من خلدة إلى البقاع… متى يتوقف سفك الدم ويلتم الشمل الوطني؟

راما الجراح

المشكلات بين العشائر العربية في لبنان والتي تأخذ طابعاً عشائرياً ثأرياً ليست بظاهرة جديدة، ولكن بكل أسف لم نصل حتى اليوم إلى حل مسؤول وجدّي لهذه الظاهرة التي تستمر وتتغذى بالسلاح المتفلت من دون حسيب أو رقيب. عشائر مدججة بالسلاح، وفيديوهات تهديد ووعيد مع صور سلاح “على مد عينك والنظر” ما يكرّس مشهدية إنهيار مقومات الدولة اللبنانية، والعجز الكبير عن إتخاذ أي قرار أو رد فعل على الأحداث التي تحصل بين فترة وأخرى، ليس بالنسبة الى العشائر وحسب، بل كل المواطنين والعائلات الذين يستعرضون سلاحهم عند أي إشكالية تحصل معهم من دون أي اكتراث بالدولة والقوى الأمنية.

من ملف أحداث خلدة الذي نتج عن توترات مذهبية وإشكالات مسلحة بين أفراد من العشائر العربية وآخرين مناصرين لـ”حزب الله”، أسفر عن مقتل ٤ أشخاص في خلدة، وذلك على خلفية جريمة ثأرية، فقد قارب على الانتهاء بمصالحة علنية، وخصوصاً بعد زيارة وفد من العشائر العربية رئيس مجلس النواب نبيه بري وإلباسه العباءة التي ترمز الى الصلح والمصالحة، مؤكدين أنهم سيجتمعون بإخوانهم على صلح تام يزيل الأحقاد ويهدئ النفوس. فهل يمكن أن نشهد مثل هذه المساعي في منطقة البقاع وخصوصاً عقب ارتفاع أعداد القتلى بسبب المشكلات الثأرية في السنوات الأخيرة بعد أن همدت لأكثر من ٢٠ سنة؟ وما أهميتها وتأثيرها على المجتمع عموماً؟

الغزاوي: التعاون على الحل بعيداً عن بيع المواقف

أكد مفتي زحلة والبقاع الشيخ علي الغزاوي في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “عنوان إصلاح ذات البين هو واجب شرعي، وكل مشكلة ولها مفتاحها للحل، والقضية ليست قضية العشائر وحسب، بل قضية مجتمع بأكمله، ولنكن صريحين المشكلات والاشكاليات ليست بينهم فقط، فهناك إشكاليات مناطقية، حزبية، طائفية وعائلية. وللأسف نحن نعيش ضمن منظومة عدم إستقرار تولد كل هذه المشكلات. وفي حل المشكلة، لا شك في أن نكون جزءاً من الحل وليس جزءاً من المشكلة، الناس من حقهم أن يسعوا في أي مكان يشعرون بأن ضوءاً قد يأتي منه، واذا احْلَولك الظلام فسيبحثون عن هذا الأمل، وأُمتنا تعيش نوعاً من الفراغ السياسي والبيت السياسي الحاضن”.

وقال: “لا إشكالية في أن نجد شركاء في الحل من الآخرين من طوائف أخرى، وعلينا أن نتعاون كي نجد حلاً، وبالتالي مشكور كل من يسعى في الحل ولكن أن يكون شريكاً فيه لا أن يبيع مواقف، وأُمتنا ليست للبيع، والدماء والمواقف غالية عند أهلها، ونحن نخشى أن تكون الدماء عند الجميع مكاناً للمساومة. ونحن ضد سيلان الدماء، ومع أي شراكة في الحل مع أي إنسان قد يكون مفتاحاً في مكان ما، حتى يطمئن من لا يزال على قيد الحياة، وأن لا يجر الدم إلى دم”.

أضاف الغزاوي: “يجب أن نكون جزءاً من الحل، وعلينا أن نسعى الى ذلك، وملتزمون في دار الفتوى وعلى تواصل دائم مع مفتي الجمهورية الذي شكل لجنة من النواب والمشايخ منبثقة من دار الفتوى والعشائر لمتابعة ملف خلدة خصوصاً، وقد يعمم وينتقل من خلدة إلى عكار والبقاع وأكثر من منطقة لنستفيد من خبرة الآخر. وللأسف نعاني من إشكالية عدم التعاطي بعقلانية، العاطفة يجب أن لا تغلب، ولا سيما عند التعاطي من باب المسؤولية، والثأر يقف عندما نفقه ونثقف مجتمعنا وآن الأوان أن نتحمل مسؤولية ثقافة المجتمع الذي نحتاج إليه بكل أطيافه”.

الحشيمي: جميعنا مسؤولون عن الحل إلى جانب دار الفتوى

أما النائب بلال الحشيمي فأشار الى “أننا جميعنا نعيش في البيئة نفسها، ولدينا الطائفة والدين نفسهما، ولا شك في أن موضوع الثأر يتسبب بمعاناة كبيرة بالنسبة الى أهله، ولكن يجب أن يكون هناك وعي وأن نفوّض الأمر إلى الله، وأن ندرس كعشائر كيفية الخلاص من هذا الموضوع الموجع والصعب، والذي يؤثر على جميع الأجيال المقبلة، وعلى أشغالنا وحياتنا. الانسان يعيش مرة واحدة، وإذا أردنا أن نعيش هذه المرة في جو مشحون بالقتل والثأر والخوف نكون قد حكمنا على أنفسنا بالاعدام، ومن ناحية أخرى هناك أناس تُظلم في هذا الموضوع بسبب فورة الدم، وفي النهاية لا تزر وازرة وزر أخرى”.

