رئيسي في سوريا… لقطف ثمار دعم الأسد

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

على الرغم من أن زيارة الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي الى دمشق حملت عناوين اقتصادية ومشاريع متعلقة بالكهرباء وغيرها وتوقيع اتفاقيات، الا أنها لا تخفي أهدافاً سياسية، فهذه الزيارة هي الأولى من نوعها منذ الثورة السورية في العام 2011 والتي تحولت بسبب التدخلات الخارجية لانقاذ نظام بشار الأسد الى حرب حوّلت سوريا الى مناطق متفرقة تحت سيطرة ايران وروسيا والولايات المتحدة الأميركية وتركيا، اضافة الى هيمنة النظام على مناطق بعد تدميرها وتهجير أهلها وتنفيذ مقتلة بالشعب السوري، ومن الواضح أن هذه الزيارة كان من الصعب حدوثها قبل الاتفاق السعودي – الايراني.

لا يمكن وضع زيارة رئيسي في اطار حسن النوايا، فقد دفعت ايران الكثير في سوريا لانقاذ الأسد، وهي اليوم تريد تحصيل “ما يجب” والافادة مما راكمته نتيجة تدخلاتها وتوظيف ميليشياتها في خدمة حكمه، وذلك لا يتم الا عبر الاقتصاد والحصول على امتيازات عبر الشركات والتحاصص، وتمكين الميليشيات التي قامت بدورها سواء “حزب الله” أم الميليشيات الشيعية من عراقية وباكستانية وأفغانية ويمنية من الافادة بعد أن جرى توطينها وبعدما هيمنت على ملكيات من هجروا وسطت عليها بقوة السلاح وأقامت مؤسسات زراعية وتجارية ووعدت بالتجنيس بعد تدخلها في سوريا، وهي التي قدمت الكثير لحماية الأسد وتتحمل الضربات الاسرائيلية التي تستهدفها في الداخل السوري، وبالطبع استفادت من ضعف التدخل الروسي بعد انشغاله بالحرب الأوكرانية.

يقول المحلل السياسي الدكتور خالد العزي لـــ “لبنان الكبير”: “ان زيارة رئيسي الى سوريا لها طابعان، الأول هو استعراض سياسي أمام الدول الأخرى، للقول ان الممانعة سجلت انتصاراً في سوريا وهي ستقود هذا الانتصار لاحقاً، وأن هناك ترابطاً سياسياً في الساحات، ورئيسي بعد زيارته دمشق سيتوجه الى حلب العاصمة السورية الثانية لكي يبحث في كيفية مساعدة المنطقة التي تضررت من الزلزال وكيفية اعادة بناء البنى التحتية المتضررة، لكن الطيران الاسرائيلي منع وصوله عبر ضرب مطار حلب بالأمس وتوقفه عن الخدمة، وهي رسالة واضحة الى ايران ورئيسي أنها لن تسمح له بالتحرك بحرية في سوريا وأن حركته ستكون محدودة. وكان بنيامين نتنياهو قد أعلن بوضوح في افتتاح جلسة الكنيست الاسرائيلي في 2 أيار، عن قرار متخذ بعدم السماح لايران بأن تكون في جهوزية عسكرية على الحدود مع إسرائيل، الأمر الذي ترجم منذ أسبوع في الضربات التي وجهت الى مواقع ايرانية وميليشياتها في المناطق القريبة من الجولان”.

وبالنسبة الى الطابع الثاني لزيارة رئيسي، يفسر العزي ذلك بأنه “متعلق بالاقتصاد، فهو يريد من نظام الأسد فوترة كل المساعدات التي قدمتها ايران وبالتالي تحصيل مديونات سوريا من خلال استثمارات لشركات ايرانية، وتحصيل أثمان الدعم الذي قدمته ايران للنظام ليبقى ويستمر بعدما كان مهدداً بالسقوط. فايران تذكر الأسد بأن الفضل في وجوده اليوم يعود اليها، وتحديداً الى الحرس الثوري، وما تريده اليوم دفع الفواتير والمديونيات من خلال المحاصصة المالية والحصول على شراكات في النفط والغاز والفوسفات والبحث في سبل تجنيس الميليشيات الشيعية التي جندتها ايران أثناء الحرب السورية من دول عدة، وبالتالي ايران تريد وضع قدميها على الأرض في الاستثمارات التي ستجري في مرحلة اعادة البناء، أو التي تأتي نتيجة الانفتاح الذي يروّج له مع الدول العربية، وهي أرادت القول ان القرار السوري لا يمكن أن يكون مخالفاً لما تريده أو يعمل عكس أهدافها ومصالحها، وهذا ما سيجد له ترجمة في انتخابات المجالس المحلية لتأكيد النفوذ الايراني ويساعد في تكريس التغيير الديموغرافي”.

