المجتمع الدولي يساعد اللاجئين السوريين تحت عنوان “خليكن بلبنان”

نور فياض
نور فياض

لم يتوارى الملف السوري طيلة إثني عشر عاماً من النزوح، فكل سنة يعود الى الواجهة لأسباب مختلفة منها: سرقة، جرائم قتل، مشكلات فردية، وظيفة عمل… وغيرها، ما ينتج عنها غضب لبناني ينفجر على مواقع التواصل الاجتماعي.

مؤخراً، تصدّرت أزمة اللاجئين السوريين المشهد السياسي في لبنان، مع ارتفاع وتيرة المطالبة بإعادتهم الى بلادهم التي أصبحت آمنة، وكالعادة انقسم اللبناني بين مؤيد ومعارض، واللافت أن الكلام العنصري كان سيد الموقف. معالجة هذه الأزمة لا تحتاج الى كل هذه العنصرية، فكل المطلوب موقف من مسؤولي الدولة يضع المجتمع الدولي عند مسؤولياته ويفتح باب الحوار مع الدولة السورية، اضافة الى وقف كل محاولات الاستثمار في الملف من تجّار السياسة الذين كانوا سبّاقين في الأساس في دعمهم لهذه القضية، لتتحوّل شعاراتهم الى كلام شعبوي.

في الجنوب كما سائر لبنان، تتعدد جنسيات السكان، وفي النبطية نلمس هذه التعددية. فالسوري يمارس حياته بصورة طبيعية، يختلط مع الجيران، يقصد المحال الفخمة لشراء الثياب وغيرها في حين أن اللبناني “ما معه ياكل”، والفضل للجمعيات والمنظمات الدولية في الحالة الاقتصادية للسوري، الذي نراه أيضاً في النبطية “المساعد” و”المشكلجي” والمندمج مع اللبناني في المدارس ويحظى باهتمام غير مسبوق.

في السياق، يؤكد عضو كتلة “التنمية والتحرير” النائب ناصر جابر لـ”لبنان الكبير” أن “السوري أصبح عبئاً ولو كنا نريد تلطيف الكلام، لكن لبنان لا يستطيع التحمل أكثر وأكثر. الجنوب كسائر لبنان لا يشكل النازح خطراً مباشراً عليه انما على الوضع الاقتصادي والاجتماعي من حيث البطالة، البنى التحتية، النفايات… اذ نمر بأزمة معيشية خانقة تحملنا أكثر من طاقتنا”، معتبراً أن “ملف عودة السوري الى بلده تتم معالجته سياسياً، اذ يجب أن يكون هناك حوار مع سوريا والمجتمع الدولي لتنفرج الأمور والا يصبح الوضع غير سليم. اذاً الحل يكمن بين الحكومة والكتل النيابية اللتين تتكلمان اللغة نفسها (عبء لا نستطيع تحمله) وبالتالي لا بد من مفاوضات مع المجتمع الدولي الذي بدوره يقدّم لهم مساعدات جمة والجمعيات تحت عنوان (خليكن بلبنان)، هذا ما نلحظه في ظل غياب أي تعاطٍ آخر ويترتب عن ذلك مكوث السوري لوقت أطول.”

واذ يلفت جابر الى أن “انتخاب رئيس للجمهورية يضع الملف في الاتجاه الصحيح”، يرى أن “لدى المجتمع الدولي خطة وراء عرقلة ملف النازحين وهي ورقة ضغط على لبنان بالنسبة الى رئاسة الجمهورية وحتى الملف السوري الداخلي”، مشيراً الى “أننا نمر في أزمة اقتصادية صعبة لكن هذا الملف أصعب وأخطر على التنوع السكاني في البلد. اما العنصرية فلا يجب استعمالها، ولكن في ضيعة عدد سكانها ٣٠٠ ألف نسمة، والوضع الاقتصادي صعب والنفوس مشحونة اذا اختلف ولدان تتطوّر الأمور الى أماكن أخرى، وللأسف لا يجب أن تأخذ القضية هذا المنحى ولكن هذا ما يحصل وان شاء الله لا نصل الى الأسوأ.”

