بعد تبرؤ فرنسا من فرنجية… أي سيناريو لملء الفراغ؟

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

يبدو أن فرنسا اقتنعت أخيراً بأن لا حظوظ لمرشح الثنائي الذي سوّقت له لرئاسة الجمهورية في اطار تسوية شبيهة بتسوية 2016 الفاشلة، في الوصول الى قصر بعبدا، وأن محاولة الترويج لها اصطدمت بأمور عديدة، على الرغم من تسويق فكرة الاتيان برئيس حكومة اصلاحي يرضي المعارضة ورئيس جمهورية من خط فريق 8 آذار، باعتبار أن ذلك يتناسب أيضاً مع الحالة السعودية – الايرانية المستجدة ما بعد اتفاق بكين.

من الواضح أن فرنسا كانت مستعجلة على التسوية من دون معرفة الأوضاع الداخلية في لبنان والقراءة الموضوعية لمواقف المعنيين، ما أثر عليها وانعكس سلباً على الداخل الفرنسي، بين مجموعة قصر الاليزيه ومستشار الرئيس الفرنسي باتريك دوريل صاحب هذه المبادرة، والمجلس النيابي الفرنسي الذي وجدها مبادرة قاتلة، وهي تكرر تجربة آب 2020 عندما جاء الرئيس ايمانويل ماكرون الى لبنان ليعوّم “حزب الله” اثر انفجار مرفأ بيروت، أي تقفز قفزات في الهواء ولا تستطيع أن تهبط على الأرض، وبالتالي فقد تفقد فعلياً أي استثمار لها في الداخل اللبناني، خصوصاً لدى المعارضة الموجودة على المستوى النيابي والحزبي وموقف البطريركية غير المؤيد بالاضافة الى الكتل المسيحية الوازنة، كما موقف السعودية التي تقول لا للتدخل في الشؤون اللبنانية وأن الرئيس يجب أن يكون صناعة لبنانية، وأن لا فيتو لديها على الأسماء. لكن ما فهمه ماكرون والموالاة من أن فرنجية قد “يقطع” لا ينطبق على الواقع، فالسعودية تعني بعدم وجود فيتو على الأسماء أن على الرئيس أن يكون جامعاً يرضي الجميع وليس تابعاً لطرف ويملك امكانية اقناع الآخرين ببرنامج اقتصادي انقاذي ولا يأتي بشروط حارة حريك التي ذهب بها فرنجية الى دوريل، الذي حاول تمريرها الى السعودية على شكل ضمانات شفهية، لكن السعوديين كانوا واضحين بأنهم يريدون تنفيذاً على الأرض وليس سماع كلام.

وطالما أن لا توافق على فرنجية من الكتل المسيحية، وليست له حماية من البطريركية المارونية، ولم يقنع الطرف المعارض والكتل السياسية الأخرى، فحتى الرئيس نبيه بري لم يستطع اقناع صديقه وليد جنبلاط بفرنجية، بالتالي، فإن سقوط ورقته حتمي.

ويبدو أن فرنسا تبحث عن مخرج مشرّف من ورطة دعم فرنجية، اذ رأت أن الانفتاح العربي – الايراني وعودة بشار الأسد الى الحاضنة العربية يؤمنان لها الأجواء المناسبة لطرحه رئيساً، لأنه مقرب من الأسد و”حزب الله”، لكن كان هناك موقف ثابت عبّرت عنه الولايات المتحدة بالتأكيد على أن لا تطبيع مع الأسد و”قانون قيصر” صامد، وبالتالي هناك عقوبات على من يريد خرقه. أما بالنسبة الى الموقف العربي بعودة الأسد الى الجامعة العربية وعودة العلاقات مع النظام، فهي عودة مشروطة وليست عودة الأسد الزائر، فما يراد من هذه العودة الوصول الى نقطتين: الأولى انسانية، والثانية وقف عمليات تهريب الكبتاغون، وما شهدناه من تصفية لـ “اسكوبار سوريا” بغارة جوية يدل على ذلك. اما لناحية التسوية فقد لا نرى عملياً وجوداً لها بين الايرانيين والسعودية في لبنان حالياً، فكما يبدو أن السعوديين لا يريدون الصدام في لبنان مع ايران في هذا الموضوع، لأنهم يعرفون أنها لن تتنازل بسهولة عن مرشحها والدخول في عملية مساومة تنتج رئيساً توافقياً، لكن المساومة ستكون تحصيلاً حاصلاً عندما تقتنع ايران بذلك، كما قال وأبلغ وزير الخارجية الايرانية حسين أمير عبد اللهيان والرئيس ابراهيم رئيسي، الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصر الله: لا نريد رئيساً يستفز المملكة العربية السعودية، وايران اليوم بحاجة اقتصادية اليها وبالتالي تريد الافادة من هذا الموضوع، لكنها في الوقت نفسه تحاول ألا تذهب في التسوية الى النهاية.