من ناحية ثانية، يشير العزي الى أن زيارة رئيسي رسالة الى التقارب العربي الذي رفضه بشار الأسد باعتبار أنه يريد من العرب احتضانه لكن من دون تنفيذ الشروط العربية، والتي كانت مدار بحث في اجتماع الأردن التشاوري بين وزراء الخارجية العرب، وما طالبت به المملكة العربية السعودية لجهة وقف تصدير الكبتاغون واعادة اللاجئين والقبول بحل سياسي للأزمة السورية، لكن الأسد يريد اللعب على التوازنات السياسية ما بين الارتماء في الحضن الايراني والاستنجاد بالعرب من أجل الحصول على مساعدات ودعم مالي، ومن هنا رأينا كيف عمل الأسد على التفاوض في موضوع المخدرات، فهو لا يريد اقفال معابر التهريب بل طالب العرب بتأمين 7 مليارات دولار لأن عائدات هذا القطاع تدر على سوريا المبلغ المذكور”.

ويعرب عن اعتقاده أن “نقاش دور الأسد والتطبيع مع تركيا والدول العربية عائد الى الموقف الايراني الرافض لأي حلحلة في العلاقات السورية – العربية ومع تركيا قبل السطو الكامل على المقدرات السورية اقتصادياً حتى تبقى ايران مهيمنة ويجري التفاوض معها، فهي لا تريد أي دور تلعبه تركيا ولا مشاركة العرب، بل تريد جعل سوريا ورقة بيدها للابتزاز وتنفيذ أجندتها والقول بمواجهة اسرائيل من خلال توحيد الساحات، وهو ما أعلنه وزير خارجية ايران حسين أمير عبد اللهيان في الزيارة التي قام بها الى لبنان واستعرض فيها المواقف من منطقة الجنوب والحديقة التي بنتها ايران في مارون الراس على الحدود مع اسرائيل، واعلانه أن المقاومة أقوى وستصبح أقوى، وهذا يشكّل تهديداً لاسرائيل من الساحات عبر توجيه ضربات وفتح معركة بحرية وتوجيه رسالة الى الولايات المتحدة واجبارها على العودة لفتح ملف الاتفاق النووي، فايران تريد إثبات نفسها للعالم والقول ان لديها ساحات واسعة وهامشاً كبيراً للتحرك وهي ليست محاصرة بل تسعى الى معالجة الملف الوحيد العالق برأيها وهو ملف الأمن الاستراتيجي المرتبط بالاتفاق النووي، وأن اسرائيل تحت مرماها اذا لم تقم الولايات المتحدة بحلحلة الملف النووي واعادة المفاوضات حوله”.

تبقى أخيراً الاشارة الى ما قالته صحيفة “الفايننشال تايمز” البريطانية بأن النظام السوري ليس في وارد تقديم التنازلات للعودة الى الحضن العربي واستعادة مقعد سوريا في الجامعة العربية، بل هو طالب بالاعتذار منه، كما بدا أن الأسد يريد اتفاقات ثنائية يستطيع من خلالها طلب الدعم المالي من دون تقديم أي شيء في المقابل، والدلالة رفضه البحث في الاعادة الطوعية للاجئين الى سوريا والتجاوب مع الدعوات العربية من أجل تحقيق ذلك والاكتفاء بالسماح لألف شخص بالعودة من أصل 12 مليون لاجئ سوري منتشرين في بقاع مختلفة من العالم.

شارك المقال