عيد العمال بألف غصّة وخيْبة في طرابلس… ولفتة بيرم “ابرة مهدئة”!

إسراء ديب
إسراء ديب

تُحذّر فعاليات طرابلسية عدّة لا سيما النقابية والعمّالية منها، من المأساة التي تحملها الأزمات المعيشية والاجتماعية المحلّية وانعكاساتها على العمّال والموظفين لا سيما في مدينة طرابلس التي احتضنت هذا العام احتفالاً مركزياً من تنظيم اتحاد نقابات العمّال والمستخدمين في الشمال واتحاد النقل والشحن والترانزيت، وذلك في الرابطة الثقافية التي استقبلت المئات من الداعمين لقضية حقوق العمال الذين رفع الكثير منهم في طرابلس في الفترة الأخيرة لا سيما مع انهيار الليرة أمام الدولار، صوتهم للاسهام في مساعدتهم وتحصيل حقوقهم التي هدرت مع إهمال المعنيين لها.

وبرعاية وزير العمل في حكومة تصريف الأعمال مصطفى بيرم وحضوره، نظم هذا الحفل بحضور نقابي، سياسي، اجتماعي، تربوي، وديني، تقدمه رئيس اتحادات ونقابات قطاع النقل البري بسام طليس، رئيس الاتحاد العمّالي العام بشارة الأسمر، رئيس اتحاد نقابات العمّال والمستخدمين في الشّمال النّقيب شادي السيّد، نقيب اتحاد الشحن والنقل والترانزيت محمّد كمال الخير، رئيس البلدية أحمد قمر الدّين، مفتي طرابلس والشمال الشيخ محمّد إمام، رئيس الرابطة رامز الفرّي، غسان يكن ممثلاً رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، إضافة إلى ممثلي النقابات، اللجان الأهلية وروابط المخاتير.

وشكّل حضور الوزير بيرم إلى طرابلس في عيد هذا العام لاحياء الحفل المركزي، عاملاً مهماً ومحورياً يُؤكّد أمرين أساسيين: الأوّل يكمن في أنّ القوى الرسمية والوزارية كانت تابعت مختلف الاحتجاجات والانذارات التي أطلقها عمّال المدينة وأبرزها مرتبط ببلدية طرابلس وموظفي ومياومي منشآت النفط في البداوي والتي كانت أثارت جدلاً سياسياً “عقيماً” أثّر على هذا القطاع مباشرة شمالاً، وكذلك موظّفو اتحاد بلديات الفيحاء ومعاناتهم وحراك فوج الاطفاء، أيّ أنّ لفتة الوزير حالياً تُعطي للعمّال وأصحاب العمل “إبرة مهدّئة” لفترة زمنية قادمة لن تكون بمنأى عن أزمات اقتصادية ومالية ستكون البلاد على موعد قريب معها، خصوصاً وأنّه لا يُمكن إغفال الأزمة التي تُواجه وزارة العمل بحدّ ذاتها، الأمر الذي يُقلّص من قدراتها أو دورها الذي عليها أن تلعبه في ظلّ حكومة تصريف أعمال مع غياب رئيس الجمهورية الذي يُحّرك بانتخابه الملّفات الجامدة كافّة. أمّا الأمر الثاني، فيلفت إلى الجهود التي يبذلها الاتحاد العمّالي العام شمالاً، في رغبته دورياً بنقل وجهة نظر مختلف العاملين أو آلامهم إلى الجهات الرسمية والمعنية.

وكان الكثير من العاملين تجمعوا أمام الرابطة بانتظار الوزير بيرم الذي استقبلته الحركات الكشفية بأهازيجها وباقات الورود التي قدّمت له عند وصوله للترحيب به في المدينة التي علم الكثير من عمّالها قبل وصوله أنّه يحمل بشرى سارّة إليهم شمالاً. وقبل وصوله والشخصيات المعنية بهذه المناسبة التي لا يخفى على أحد أنّها حلّت هذا العام مختلفة عن سابقاتها نظراً الى عجز الدّولة بمؤسساتها وإداراتها عن سدّ الفراغ الذي خلّفه الاهمال والتراكم كما الفساد، لم يُخفِ معظم الموجودين حسرتهم وغضبهم الذي يُمكن اختصاره أيضاً بشقين: الأوّل يُركّز على غضب العاملين من تدنّي رواتبهم التي لا قيمة لها و”استلشاق” الدّولة بحقوقهم وسط استياء عام من ساعات العمل الكثيرة والمرهقة. أمّا الشقّ الثاني فاستياؤهم من عمل بعض اللاجئين السوريين بطريقة غير شرعية وغير قانونية، وطالب بعض الموظفين الوزارة بالتركيز على ضرورة وضع حدّ لا يُمكن تجاوزه للعاملين السوريين لا سيما أولئك الذين يعملون من دون رخصة.

