الشغور الرئاسي مرتبط بالبصمة العونية منذ 1988

هيام طوق
هيام طوق

منذ 6 أشهر يعاني البلد من شغور في سدة الرئاسة الأولى، في ظل أسوأ أزمة اقتصادية عرفها لبنان، وفي ظل الانقسام الحاصل بين مختلف الفرقاء السياسيين الذين فشلوا في ملء الشغور على الرغم من المبادرات والاتصالات حتى بات الملف الرئاسي اللبناني مادة دسمة على طاولات التفاوض والنقاش بين الدول الشقيقة والصديقة، وسط أحاديث عن مصالح هذه الدولة أو تلك في حين يعتبر كثيرون أن العلة لبنانية داخلية، وعلى الأخص مارونية – مارونية على اعتبار أنه لو اتفق الموارنة في ما بينهم على اسم لانتخابه في المجلس النيابي، لما كان حصل الشغور مع العلم أنها ليست المرة الأولى التي تنتهي فيها ولاية رئيس الجمهورية، وتبقى أبواب القصر الجمهوري مقفلة لأشهر وحتى لسنوات.

منذ الاستقلال وقبل اتفاق الطائف، عرف لبنان 8 رؤساء جمهورية، هم: بشارة الخوري، كميل شمعون، فؤاد شهاب، شارل حلو، سليمان فرنجية، الياس سركيس، بشير الجميل وأمين الجميل. وبعد الطائف، تعاقب على سدة الرئاسة 5 رؤساء، هم: رينيه معوض، الياس الهراوي، إميل لحود، ميشال سليمان وميشال عون.

وعلى مدى السنوات أي منذ الاستقلال، لم تنتقل السلطة من رئيس إلى آخر بطريقة سلسة، وفي سياق انتخابات رئاسية طبيعية، إلا خلال عهدين من أصل 13 إذ طبعت نهايات معظم العهود صراعات وحروب وفراغات، كان معظمها ينتهي بتسويات داخلية أو إقليمية ودولية تؤدي الى انتخاب رئيس جديد.

وحصل الشغور الرئاسي في البلاد 3 مرات، كانت الأولى مع انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل سنة 1988، وهو شغور انتهى بانتخاب الرئيس رينيه معوض عام 1989، ودام أكثر من عام. والمرة الثانية التي حصل فيها شغور مع انتهاء الولاية الممددة للرئيس إميل لحود في 23 تشرين الثاني 2007، ودام نحو 6 أشهر، وانتهى يوم 25 أيار 2008، بانتخاب العماد ميشال سليمان، نتيجة اتفاق بين الزعماء السياسيين اللبنانيين، عُقد في العاصمة القطرية الدوحة. أما المرة الثالثة، فكانت الأطول في الشغور بحيث امتدت لعامين وخمسة أشهر، بدأت بانتهاء ولاية سليمان في 2014، وانتهت بانتخاب عون في 2016.

ما يمكن استنتاجه من تواريخ الشغور الرئاسي، والولايات التي تبعها الفراغ في سدة الرئاسة الأولى، بغض النظر عن المدة، أنها جميعها حصلت بعد اتفاق الطائف حتى أن البعض يعتبر أن الرئيس عون هو مؤسس المدرسة التعطيلية، ومؤسس عملية الانقلابات السياسية لتحقيق مآربه الشخصية على حساب المصلحة العامة.

في هذا الاطار، أشار الوزير السابق رشيد درباس الى أن “الرئيس معوض انتخب بعد الطائف، وبعد اغتياله انتخب الهراوي، وبعد انتهاء ولايته، انتخب لحود. كانت تجري الانتخابات قبل انتهاء الولاية، لكن ماذا حصل لاحقاً؟ ما حصل أنه يوم اغتيل الرئيس الشهيد رفيق الحريري، كان يوماً مفصلياً بحيث انقسمت القوى السياسية انقساماُ حاداً، وبات كل طرف يستخدم كل الوسائل التي تسمح له بالغلبة أو التحكم بزمام الأمور، وعليه استخدم ما سُمي النصاب الدستوري الذي وضع في الأساس لتأكيد المؤكد أن كل النواب يقومون بواجباتهم. اما اليوم، فتحول النصاب الى سلاح، وضار أيضاً كمن يملك سلاحاً ليحمي نفسه، فبات يستخدمه للاعتداء على الآخرين. وبالتالي، أصبح النصاب وسيلة اعتداء على الدستور، وهكذا يلجأ البعض الى التعطيل، ويستمر في هذا التعطيل الى حين رضوخ الآخرين. هذا ما حصل خلال اجتياح بيروت اذ كانت الغالبية بعد الـ 2005 بيد قوى 14 آذار، فقرر فريق كسر فعالية هذه الأكثرية، بالاجتياح، ومن ثم حصل الاتفاق على الرئيس سليمان في الدوحة”.

