخماسي، ما يوحي بأنه ليس على أجندة القضايا العاجلة والحلول السريعة – حتى الآن على الأقل -، لا سيما وأن أصحاب العلاقة من الأطراف الداخلية اللبنانية، لا يبدون وعلى الرغم من خطورة الأوضاع في البلاد أي إهتمام أو ميل الى التفاهم على تسوية في ما بينهم، ويضعون أنفسهم والبلد في الاتجاه المعاكس للتحولات في المنطقة وكأنهم من كوكب آخر. في وقت مرت الذكرى الـ 48 لبداية الحرب الأهلية في 13 نيسان، من دون أي مؤشر على أن هذه الأطراف قد إستوعبت الدرس أو أخذت العِبَر مما حدث حتى اليوم، اللهم باستثناء بعض الاستعراضات الفولكلورية الشكلية كمثل “مباراة كرة القدم” التي يقيمها كل عام في هذه المناسبة نواب من هذه الأطراف بين بعضهم البعض وباتت فكرة مبتذلة وسخيفة، وكذلك عبارة “تنذكر وما تنعاد” فيما هي لم تُنسَ أصلاً على مدى نصف قرن من الزمان، ولا تزال “تنعاد” بأشكال ووجوه وآليات جديدة، جراء الصراعات السياسية المستمرة في بلد يتأرجح هذه الأيام مثلاً بين ثنائيتين لا تلتقيان إلا على التعطيل، “الثنائي الشيعي” الذي يُدير السلطة على طريقة “الأمر لي وإلا التعطيل”، و”الثنائي الماروني” الذي لا يُحسن غير الاعتراض السلبي، إذ يعترض أحد جناحيه وبشدة على إجتماع مجلس النواب لأي سبب كان بإعتباره تحوَّل إلى هيئة ناخبة لرئيس الجمهورية، بينما لا يعترض بالشدة نفسها على إجتماع الحكومة المستقيلة أصلاً وهي في حالة تصريف الأعمال، في حين يعترض جناحه الآخر وبشدة أيضاً على إجتماع الحكومة فيما يؤمِّن النصاب لإجتماع مجلس النواب متى إقتضت مصلحته ذلك، في ممارسة سياسية إنتهازية غير مفهومة ولا منطقية وتفتقد لحِسْ المسؤولية الوطنية والممارسة السياسية السليمة بما هي فعل نضال يومي، ومبادرة لمحاولة إجتراح الحلول للأزمات من أجل التغيير نحو الأفضل.

وهكذا يتبادل الطرفان التعطيل لكل ما هو في مصلحة البلد والناس، في حين تراهما وبقدرة قادر يتفقان ويسهلان كل ما من شأنه إلحاق الضرر والأذى بمصالح الناس وصورة الدولة وهيبتها، وآخرها إتفاقهما شبه المحسوم على التمديد للمجالس البلدية والاختيارية بما يؤدي إلى عدم إجراء الإنتخابات بحجج واهية مثل التمويل والأمور اللوجيستية، مع أنهم “كلن يعني كلن” يعلنون تأييدهم لاجراء هذه الانتخابات ليأتوا غداً ويقولوا “ما خلونا” العبارة التي باتت شعاراً سياسياً لبنانياً بإمتياز، بما يعنيه هذا القرار – إذا ما أُقرْ – من رسالة سيئة الى المجتمع الدولي الذي يطالب بإصلاحات داخلية – وفي صلبها الانتخابات – قبل الدخول في أي عملية إنقاذ للبلد، وهذا ما يعيدنا إلى فكرة الثقة بالسلطة الحاكمة و”الضمانات” التي قيل بأن فرنسا طلبتها من المرشح للرئاسة سليمان فرنجية، والتي قد يكون التمديد للبلديات إحدى “عيناته” المنتظرة من السلطة – العصابة الحاكمة.

هكذا يبدو أننا سنبقى ندور في حلقة مفرغة لا نهاية لها، ونكون في الإتجاه المعاكس لكل ما هو متحرك ومتحول في المنطقة مع ما يحمله هذا السلوك من مخاطر على البلد والناس، لأن منطق الأمور يقول بأن “ما حك جلدك مثل ظفرك”، فالعالم لم يعد مهتماً بالوضع اللبناني إلا من ناحية تأثيره على أمن إسرائيل ربما، وهو ما تجلى في الأحداث الأخيرة التي حصلت في الجنوب من إطلاق صواريخ مجهولة – معلومة المصدر، التي كانت تحمل على ما يبدو رسائل في عدة إتجاهات، للداخل والخارج كأن تكون إحداها مثلاً رسالة بمعنى “فرنجية أو الفوضى”، وهي تؤكد مرة أخرى أن “الأرض السائبة” تعلِّم الناس الفوضى، التي قد تتحول في أي لحظة إلى حرب شاملة جراء أي خطأ في الحسابات، ويكون لبنان بظروفه الحالية ضحية لها كما كان دائماً، عدا عن الوضع الأمني الداخلي الذي قد يفلت في أي لحظة كذلك جراء الأوضاع المعيشية حتى لأفراد قوى الأمن والأجهزة العسكرية والأمنية نفسها، وهذا ربما ما دفع الولايات المتحدة الى تخصيص مبلغ مئة دولار شهرياً كمساعدة لعناصر قوى الأمن الداخلي لمدة ستة أشهر، كما سبق وفعلت قطر بالنسبة الى دعم الجيش اللبناني بالغذاء، بحيث باتت قوانا العسكرية والأمنية تعتاش من الدعم الخارجي، في الوقت الذي يختلف فيه أفراد العصابة الحاكمة تارة على التوقيت الصيفي، وأخرى على إجتماع الحكومة والمجلس النيابي، في جدل بيزنطي عقيم لا يسمن ولا يغني من جوع الناس للعيش الكريم والأمن والاستقرار.

شارك المقال