ما بين تعطيل الاستحقاقات وفوضى وحدة الساحات

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

منذ الاعلان عن الاتفاق السعودي – الايراني، بدأت تظهر تغيرات في المنطقة بتأثيره، منها الانفتاح على سوريا وتدابير فتح السفارات مع ايران وتبادل الأسرى بين الحكومة اليمنية والحوثيين والزيارت المتبادلة، بحيث أن المنحى السياسي الجديد ظهر في اجراءات وقرارات عدة أخذت طريقها الى التنفيذ، بينما لم يدرك اللبنانيون أن هناك مرحلة جديدة تستدعي التنازلات من القوى المتنازعة على السلطة، للتوصل الى اتفاق واقناع بعض الرؤوس الحامية بأن سلوكياتها تضر ولا تنفع.

من يراقب يلاحظ أن سياسة العرقلة ووضع العصي في الدواليب مستمرة، فالمجلس النيابي صارت سمته التعطيل ولا يمكن اعفاء الحكومة من عدم ممارسة مهامها في ادارة الوضع في لبنان الذي يعيش أسوأ أزمة في تاريخه، فما نراه ليس مجرد انهيار وحسب، انه تهديد بالزوال، اذ صار من الصعب اعادة بناء المؤسسات التي تفككت بحكم الهيمنة على السلطة وربطها بمشاريع الخارج، وعلى الرغم من وضوح رهان الطبقة السياسية على المساعدات الخارجية الا أن هذا الوهم أسقطه صندوق النقد الدولي الذي لن يكون قادراً على تقديم مستلزمات أولية تساعد البلد على الوقوف على قدميه، واعلان دول عدة عدم تقديم مساعدات وانما شراكات تجارية.

في لبنان لا رئيس جمهورية ولا حكومة ولا مجلس نواب ولا وزارات، البلد في حالة شلل كلي، مناكفات في كل الملفات ومجلس النواب تحول الى مجلس للشتم والسب، وما رآه اللبنانيون من أداء بعض النواب مخيف في استعراضاته وتحديه سواء في استخدام التعبيرات الشخصية أم السياسية.

إذاً، لا مؤشرات على أن ازمة انتخاب رئيس للجمهورية في طريقها الى الحل، كل الكلام والتحركات والصلوات لم تصل الى شيء، فالانقسام الحاد في البلد لا يبدو أنه سيسهل عملية سد الفراغات، لا بل على العكس هناك تعطيل لكل مظاهر العملية الديموقراطية وهو ما يبدو واضحاً في التوجه نحو قرار التمديد للمجالس البلدية أي ابقاء القديم على قدمه للتحكم بكل المفاصل.

اللعبة الديموقراطية في كل الاستحقاقات غير واردة عند هذه السلطة القائمة على توجهات عمادها السلاح والمصالح والأنانيات وبيع الدولة أو ما تبقى منها بالجملة والمفرق.

والسؤال الذي لا بد من طرحه، لماذا لا تعقد جلسات لمجلس النواب كونه هيئة ناخبة لانتخاب رئيس؟ فالمرشحون لهذا المنصب كثر وهناك أسماء موضوعة في التداول وأخرى تطرح من تحت الطاولة، بعضها يجري اتصالات داخلية مع فرقاء سياسيين ومرجعيات دينية وخارجية مع دول متابعة للملف اللبناني ومؤثرة في قراراته. وهذا السلوك يتبعه أيضاً مرشحون لرئاسة الحكومة، ولكن كل الزيارات الى الخارج لم تنفع وبدا أنها غير قادرة على اجتراح الحل المناسب، لأن القرار الداخلي غير متخذ والخارج لا يقدم الا نصائح بضرورة انتخاب رئيس جمهورية والدفع باتجاه استعادة الدولة وعمل المؤسسات وتشكيل حكومة يجري الاتفاق معها على سبل المساعدة.

