ملف الرئاسة حلحلة أم فوضى؟

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

كثرت التوقعات بحلحلة ملف الانتخابات الرئاسية خلال شهر حزيران مع استحقاق تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، وبما أن ملء فراغ بعبدا يحصل بضغط خارجي نحو الداخل اللبناني، وبعد أن قرأ البعض في زيارة مرشح الثنائي الشيعي سليمان فرنجية الى دارة السفير السعودي وليد بخاري رفعاً للفيتو عنه، قابله تمسك فريق الممانعة بمرشحه ولاقاه موقف تكتل “الاعتدال الوطني”، الذي مال بحسب المعطيات الى قرار عدم تعطيل جلسة مجلس النواب لانتخاب رئيس في حال دعا اليها الرئيس نبيه بري، وعدم الالتزام بتوجهات المعارضين لتعطيل مثل هذه الجلسة، الا أن المعارضة في المقابل لا تزال أسيرة لاءات من تقديم اسم مرشح جديد له حظوظ في التوافق عليه، وسط التذبذب في مواقف رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الذي يضع رجلاً بالبور ورجلاً بالفلاحة كما يبدو، فهو يرفض المرشح فرنجية ويعاكس خيار “حزب الله” لكنه لا يمشي في خيارات المعارضة ويبحث عن تفاهم رئاسي مع الحزب، وبالتالي طرح اسم جهاد أزعور على المعارضة ليجري التفاوض عليه وليس ليكون مرشحاَ حقيقياً بديلاً بغض النظر عن كفاءات أزعور وحاجة لبنان الى شخصية اقتصادية قادرة على صياغة خطة انقاذية.

يراهن البعض على دخول مستتر لقطر من جديد على الخط من أجل هندسة المواقف بتنسيق مع الخماسية للتسويق مجدداً لقائد الجيش جوزيف عون كحل وسط، وقد ارتفعت أسهمه كرئيس توافقي، مع ملاحظات أبدتها بعض القوى السياسية حول ضرورة عدم تكرار تجارب سابقة في هذا المجال، لكن كما يقال الظروف هي التي تحكم، اذ يمكن الارتكاز على قائد الجيش كونه يحظى بدعم خارجي ورهان على دور مؤسسات الجيش في المرحلة المقبلة، على الرغم من محاولات بعض الأحزاب و”حزب الله” لتوريط الجيش ووضعه في مواجهات مع الناس، إن كان مثلاً من نوع ما شهدناه من خلال القرارات المجحفة للمحكمة العسكرية بحق عرب خلدة والتي كان الهدف منها اثارة مواجهة مع الجيش، ومحاولة توريط الأخير في مواجهات مع الناس أثناء تصديه لعصابات المخدرات في البقاع، كما في محاولة وضعه بمواجهة أيضاً من خلال قضية ترحيل لاجئين سوريين، اذ بدا أن هناك محاولات فعلية لاغراق المؤسسة العسكرية في مواجهات كي يتم إحراق ورقة قائد الجيش وإبعاده عن السلطة.

لكن هذا لم ينجح فقطر بحسب محللين، مصرة على تأهيل الجيش ومساعدة قائده على ذلك وتسويقه كرئيس قادر على تعبئة الفراغ، وقد لا يكون مستنداً الى دعم كتلة نيابية، لكنه على حياد من الطرفين ويستند الى المؤسسة داعمه الفعلي.

لا يمكن قراءة الموقف القطري بمعزل عما تريده المملكة العربية السعودية، فهناك رضا أميركي وسعودي ويمكن أن يحصل قائد الجيش على دعم من المجموعة الخماسية التي تضم قطر والسعودية ومصر وفرنسا والولايات المتحدة، وقد يكون الدور الفرنسي مزعجاً كونه سوّق لفرنجية، لكنه غير قادر على الفرض لأن الفرنسيين لا يملكون الأموال التي يجب أن تساعد لبنان.

لقد بدا الموقف السعودي خلال الأيام الماضية واضحاً لجهة مخاطبة اللبنانيين بضرورة انتخاب رئيس وأن لا فيتو على أي مرشح، ولكم الخيار، لكن المملكة بالطبع لا تحبذ انتخاب رئيس مغمس بالفساد المالي والسياسي، ولا تريد التعطيل ولن تذهب الى دعم فلان أو علان.

الصورة الداخلية لا توحي بامكان التخلص من الفراغ حتى الآن، فالمعارضة كما الموالاة على مواقفهما وكل يفسر المواقف الخارجية وفقاً لأهوائه ودعماً لمنطقه. اذاً، التعقيدات قائمة على المستوى الداخلي أما الخارج المؤثر فلن يكون راضياً عن مواصلة الجانب اللبناني المماطلة، لأن مصالحه تقتضي حل المشكلات العالقة في المنطقة وهناك استحقاقات أهم بالنسبة اليه تتعلق بمصالحه المباشرة ولبنان لن يكون من الأولويات لديه.

من هنا، تعتبر المملكة أن انجاز الاتفاق السعودي – الايراني في رأس الأولويات لوقف حرب اليمن، كما أن عودة سوريا تفرض نفسها على القمة العربية بالاضافة الى اشتباكات السودان التي تنذر بحرب أهلية قد تطول. لذا، فان عدم تجاوب الفرقاء اللبنانيين لانجاز الانتخابات قد يؤدي الى فوضى ويذهب نحو منحنيات خطيرة، وقد تؤدي الفيتوات الموضوعة من الأطراف الى انفجارات لا يمكن التحكم بها وساحة تلاعب لمصالح الخارج الذي لم يكن يريد يوماً الاعتراف بالكيان اللبناني.

شارك المقال