واذ شدد على وجوب “العمل على هذا الموضوع بما أمر الله، وهناك قوانين ربانية أُمرنا بها”، تمنى “أن نصل إلى العفو بين بعضنا البعض وبين كل العشائر في البقاع ولبنان، وديننا دين سلام، فلنفتخر بذلك من دون أن نُبقي الأمور مستمرة إلى ولد الولد”، مؤكداً “أنا اليوم مع منطق التدخل لحل هذه القضية الكبيرة، وأنا وجميع الفعاليات من جميع المناطق ومسؤولين سياسيين وغير سياسيين ومشايخ، مع تدخل سماحة مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان للسعي الى حلها، والجميع مسؤول عن هذا الموضوع”.

ياسين: الاصلاح مطلوب وأنا أول المبادرين

وأكد عضو تكتل “التغيير” النائب ياسين ياسين أن “الاصلاح هو المطلوب، وأصلحوا ذات بينكم ليس خياراً بل هو مطلب أساسي في كل الشرائع، واذا كانت هناك فرصة لهذا الاصلاح فيكون أفضل بكثير من أي طريق آخر وأوفر بكثير على الجميع. وفي منطقة البقاع تتمركز النسبة الأكبر من العشائر العربية، وهناك مشكلات ثأرية بين قبائل لا يستهان بها، وشحن كبير للنفوس، وبالنسبة لي أنا مأمور وغيري بالتحرك بصورة جدّية للإصلاح، وأنا أول المبادرين فيه، ولنبدأ بجلسة نقاش مع فرقاء مختلفين من سائر المناطق البقاعية ويتم البحث في كل النقاط من تاريخ الثأر إلى السعي لوقفه مهما كلف الأمر من وقت وجهد”، معتبراً أن “هذه القضية أساسية، وتعود بالمنفعة الانمائية والاصلاحية والسياسية والطمأنينة علينا جميعاً، ونحن نعيش في بيئة واحدة وأهل خير، ويبدو أن الوقت حان للتعاون في ما بيننا لوقف سفك الدم، والعفو، وأن نبتعد عن شحن النفوس، للوصول إلى الاصلاح السليم الذي يليق بنا في البقاع”.

اللويس: تحكيم العقل والخروج من منطق الجاهلية

وأشار الشيخ وليد اللويس، إمام مسجد برالياس وإبن عشيرة اللويس الى أن “المجتمعات العربية فيها ما هو من الصفات الحميدة والذميمة، ونحن مطالبون بأن نكون من ذوي الصفات الأولى التي تشبهنا، والعشائر العربية في لبنان التي تنتمي إلى الطائفة السنية مطالبة أيضاً بأن تبتعد عن كل الصفات التي حاربها الاسلام من العصبية، الجاهلية، الخلافات، ومنطق الثأر الذي ذهب بسببه الكثير من الأبرياء، وممن لا ناقة له ولا جمل، وهذا أمر مرفوض إسلامياً، وأخلاقياً، وإنسانياً، وهو منطق جاهلي حاربه الاسلام ورسول الله حين قال: كل دمٍ في الجاهلية موضوع تحت قدميّ هاتين وأول دمٍ أضعه تحت قدميّ، دم عمي العباس”.

ودعا اللويس “جميع العشائر العربية التي عرفت بأصالتها ومروءتها وكرامتها الى أن لا تنجر خلف لغة الدم والثأر لأنه منطق حرّمه الاسلام”، وقال: “الاسلام دعا إلى تحكيم العقل، والإنصاف، وأن لا نأخذ أحد بجريرة أحد وكل نفسٍ بما كسبت رهينة، لذلك ندائي ورجائي لأهلي واخواني أبناء العشائر وجميع المواطنين: من عفا وأصلح فأجره على الله، وهو منطق الكبار ومسيرة الحكماء والعقلاء. هذه العشائر هي ركن ركين، وجزء أصيل من هذا الوطن الذي نعيش فيه وينبغي أن يكون لها دور كبير في البُعد الوطني، ومن الناحية المرجعية أن تستظل بمظلة دار الفتوى في الجمهورية اللبنانية التي هي رأس هذه الطائفة والدار التي ترعى الطائفة والوطن، والتي نمشي في رحابها ونلتزم بتوجيهاتها، وهي الأمل والرجاء حتى يعم الأمن والأمان ونعيش بسلام”.

اعتدنا في لبنان على مشهدية القضاء على هيبة الدولة عند أي إشكالية تحصل في أي منطقة يظهر فيها السلاح، بين عشائر تسيطر عليها الأحزاب، وأخرى تسيطر عليها المشكلات العائلية، ولكن على الرغم من الشلل والانهيار اللذين أصابا أطراف الدولة منذ العام ٢٠١٩، لا يزال الرهان على العقلاء في المجتمع لوقف سفك الدم، وإعادة الأمور إلى طبيعتها، لأن هذا البلد لم يعد يقوى على حِمل كهذا، ولأن أمهاتنا وأخواتنا وحتى رجالنا ذرفوا ما يكفي من دموع القهر والفَقد، والجميع في إنتظار لحظة الصلح والمصالحة علّها تكون قريبة!

شارك المقال