اللاجئون قنبلة واقعية أم دخانية؟

صلاح تقي الدين

لا شك في أن الأزمة القديمة المستجدة هي أزمة اللاجئين السوريين التي بدأ الفرقاء السياسيون استغلالها كل من ناحيته وعلى الطريقة الشعبوية التي تفيده، فمن يعارض وجودهم ويطالب بترحيلهم، يتغافل عن أنه في أيام الرخاء اللبنانية كان عدد السوريين الموجودين في لبنان يقدر بـ 800 ألف سوري، ومن يطالب ببقائهم يتغاضى عن أن عددهم أصبح يوازي نصف عدد اللبنانيين المقيمين والمغتربين.

في الحالتين لا يمكن التشكيك في عدم قدرة لبنان على الاستمرار وحده في تحمّل العبء الكبير الذي يشكله وجود اللاجئين السوريين على أرضه، فالأعباء المالية والاقتصادية التي فاقمت من الأزمة التي يعيشها اللبنانيون سببها عدم قيام هؤلاء بتسديد كلفة إقامتهم في لبنان سواء أكان ذلك لاستهلاكهم الطاقة من كهرباء ومياه، أو ما يتوجب عليهم من ضرائب تفرض على المواطن اللبناني نتيجة الأعمال التي يمارسونها.

صحيح أن فشل الادارات الرسمية اللبنانية المتعاقبة في إدارة الدولة إلى جانب الفساد الذي نخر كل أجهزتها، كان السبب الرئيس في تدهور قيمة العملة الوطنية، وأن سياسة التهرب الضرائبي إلى جانب استغلال الأملاك العامة من دون حسيب أو رقيب، لا تقع على كاهل اللاجئ السوري، بل هي على عاتق اللبنانيين أولاً وأخيراً، الا أن مسارعة فريق من اللبنانيين إلى تحميله مسؤولية في هذا الاطار ليست في محلها.

أما التذرّع بأن اللاجئ السوري حرم المواطن اللبناني من فرص العمل، فيكفي التذكير بأن اللبناني يرفض القيام بالأعمال “الوسخة” التي لطالما اعتقد أن على السوري القيام بها وفي هذا التصرّف فوقية حتى لا نستخدم كلمة عنصرية، وهي حجة كانت ولا تزال السبب الرئيس في استخدام السوريين في أعمال جمع النفايات والزراعة والعتالة، وهي الأعمال التي رفض اللبنانيون القيام بها منذ ما قبل وجود اللاجئين في لبنان.

غير أن تطوّر الحديث في أزمة النزوح دفع البعض إلى التفتيش عن الوصف الدقيق للوجود السوري في لبنان، وفي هذا الاطار كانت لافتة مداخلة للوزير السابق للشؤون الاجتماعية نقيب محامي الشمال السابق رشيد درباس الذي قال: “منذ أيام المدرسة الابتدائية تعلمنا أن النازح هو من ينتقل من مكان إقامته في بلده إلى مكان آخر، في حين أن اللاجئ هو من يغادر بلده الأم إلى بلد آخر، والاثنان لأسباب أمنية أو اجتماعية على حد سواء”.

إذاً، فإن السوري الذي غادر بلده بسبب الظروف الأمنية والحرب الأهلية التي تشهدها بلاده منذ العام 2011 هو في الواقع لاجئ يمكن أن يصنّف إلى جانب اللاجئين الفلسطينيين الذين يقيمون في لبنان منذ النكبة الكبرى التي حلت بفلسطين في العام 1948، وعليه بالتالي أن يلقى المعاملة نفسها التي يلقاها اللاجئ الفلسطيني وعلى الأقل من حيث تشريع السماح له بالعمل في مهن معينة وإقامته في أماكن تشرف على أمنها وإدارتها (وهذا أمر غير واقعي) الدولة اللبنانية.