لقد بدا واضحاً أن تسويق التسوية التي طرحها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، أي سليمان فرنجية – نواف سلام لم تمر، وهو ما أبلغت به المملكة العربية السعودية المستشار الفرنسي باتريك دوريل الذي أبلغها بمجموعة الضمانات التي قدمها مرشح الثنائي الشيعي، بحسب ما جرى ترويجه إعلامياً، الا أنه لم يقدم برنامجاً واضحاً، وهنا بيت القصيد، أي أن المرشح فرنجية لا يستطيع اقناع أحد بضماناته لأنها غير مكفولة التنفيذ، فهو ليس صاحب القرار الفعلي ولن يكون طالما أنه يتلقى توجيهاته من الجهة التي رشحته، والحال سيبقى كما كان عليه سابقاً مع عهد رئيس جهنم، وبالتالي فان لبنان سينتقل من حريق جهنم الى الزوال، خصوصاً أن المطلوب من أي رئيس مقبل أن يكون قادراً على تنفيذ بنود الدستور وحماية المؤسسات والالتزام بالقرارات الدولية واقفال المعابر غير الشرعية وتسليم سلاح الميليشيات ومنع التهريب وبسط سلطة الدولة على كل أراضيها وترسيم الحدود مع سوريا وانهاء حمايات حزب السلاح للتجارة غير الشرعية وللفساد، وكثير من الأمور التي تكون أرضية صالحة لاخراج لبنان من أزماته.

مصير لبنان بات في حكم المجهول لا سيما بعد حديث وحدة الساحات مما يعني العودة الى الوراء عبر الفوضى المسلحة التي لا يجد الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله الا التغني بها بحجة تحرير القدس، وهو يقدم الدعم اللوجيستي لمنظمات فلسطينية تجعل من لبنان صندوق بريد وتهدد أمنه، ذلك أن طول بال اسرائيل ليس مضموناً كما أن نصر الله يحب المبالغات ولغة تعظيم فعل سلاحه وتقديسه، غير آبه بأن لعبة حرب الــ2006 لن تكون هذه المرة في صالحه لأن من غطى اتفاق الترسيم مع اسرائيل وهلّل له لن يستطيع اقناع بيئته وخداعها بنصر الهي، فالناس مشغولة بتأمين قوتها ومستلزمات العيش في ظل انكشاف صراعات القيادات الحزبية والتجارية وتقديم مصالحها على مصالح الناس التي ملت من معزوفات الماضي.

تحويل لبنان الى ساحة صاروخية كان يجري في السابق عبر تحركات الفلسطينيين لا سيما المرتبطون بالقرار السوري مثل “الجبهة الشعبية – القيادة العامة”، واليوم في عهد بشار الأسد تجري بواسطة “حماس” وطبعاً بقرار من “حزب الله” الذي يريد اثبات جهوزيته للرد على اسرائيل، وتحديداً مع الحديث عن قصف بصواريخ غراد لا تملكها منظمات فلسطينية، اذ كيف يمكن أن تعبر هذه الصواريخ الحدود من دون علم الحزب وتتحرك المجموعة التي قامت بالقصف وحدها من دون أي مراقبة؟ لكن في الوقت الحالي كل القرارات التي تنفذ ميدانياً تجري بقرار ايراني، وهي رسالة ايرانية للقول ان قرار الساحة اللبنانية لا يزال في يدها، وفقاً للتوازانات الجديدة التي فرضها الاتفاق السعودي – الايراني.

ظهر واضحاً أن الجنوبيين اليوم لا يحبذون أي مغامرة جديدة، لذلك اكتفى “حزب الله” بدوزنة الجرعة مع اسرائيل، ولكن “ليس في كل مرة تسلم الجرة” كما يقول المثل، فاسرائيل ترد وهو ما تعودنا عليه كل يوم عبر اعتداءاتها اليومية، ولا تكتفي بالاعلان عن الرد على اعتداءاتها في الوقت والزمان المناسبين كما تفعل ايران وسوريا، وبعضنا قضى عمره في انتظار رد موعود لم يأتِ حتى الآن ولن يأتي طالما أن تجارة المواقف سائدة والبيع والشراء بالقضية مستمر.

شارك المقال