ووصف أحد العمّال (رقيب سابق في الجيش) كان أصيب خلال الحرب الأهلية، وضعه بالمزري، إذ يتلقّى راتباً يصل إلى 5 ملايين ليرة حالياً لا يكفيه مع انهيار القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار الجنونيّ الذي لا يطال المواد الغذائية فحسب، بل وصل أيضاً إلى أسعار الدواء التي باتت غير منطقية ووضعت المواطن في وضع لا يُحسد عليه مع عجزه الكامل.

وأكد عامل آخر (من عكار ويعمل في طرابلس)، أنّ الوضع في لبنان بات صعباً للغاية، “فراتبي لا يكفي للانتقال من منزلي إلى عملي، وهذه المناسبة لا تعني احتفالاً بالعيد، بل هي تذكير بخيباتنا التي كنّا نتوقّع أن تعدلّها الانتخابات النيابية السابقة والتي رصدنا نتائجها المروّعة”.

وشدّد أحد عمّال الفاتورة في بلدية الميناء على تدهور حالهم المعيشي، إذ ما زالوا يتقاضون 100 ألف ليرة في اليوم، مع العلم أنّهم لم يتقاضوا راتبهم منذ ثلاثة أشهر. وعبّر عن “وجع” كبير عمره أعوام، لافتاً إلى تعرّضهم للتهديد بإيقافهم عن العمل بعد ثمانية أعوام من العمل مع البلدية.

وكان لمحافظ طرابلس والشمال القاضي رمزي نهرا نصيب من الانتقادات التي طالته، بحيث يُجمع الشماليون على خطورة غيابه عن السمع بعد إدراكه كما إدراك المعنيين حجم الكارثة الاقتصادية التي ضربت كلّ مواطن وهزّت المحافظات والبلديات المختلفة لا سيما شمالاً، “فإذا كان غياب الأموال عن الصندوق البلديّ في الميناء واتحاد بلديات الفيحاء كارثة، فتوجه بلدية طرابلس إلى هذا المنحى كارثة أكبر أيضاً، ما يلفت إلى انهيار بلديّ وشيك قادم إنْ لم يتمّ تدارك الأمر مع الاجتماع والتعاون في كلّ ما من شأنه أن يصبّ في مصلحة الشمال والعمّال بعيداً عن التدخلات السياسية التي تُعرقل أيّ جهد وترقّع أيّ حلّ”، وفق ما يقول النقيب السيّد.

كما يُجمع العمّال على أنّ الوضع الاقتصاديّ شمالاً مختلف وأصعب بكثير من أيّ خيبة يتلقّاها العمّال في المناطق اللبنانية المختلفة، وهو ما أجمعت عليه الكلمات في الاحتفال الذي ربط واقع العمّال بأهمّية انتخاب رئيس للجمهورية يُنقذ البلاد من الأزمات والضغوط تصحيحاً للمسار.

وتكريماً لتضحياتهم وصبرهم على أقسى الظروف، تحدّث السيّد عن الغصّة التي تتمحور حولها المناسبة، مؤكّداً أنّ الانهيار الذي لم يلجم حتّى الساعة مع الاستهتار، دفع طرابلس الى المعاناة أكثر من غيرها “فهنا العمّال الأكثر فقراً ومعاناة”. وأشار إلى أنّ الحكومة تولّت مسؤوليات صعبة لكن يجب على الدّولة تقديم المساعدة.

بدوره، شدّد طليس على أهمّية انتخاب رئيس للجمهورية لأنّه الطريقة الايجابية لتحصيل حقوق عمّال طرابلس، عكار، الشمال وكلّ لبنان. فيما لفت الأسمر إلى أنّ العمّال في القطاعين العام والخاصّ كما الأساتذة هم من خرجوا فعلياً عن هذه المنظومة.

أما الوزير بيرم فرأى أنّ الشمال أعطى أكثر بكثير ممّا قدّمته الدّولة له. ووصف طرابلس بأنّها مدينة النور التي يُريد تسليط الضوء والنور عليها، وأنّ أهلها أهل الرباط والخير، آملاً “أن يكون ما فعلناه عيدية عيد العمال حين رفعنا الحد الأدنى في القطاع الخاصّ إلى 9 ملايين ليرة، وهي ليست كافية ولكنّني حرصت على حماية العمّال كوزير حاليّ في هذه الظروف…”.

وكان الطرابلسيّون انتظروا مفاجأة مغايرة للمفاجأة التي أطلقها الوزير أساساً يوم 30 آذار، بعد أن تمّ الاتفاق في لجنة المؤشر على رفع الحدّ الأدنى في القطاع الخاص إلى 9 ملايين ليرة أيّ بزيادة 4 ملايين ونصف المليون، لكنّهم في الوقت عينه لا يرغبون في الاكتفاء بالوعود أو الكلمات وحسب من دون تحرّكات فعلية تليق بصعوبة الظروف التي يُواجهونها، الأمر الذي يتطلّب تلبية رسمية مختلفة قائمة على تضافر الجهود المشتركة.

شارك المقال