هل يجرؤ “قيصر” على السعودية؟

حسين زياد منصور

بعد 12 عاماً، أعاد العرب سوريا الى جامعتهم، التي اتخذت قراراً باستعادة مقعدها. هذا القرار العربي “المستقل” صدر على الرغم من انتقادات واشنطن، التي اعتبرت أن دمشق لا تستحق هذه الخطوة، وأشار البيت الأبيض الى “أن لا تطبيع مع الأسد وأن العقوبات الأميركية ستبقى مفروضة بالكامل، وأنهم أوضحوا لشركائهم أنهم ملتزمون بحزم بقانون قيصر كي لا يخاطروا بالتعرض لعقوبات”.

موقف الأميركيين هذا قد يؤدي الى التشنج في العلاقات الأميركية الخليجية والعربية، خصوصاً بعد التوجه السعودي والاماراتي مؤخراً نحو الشرق أي نحو الصين فضلاً عن بدء التفاهم مع إيران سعياً الى تحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

وبعد هذه الخطوة، طرحت الكثير من الأسئلة حول “قانون قيصر” والخطوة السعودية، وان كانت ستطالها مفاعيل هذا القانون، خصوصاً بعد السعي الى المشاركة في الاستثمار وعمليات إعادة الاعمار في سوريا، وعودة الاستيراد والتصدير الى وضعها الطبيعي بين البلدين، واللقاءات الأمنية بين الطرفين، وهو ما كان تجاوز لـ “قانون قيصر”.

فلا يمكن نسيان العقوبات التي فرضت على عدد من الشخصيات اللبنانية لارتباطها بالنظام السوري وتوقيف مشروع استجرار الغاز لمروره ضمن الأراضي السورية، فهل كل ما يحصل سيكون بداية لإسقاط “قانون قيصر” أم أن العقوبات ستطال السعودية والامارات وبعض الدول العربية؟

الخطيب: العرب سيضغطون لرفع العقوبات

وفي حديث مع موقع “لبنان الكبير” تشير الباحثة في العلاقات الدولية والديبلوماسية سماهر الخطيب الى أن التحولات الجيوسياسية أثرت على السياسة في الاقليم، منذ الاتفاق الاستراتيجي الروسي – الصيني الذي تولد عنه اتفاق صيني – سعودي وصيني – إيراني وفيما بعد إيراني – سعودي، وكل هذه التحولات أدت الى تفعيل العلاقات بين سوريا وجوارها، وكانت العلاقات الثنائية بينها وبين الدول العربية منفردة وليس مع جامعة الدول العربية، منذ الدور الأول والأكبر لسلطنة عمان ثم الامارات والبحرين ومؤخراً السعودية، وكل هذا أثر على دور الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة ككل، وبالتالي أثر في الحضور الصيني الذي ملأ الفراغ الاستراتيجي الأميركي في المنطقة منذ انسحاب الأميركيين من أفغانستان.

وتلفت الى أن “التمرد السعودي والاماراتي على القرارات الأميركية والعقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا وقانون قيصر الذي تم توقيف مفاعيله منذ بداية الزلزال ولمدة 6 أشهر، تدل على أن الولايات المتحدة رافضة لهذا التحول، لكنها أيضاً فتحت المجال أمامه لأن منطقة الشرق الأوسط أصبحت عبئاً عليها وهي بحاجة الى الاستقرار فيها”.

وعما اذا كان التوجه السعودي والاماراتي نحو سوريا ستطاله عقوبات قيصر، توضح الخطيب أن “العقوبات لن تطال السعودية والامارات، وذلك لأن جامعة الدول العربية اليوم كسرت الحصار الديبلوماسي، الى جانب توقيع اتفاقات اقتصادية بين الدول العربية وسوريا يعني كسر الحصار الاقتصادي أيضاً فضلاً عما نتج عن اللقاء الخماسي في عمان والذي طالب بإعادة اللاجئين، وإعادة الاعمار”.

