مخالفات غادة عون بالجملة… طعن في القضاء وأمامه

هيام طوق
هيام طوق

أصدر المجلس التأديبي، قراراً بطرد القاضية غادة عون من السلك القضائي، وأشارت المعلومات إلى أن القرار اتخذ بالاجماع، برئاسة القاضي جمال الحجار، بعد دعاوى عدّة مقامة ضدها من جانب متضررين من إجراءات اتخذتها في عدد من الملفات، ولمخالفتها القرارات الصادرة عن مجلس القضاء الأعلى وتعليمات رؤسائها. لكن سرعان ما استأنفت عون بواسطة وكيلتها القانونية التي قدمت اعتراضاً على القرار بصرف موكلتها من الخدمة، علماً أنه بمجرد تقديم الاستئناف، يتوقف تنفيذ هذا القرار الى حين بتّه من الهيئة العليا للتأديب، ما يعني عودة القاضية عون الى مزاولة عملها.

وفيما بدا قرار الطرد مفاجئاً للكثيرين خصوصاً لمؤيدي القاضية عون الذين نفذوا وقفة تضامنية أمام مدخل قصر العدل، رأى عدد من الدستوريين أن هذا القرار كان متوقعاً بعد سلسلة المخالفات التي قامت بها، وتسببت بضرب هيبة القضاء، وبإحداث بلبلة وفوضى داخل الجسم القضائي خصوصاً أن أحكامها وملاحقاتها تنفذ باستنسابية، ووفق أجندة سياسية كما أنها لم تمتثل لأوامر رؤسائها، ولا تزال ترفض تسليم بعض الملفات.

ومنذ سنوات خصوصاً مع بدء الانهيار الاقتصادي، ادّعت عون على مسؤولين بارزين ومصرفيين وموظفين، ومنهم رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وشقيقه وابنه بتهمة “الاثراء غير المشروع”، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة وشقيقه رجا بتهمة “الاهمال الوظيفي وإساءة الأمانة”. كما لا ينسى اللبنانيون، القرارات التي اتخذتها في ملف الراحل ميشال مكتف، وكيف تمّت عملية اقتحام مكاتب شركته بطريقة بوليسية غير مسبوقة في العمل القضائي.

وفي حين قالت القاضية عون من أمام قصر العدل بعد صدور القرار: “بلا تجنّي. أين القضاء؟ يُلاحقون القاضي الوحيد الذي يتجرّأ على فتح الملفّات. لم أخترع شيئاً ولديّ أدلّة، وهم يُحاكمونني لأنّني أقوم بعملي. وأنا مش خايفة من حدا حتّى لو بدّن يقتلوني”، ما هو رأي القضاة والقانونيين في هذا الاطار؟

الرئيس السابق لمجلس شورى الدولة​ القاضي ​شكري صادر​ أوضح أن “هناك مبدأ فصل السلطات: السلطة التشريعية تشرّع، والسلطة التنفيذية تنفذ القانون، والسلطة القضائية تسهر على حسن تنفيذ القوانين. إذاً، القاضي هو المولج حسن تنفيذ القوانين، وليس لديه الحق بمخالفة القانون. القاضية عون، بغض النظر عن قراراتها إن كانت صائبة أو خاطئة، يجب أن تتحرك ضمن الأصول القانونية، وضمن أصول المحاكمات بحيث هناك نصوص في المواد 122 و123 و124، تتحدث عن دعاوى الرد أي اذا اشتبه المدعى عليه أن القاضي ليس منصفاً، له الحق بطلب رده أو كف يده. اليوم هناك بين 25 و30 دعوى رد على القاضية عون التي من المفروض منذ تبلغها هذه الدعاوى، أن ترفع يدها عن الملف، الى حين تصدر المحكمة التي تبتّ في طلب الرد، قرارها اما بالقبول أو الرفض”.