وإزاء الدفق المتواصل للاجئين السوريين هرباً من القتال في بلادهم، اعتبر رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط في موقف لافت في العام 2013 أن “لا مفر من البحث في سلسلة خطوات إحترازيّة حيال كيفيّة التعاطي مع هذا الملف المعقد”، مجدّداً الدعوة الى اقامة مخيّم لاحتضانهم وإيوائهم بطريقة لائقة وتنظيم عمليّة دخولهم وإقامتهم والتدقيق بكل المعلومات المتعلقة بهم. ورأى أنّ “هذه الخطوة أكثر إفادة من النواحي الأمنيّة والقانونيّة والانسانيّة والاجتماعيّة على حدٍ سواء”.

لا شك في أن “رادارات” جنبلاط وخبرته السياسية التقطت بعد عامين على بدء أزمة النزوح المأساة التي سيتعرض لها السوريون والأزمة التي ستصيب اللبنانيين نتيجة هذا اللجوء، لكن “العنصرية” اللبنانية في ذلك الوقت رفضت التعامل مع دعوة جنبلاط بواقعية وتركت اللاجئين يدخلون إلى لبنان ويسرحون في أرجائه ويقيمون في أكثر من 1600 بلدة لبنانية وفقاً لاحصائيات مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين.

وبعد عام على موقفه ذلك، عاد وشدّد على أنه “لو كانت قد تمت إقامة المخيمات للاجئين السوريين، ربما كنا لنجنب بلدة عرسال الوضع الحالي المصيبة”، لافتاً إلى أن “الارهاب غريب عن الاسلام ولا علاقة له به”.

وازدادت في الأسابيع القليلة الماضية مع البدء بالبحث في أزمة اللاجئين السوريين الاتهامات المتبادلة على مواقع التواصل الاجتماعي والتي تضمنت تهديدات متبادلة، لكن أسوأها كان أن ينبري من يعتبر نفسه معارضاً للنظام السوري المدعو كمال اللبواني بتوجيه تهديدات مباشرة الى الجيش اللبناني ومختلف الفرقاء السياسيين الذين يدعون إلى ترحيل اللاجئين وإعادتهم إلى بلدهم.

إن مثل هذه الدعوات لن تساهم في حل أزمة السوريين في لبنان، لا بل بالعكس فهي قد تزيد من وحدتهم ضد وجودهم فيه، وانعكاسات هذا الأمر قد تفيد بعض الطوابير الخامسة والسادسة والسابعة، وتدفعها إلى استغلال هذا الأمر والقيام بتزويد السوريين بأسلحة وتحريضهم على مواجهة اللبنانيين بحجة الدفاع عن أنفسهم ما يدخل البلاد في أتون حرب لن يكون من السهل إيقافها.

مشكورة الأجهزة الأمنية التي تقوم بمداهمة أماكن تواجد السوريين المقيمين بصورة غير قانونية على الأرض اللبنانية، لكن يجب وفقاً لبيان صادر عن الحزب الاشتراكي “الالتزام التام بموجبات مبادئ حقوق الإنسان التي يكرسها الدستور اللبناني والقوانين الدولية”، مؤكداً أن “أي خطوة باتجاه إعادة النازحين إلى سوريا لا يمكن أن تتم إلا ضمن شروط العودة الطوعية والآمنة، بانتظار الحل السياسي الشامل الذي يجب أن يشمل ملف اللاجئين بشكل واضح”.

هل إن افتعال أزمة اللاجئين السوريين في هذا التوقيت هي قنبلة دخانية يراد منها إلهاء اللبنانيين ودفعهم إلى عدم الانتباه إلى الشغور الرئاسي المستمر منذ ستة أشهر، وإلى إضافة هم إلى تفكيرهم فوق الهموم الكبرى التي يعيشونها، أم هي بالفعل قنبلة واقعية قد تنفجر في أي لحظة ولن يدفع ثمنها سوى اللبناني نفسه من رزقه وحياته؟

شارك المقال