أضاف: “بعد انتهاء ولاية الرئيس سليمان، كانت الأكثرية لا تزال مع قوى 14 آذار، وتم تعطيل النصاب على مدى سنتين ونصف السنة، الى أن تمّ انتخاب الرئيس عون. ومنذ ذلك الوقت، حصل ما حصل في البلد، وتوقفت عدة العمل لدى القوى السياسية المتصارعة”. وأوضح أنه “لا يمكن القول ان الشغور مرتبط باتفاق الطائف لأنه قبل الطائف، حصل الشغور حين كانت هناك محاولة لمنع انتخاب الرئيس سركيس، وعلى الرغم من القصف، انتخبه النواب بالأكثرية. والمرة الثانية، خلال انتخاب الرئيس بشير الجميل حين كان النصاب صعباً، واستمر النواب في المجلس النيابي ساعات اضافية ليكتمل النصاب. هناك من جرّب استخدام النصاب، ولم ينجح”.

ورأى أن “الأمر أو الشغور مرتبط بالعقل السياسي الذي يستخدم الوسائل الدستورية. هناك صراع غير محسوم بحيث أن كل طرف يعتبر أن رئيس الجمهورية عنوان هزيمته أو ربحه. وطالما الانقسام بهذا الشكل الحاد، الخوف اليوم من إعادة النظر في تركيبة الدولة”، مؤكداً أن “القصة ليست في الخلاف الماروني – الماروني انما هناك قوى سياسية لديها مقدرة على التوافق السلبي كما لديها مقدرة على التوافق الايجابي”.

أما الوزير والنائب السابق بطرس حرب، فاعتبر أن “الشغور يدل على عدم الالتزام بالمبادئ الدستورية والثقافة الديموقراطية التي تخضع لرأي الأكثرية في الأنظمة الديموقراطية، وهذا يؤشر الى رغبة في تعطيل هذه المبادئ، وفي فرض خيارات على الأكثرية بقوة السلاح والتهويل. وما يعزز هذا الأمر، طموح البعض في تحقيق مكاسب سياسية وسلطوية، لا يمكن تحقيقها الا عبر اللجوء الى هذه الوسائل غير الديموقراطية. هذه الممارسات، عطلت النظام الديموقراطي في لبنان كلياً، وأوقعت لبنان والنظام السياسي في فراغات قاتلة، لاسيما في المرحلة الأخيرة التي يحتاج فيها لبنان الى تكوين السلطة بسرعة كبيرة جداً، وسلطة صالحة لكي تتمكن من حل المشكلات القائمة في البلد، وإخراجه من الحالة التي يتخبط فيها أي من جهنم”.

وتحدث عن “بصمة الرئيس عون في الفراغات التي بدأت في العام 1988 حين قرر تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية الا اذا انتخب هو، واستمرت الى اتفاق الدوحة بحيث كان سيتم فرض عون رئيساً للجمهورية، وحصل احتلال بيروت، وتعطيل السلطة ليتم الاتفاق على سليمان رئيساً ثم التعطيل الذي حصل بعد انتهاء ولاية الأخير على مدى سنتين ونصف السنة، بسلاح الحزب وبموقف عون، وقرروا عدم القبول بأي رئيس غير عون. واليوم، يتكرر الشغور لأن محور الممانعة ومن يدور في فلكه، يريد فرض مرشح على اللبنانيين، لا يتمتع بالأكثرية النيابية، ورفض اللجوء الى اللعبة الديموقراطية من خلال تعطيل نصاب الجلسات”، مشدداً على أن “عون مؤسس المدرسة التعطيلية، ومؤسس لعملية الانقلابات السياسية بواسطة فائض القوة من السلاح، لتحقيق مآربه الشخصية على حساب المصلحة العامة”.

وأكد أن “المشكلة ليست مارونية – مارونية انما بين اللبنانيين من كل الطوائف، والموارنة وحدهم لا يمكنهم التعطيل، انما التعطيل منهم ومن غيرهم. انها عملية ابتزاز للطائفة المارونية، وهذا غير صحيح وفيه نوع من التجنّي على الموارنة”.

شارك المقال