أضاف: “القاضية عون لم تتبلغ لأنه في حال تبلغت، عليها رفع يدها عن الملف، وعدم تبلغها يعني أنها تقوم بدور معاكس تماماً ويخالف كلياً دور القاضي الفعلي. ليس لديها الحق في الامتناع عن التبلغ، لا بل استمرت في عملها كأن شيئاً لم يكن. هذه هي المخالفة الأولى المهمة جداً. أما المخالفة الثانية، فهي مخالفة أوامر رئيسها المباشر، والتي لم تمتثل لها. والمخالفة الثالثة، لم ترد على طلبات مجلس القضاء الأعلى القيّم على حسن سير العدالة. كل هذه الشكاوى التي كانت تتقدم في التفتيش القضائي على القاضية عون، لسبب معلوم مجهول، كانت توضع في الجوارير، وعلى مدى 3 سنوات، إلى حين تقاعد الرئيس السابق للتفتيش القضائي الذي حوّل هذه الملفات والشكاوى دفعة واحدة الى المجلس التأديبي، ونظر بها، وأصدر القرار على اعتبار أن القاضية المولجة تطبيق القانون، ترفض تطبيقه على نفسها، وتخالف أوامر الرؤساء المباشرين”.

وأشار الى أن “أصول المحاكمة العادلة أن تكون درجات التقاضي، درجتين على الأقل أي بداية واستئناف. وبالتالي، قرار المجلس التأديبي ابتدائي، ويستأنف أمام الهيئة العليا للتأديب المؤلفة من أعضاء مجلس القضاء والتي يرأسها رئيس مجلس القضاء الأعلى كي ينظر بصوابية قرار المجلس التأديبي. إذاً، الدعوى اليوم بعد الاستئناف ستصبح أمام مجلس القضاء بصفته المجلس التأديبي الأعلى. وأمامه 3 خيارات: اما يصدق على قرار المجلس التأديبي أو يفسخه جزئياً لجهة العقوبة أو يصدر الحكم بالبراءة”.

وقال: “مبدئياً، لا يمنع النص القاضية عون من متابعة عملها انما يحق لوزير العدل اذا رأى أن التهمة جدية، وصدر قرار من المجلس التأديبي، صرفها من الخدمة، إيقافها عن العمل لمدة لا تتعدى الستة أشهر. انها صلاحية تعود الى الوزير وحده، ويمكن أن يأخذ هذا القرار أو لا يأخذه”.

وتحدث صادر عن حالات مماثلة شهدها القضاء، اذ صرف عدد من القضاة من الخدمة لأنهم اتّهموا بالفساد، وثبت الفساد عليهم، معتبراً أن “من يقول ان قرار المجلس التأديبي، وصمة عار على القضاء، مخطئ جداً، ونقول لهم: عيب عليكم التعييب على القضاء”. وتمنى “أن يلتزم القضاة بالأخلاقيات القضائية منعاً لتكرار مثل هذه المخالفات ولقرارات كهذه بحق القضاة”.

ورأى الخبير الدستوري سعيد مالك أنه “نتيجة تراكم الشكاوى بحق القاضية عون، أحال التفتيش القضائي ملفها على المجلس التأديبي، ولا شك في أن هناك الكثير من المخالفات التي اقترفتها في أكثر من مكان وخلال أكثر من مناسبة. بعد أن تأكد المجلس التأديبي من هذه المخالفات، وأيقن أنها صحيحة وثابتة وراسخة، أصدر قراره بصرفها من العمل، لكن هذا القرار ليس نهائياً، وبالامكان الطعن به أمام هيئة التأديب القضائية العليا المؤلفة من 5 أعضاء، من أجل البت بالطعن. وبالتالي، لا يمكن دائماً أن نعتبر أن أي قرار يصدر عن القضاء يشكل طعنة أو دعسة ناقصة لأنه يقوم بواجباته. وما يحكم العلاقة بين هيئة التفتيش والمجلس التأديبي والقضاة هو قانون تنظيم القضاء العدلي، والقانون يحدد المخالفات اذا وجدت والعقوبات. ما أقدم عليه المجلس التأديبي يأتي في هذا السياق”.

ولفت الى أن “القرار الصادر ليس معجل التنفيذ، ومجرد استئنافه يجمّد العمل به حتى البت بالاستئناف. علينا ترقب التطورات لناحية الطعن الذي ستقدمه القاضية عون، ولناحية موقف هيئة التفتيش العليا”، موضحاً أن “العقوبة التأديبية مسلكية وليست عقوبات جزائية أو مدنية. وعندما يجرّد القاضي من صفته كقاضٍ، ويعود مواطناً عادياً، يصبح عرضة للملاحقة كغيره من المواطنين. القاضي ليس له حصانة. من الممكن أن يؤثر هذا القرار على القاضية عون، معنوياً، لكن لها حق الطعن، وربما ستذهب في هذا الاتجاه، ونتيجة الطعن يبنى على الشيء مقتضاه”.

شارك المقال