لغز “زورق طرابلس”… من يكشف سرّ الفاجعة؟

إسراء ديب
إسراء ديب

لم تُحاول السلطات الرسمية السياسية منها، الأمنية، العسكرية والقضائية، إيجاد طريقة واحدة على الأقلّ تنتشل فيها جثث الضحايا الذين غرقوا عاماً كاملاً تحت الماء قبالة شواطئ مدينة طرابلس بعد حادثة أليمة لم تُكشف معالمها وتفاصيلها حتّى اللحظة.

تعدّدت الروايات التي قدّمها كلّ من الناجين، أو أهالي الضحايا وحتّى الأجانب (من فريق الغواصة تحديداً) عن المشهد القاتم الذي أغرق معه هذا الزورق الذي حمل أكثر من 80 شخصاً حينها، لكن تبقى النتيجة واحدة، وتكمن في بقائهم “غرقى” مع قطع يد كلّ من حاول انتشالهم من هذه المياه حينما كانت جثثهم متينة أو يُمكن العثور عليها واستخراجها، وهذا ما يُوضح سبب غياب رواية مقنعة واحدة تُريح قلوب أهالي الضحايا لمعرفة سبب هذه الضربة الموجعة للعائلات الطرابلسية والشمالية، التي واجهت الأمرّين في هذه الأشهر التي مرّت كالسم عليهم بعد تعرّضهم لـ “لدغة عقرب” لاسعة ومؤلمة وغير متوقّعة في 23 نيسان، وتكمن في أمرين: الأول، اللسعة التي واجهوها في مدينتهم مع انتشار الفقر والذل وسعيهم الى الهروب من جهنم البلاد، أمّا الأمر الثاني فيكمن في الشهادات التي أكّدت تعرّضهم لضربة من ضابط في الجيش الذي أصرّ على إغراقهم عبر ضرب المركب عمداً، وفق إفادات الناجين وبعض العائلات وصور التقطتها الغواصة تؤكّد وجود ضربات أدّت إلى الغرق وشدّدت على أنّ “الضربة مقصودة”، الأمر الذي رفع من مستوى التوتر والمناوشات مع الأهالي حينها، على خلفية هذه القضية التي كانت قيادة الجيش أكدت أنّها ناتجة عن “الحمل الزائد”، ليشهد الأهالي فيما بعد على عدم توقيف هذا الضابط وكلّ من عاونه بعد الحديث عن تورّطهم في وقوع هذه الفاجعة.

إنّ “النحس” الذي رافق هذه الرّحلة منذ بدايتها لا يُنسى، حتّى بعد وصول الغواصة Spises 6 إلى مرفأ طرابلس لانتشال الزورق الذي غرق على عمق 470 متراً، فلم تتمكّن من إنجاز مهمّتها بصورة كاملة ولم تستطع استخراج حتّى ولو حذاء يعود لضحية واحدة على الأقلّ، بل تعرّض طاقمها لتهديدات عدّة “ضيّقت” عليهم العمل، وتُؤكّد أوساط طرابلسية أنّ “هذه الضغوط التي مورست ودفعتهم إلى المغادرة سريعاً كانت تستهدف دفن سرّ الضحايا معهم بعدما ابتلعتهم المياه بلا رجعة كي لا يكونوا دليلاً قاطعاً يُهدّد مؤسسة الجيش وصورتها”.