وتقول: “قانون قيصر جاء تكليلاً لسلسلة من العقوبات وبالتالي من بدأ بالعقوبات على سوريا في 2011، اما اليوم بعد العودة الى سوريا واعادة الاعمار والاستثمار فيها، فسيتم رفع العقوبات تدريجاً، العرب سيرفعون العقوبات وكذلك الأوروبي سيرفع عقوباته لحاجته الى غاز المنطقة. فبعد أن كان الضغط العربي والغربي على الأميركي لفرض عقوبات على سوريا هم أنفسهم سيضغطون لرفعها”.

وتشدد على أن “مفاعيل قانون قيصر ستسقط حكماً، وسط مطالبات بإسقاط العقوبات الاقتصادية كاملة سواء العربية أو الغربية أو الأميركية المكللة بهذا القانون”، مشيرة الى أن “التصريحات الأميركية شيء والأفعال شيء آخر، فالكثير من التحولات السياسية حول العالم بما يخص الأميركيين منذ الانسحاب من أفغانستان وتركها لحلفائها دفع السعوديين والاماراتيين الى التوجه نحو الصين وروسيا، نحو الحلف الأوراسي، ونحو إيران وسوريا في الاقليم”.

وترى الخطيب أن “هذه التحولات الجيوسياسية العالمية تشير الى تعددية قطبية وتعددية اقليمية ومن الممكن أن تكون السعودية وإيران من ضمن هذه القوى، الى جانب دعوات في مجلس الأمن الى تعدد الدول الأعضاء الدائمة وعدم اقتصارها على 5، ويمكن أن تكون هناك الهند ودولة أفريقية ودولة عربية أيضاً، في ظل سعي السعودية الى ريادة الاقليم والعالمين العربي والاسلامي والحصول على هذا المقعد في حال حصول العرب على مقعد فعلي”.

“قانون قيصر”

في منتصف كانون الأول من العام 2019 أقر “قانون قيصر”، ومرّره الكونغرس ضمن ميزانية وزارة الدفاع، ثم أقره مجلس الشيوخ الى أن وقّعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وينص القانون على فرض عقوبات على الأجانب المتورطين في بعض المعاملات المالية أو التقنية لمؤسسات الحكومة السورية، والمتعاقدين العسكريين والمرتزقة الذين يحاربون بالنيابة عن الحكومة السورية أو روسيا أو إيران أو أي شخص فُرضت عليه العقوبات الخاصة بسوريا، الى جانب من يقدمون المعلومات والتقنيات والدعم المالي لنظام بشار الأسد أو يساعد في توسعة انتاج الغاز والنفط في سوريا ويقدم المساعدات والقطع العسكرية، ويفرض عقوبات على المسؤولين لجهة انتهاكات حقوق الانسان ضد المدنيين أو أفراد عائلاتهم… لكنه يستثني المنظمات غير الحكومية التي تقدّم المساعدات في سوريا.

في المقابل، يسمح القانون للرئيس الأميركي في حال لمس جدية في التفاوض من النظام السوري بوقف الدعم العسكري الروسي والايراني، والالتزام بعدد من البنود والمعايير المتعلقة بالحصار والصراع الدائر في سوريا، أن يرفع العقوبات انطلاقاً من ذلك، ويمكنه أيضاً رفعها في حال كانت الأسباب تتعلق بالأمن القومي الأميركي.

ويرجع اسم القانون “سيزر” أو قيصر نسبة إلى مصور عسكري سوري انشق عن النظام بين العامين 2013 و2014، وكان يعمل في الطبابة الشرعية في جهاز الشرطة العسكرية في دمشق، ومهمته تصوير الحوادث الجنائية المرتبطة بالجيش والمؤسسة العسكرية من جرائم قتل وغيرها، لكنه بعد الثورة عام 2011، سرّب صور جثث القتلى المعتقلين لدى النظام، وكان عددها 55 ألف صورة لـ 11 ألف سجين قتلوا تحت التعذيب.

شارك المقال