لا يختلف المشهد كثيراً في مدينة صور، التي بدورها تحتضن السوري اضافة الى الفلسطيني الذي يعيش في مخيمات خاصة، اما الأول فيعيش بين أبنائها، يعمل لديهم، يتمشى على كورنيشها، يقصد المطاعم كما لو أنه نجم المدينة في الأعياد من حيث “ضخ الدولار في الأسواق”، اما الملاهي فلا مكان فيها للطفل اللبناني ليرفّه عن نفسه.

يقول عضو كتلة “التنمية والتحرير” في قضاء حاصبيا، النائب قاسم هاشم عبر “لبنان الكبير”: “ان وجود السوري لم يكن يشكل خطراً على اللبناني، انما ترك أثراً سلبياً في الواقع الاقتصادي والاجتماعي نتيجة الأزمات التي يمر بها لبنان، مع ما يترتب عن ذلك من خسائر، جزء منها يتحمله اللبنانيون عن السوريين في الوقت الذي نجد المجتمع الدولي والمنظمات يؤمّنون متطلباتهم ويدفعون بالأمور لبقائهم في لبنان من خلال التحريض على ذلك وعدم تشجيعهم على العودة الى سوريا لاستثمار وجودهم والضغط على لبنان. ونتخوف من أن تزيد المنظمات مخصصات السوري فترة بعد فترة ما يدفعهم الى عدم العودة الى بلدهم ولكن لبنان لم يعد يتحمّل المزيد من الأعباء”.

ويؤكد هاشم أن “معالجة الملف السوري في ظل تآمر المجتمع الدولي على لبنان وسوريا، تستوجب فتح حوار سريع مع الحكومة السورية، وهذه طبيعة العلاقات الدولية ولا بد من نقاش مع الأخيرة لمصلحة لبنان في الدرجة الأولى حول الآليات المفترضة لفتح باب العودة وخصوصاً أن لبنان فتح هذا الباب سنة ٢٠١٧، حينها عاد جزء منهم بالتنسيق مع السوري في زمن اللواء عباس ابراهيم، وأول دفعات النزوح كانت من الجنوب وتحديداً شبعا وكفرشوبا.”

ويرى أن “مسؤولية اللبناني اليوم اتخاذ القرار بعيداً عن بعض الحسابات السياسية والحزبية الضيقة، انما انطلاقاً من مصلحة لبنان وما له من علاقات طيبة مع السوري، وخصوصاً بعدما عادت سوريا الى الحضور الدولي والعربي، وعودة الدول العربية الى سوريا واعادة بناء العلاقات، فلا يجوز أن يبقى لبنان آخر من يعود الى هذه العلاقات ولا سيما أنه صاحب مصلحة، أي ترانزيت، تبادل تجاري… فسوريا عمق للبنان في مسألة الاقتصاد والحدود التي عبرها ينقل منتجاته الى العمق العربي”، معرباً عن أسفه لـ”العنصرية المتبعة من البعض والمناقضة لأبسط قواعد العلاقات الطبيعية، والبعض يتعاطى معها بحقد وهذا لا يبني علاقات ولا يساهم في عودة السوريين بصورة طبيعية الى بلدهم.”

في السياسة التوقيت هو كل شيء، فما الهدف من اعادة إشعال هذا الملف؟ هل للإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية على علاقة جيدة مع سوريا، أم أنه محاولة لتخريب العلاقات العربية معها، أو الهدف خلق الفوضى ليستفيد منها بعض الساسة؟ مهما كانت القراءات والتحليلات، المطلوب عدم اضاعة الوقت وانتخاب رئيس للجمهورية قادر على معالجة هذا الملف واتباع خطة واضحة تحمي الطرفين شرط المحافظة على الانسانية، والجرأة في وضع حد للمجتمع الدولي.

شارك المقال