فيما ظهرت معطيات أخرى تشير الى أنّ الغواصة التي قيل انّها متطوّرة للغاية ونُشرت بيانات وأخبار عنها حينها تُؤكّد هذه الفرضية، كان أَمِل الطرابلسيون منها خيراً، وكلّف استقدامها حوالي 250 ألف دولار، وتأخرت أكثر من شهر، (بعدما كان مقرّراً أن تصل في السادس من تموز الماضي وتأخرت لأسباب مادية ولوجيستية وفق النائب أشرف ريفي الذي كان دعم تدخل هذه الغواصة)، لكنّها عادت بلا نتيجة كاملة ومن دون انتشال 33 ضحية، بل سرعان ما طعن المعنيون بها وبتقدّمها الذي تباهوا به منذ البداية، بحيث أوضح ريفي أنّ مهمّة الغواصة التي كان تكفّل شقيقه جمال، المغترب في أستراليا، مع غيره من المغتربين بدفع ثمن استقدامها، “أنجزت في جزئها الأول، تحديد مكان المركب، الذي غرز عميقًا في قعر البحر، أمّا انتشاله فيحتاج إلى معدّات أكثر قدرة ممّا وفّرنا”.

بعد مرور عام، يُمكن القول إنّ العدالة مفقودة أو لم تأخذ مجراها، ووفق مصدر متابع للملف فإنّ التحقيقات في القضية “لم يُكشف عنها شيء، ولم تسفر عن توقيف مدنيين أو عسكريين”.

أمّا المحامي محمّد صبلوح فيًؤكّد لـ “لبنان الكبير” أنّ هذا الملف لا يتحرّك من النيابة العامّة، وأنّهم تقدّموا بطلب عن إفادة لنقل الشكوى من النيابة منذ شهرين لكن لم يتمّ الرّد عليهم حتّى اللحظة، خصوصاً “أنّنا لم نتمكّن من الاطّلاع على تفاصيل التحقيقات وتطوّراتها”، مذكّراً بإبلاغ كان تسلّمه لبنان من المقرّرين الخاصين للأمم المتحدة عبر رسالة وصفت بـ “شديدة اللهجة”، اعتبرت أنّ الهواجس القانونية التي تحدّث عنها المحامون والقانونيون المتابعون لهذه الحادثة تُعدّ واقعية، إذْ طلبت من الحكومة اللبنانية تنفيذ إصلاحات لم تقم بها الدّولة، كما رأت أنّ التحقيقات غير عادلة وغير شفافة أيضاً.

ويستند صبلوح في حديثه إلى المؤتمر الصحافي الذي عقده قائد القوات البحرية في لبنان العقيد الركن هيثم ضناوي في القاعدة البحرية في مرفأ طرابلس، وتناول فيه تفاصيل مهمّة غواصة الانقاذ، كما إفادات الناجين وعائلاتهم، مذكّراً بفضائح كان عبّر عنها أحد فرقاء الغواصة الذي أكّد “سحب جثة أو اثنتين وقيام الجيش بإعادتهما، وأنّ الغواصة لم تقم بمحاولة انتشال الزورق وكلّفت أكثر ممّا تستحقّ”، الأمر الذي يُشكّل علامة استفهام كانت وضعت برسم القضاء حينها، مشدّداً على أهمّية متابعة هذا الملف.

ومنذ أيّام وبمناسبة ذكرى مرور عام على هذه الحادثة، قامت منصّة “ميغافون” بنشر تقرير “استقصائي” ليكون في عهدة القضاء اختصرت فيه “الفضائح” التي طالت هذا الملف بغية تسليمها الى مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، “كما نعمل على إنتاج فيديو ثلاثي الأبعاد يُجسّد الجريمة من تاريخ انطلاقها من القلمون وصولاً إلى الغرق مع أخذ الافادات اللازمة لتتطابق مع أحداث الجريمة، وذلك بعد تواصلنا مع إحدى المنظمات الأوروبية التي تُعنى بالجرائم الكبرى، ليكون هذا الفيديو دليلاً يُستخدم في القضاء الأوروبي وسنعرضه للرأي العام قريباً، وذلك بغية متابعة القضية التي لن نسكت عنها، على أمل أن تستيقظ ضمائرهم لتُنصف المتضرّرين من هذا الملف الذي واجه مخالفات لا تُعدّ ولا تُحصى، وسيتمّ الكشف عنها بكلّ صراحة وشفافية كاملة قريباً لتُشكّل فضيحة كبيرة”.

شارك المقال