لقد شهدنا أن زيارة فرنجية الى السفارة السعودية في بيروت كانت خطوة هادفة لتقديم أوراق اعتماده عله يحظى بدعوة الى المملكة ويمسك ورقة بيده، وبالأمس زار سفير المملكة وليد بخاري في دارته في اليرزة ووصف اللقاء بـ”الودي والممتاز”. لكن هذه الزيارة هي لاظهار أن فرنجية له علاقات مع السعودية خصوصاً أنه سبق وتردد عن عزم بخاري على زيارة بنشعي يوم الاثنين الا أنها ألغيت، واستعيض عنها بفطور في دارة السفير، وطبعاً فرنجية سيقول ان لا فيتو من السعودية على اسمه، الا أنه حتى لو حصل ترشيح شخص مقابل له وجلسة انتخاب فلن يحصل على أكثر من خمسين صوتاً بحسب تقديرات محللين، لذلك لا بد من الاقتناع بأن لا رئيس في لبنان الا رئيساً توافقياً، والمشكلة أن التوافق الداخلي ليس موجوداً. هناك سيناريوهات يروّج لها اذا لم تحصل تسوية، منها الذهاب الى عقد جلسة نيابية لانتخاب الرئيس، ودعوة الناخبين اليها والمرشحين وعند عدم فوز أي من الطرفين بمرشحه تبدأ عملية المساومات والذهاب نحو مرشح توافقي، فيطرح اسمه فوراً في الجلسة ويجري انتخابه.

اما السيناريو الثاني فهو فتح الأوراق الاقتصادية التي حاولت فرنسا الضغط من خلالها على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ورفض الفراغ في الحاكمية، وهي مع الذهاب الى انتخاب رئيس فوراً كي لا يكون هناك شغور، لكن الفرنسيين تعجلوا في استخدام هذه الورقة، فالعملية النقدية ليست بيد الفرنسيين وانما بيد الولايات المتحدة التي لن ترضى بمرشح لا يستطيع الادارة الفعلية ويلتزم بالشروط التي سبق وأعدت للانقاذ ومنها اقفال المعابر والممرات غير الشرعية وغير القانونية، والتعامل مع وجود “حزب الله” وانتشار سلاحه الى ما هنالك، لذلك يحاول الحزب أن يتشارك مع أميركا في هذه الرؤية، أي ايجاد مرشح مقبول بينهما.

هذه السيناريوهات تطرح وقد تفرض على الجميع، فـ “حزب الله” بات يعلم أن ورقة فرنجية لم تعد صالحة ولكن يجب إخراجها بطريقة صحيحة، ويعلم أيضاً أن لبنان ليس موضوعاً على أجندة الدول الكبرى، لذلك لن يتعجل في عملية سحب ورقة فرنجية، مع معرفته بأنه حتى لو أمّن الرئاسة بـ65 صوتاً نيابياً فلن يستطيع أن يحكم أو أن يمرر أي مشروع، وبالتالي لا السعودية قادرة على أن تذهب بالتوافق عليه ولا الولايات المتحدة تقبل به، أي أن الوضع سيبقى على حاله ولن يجري تقديم ورقة لـ “حزب الله” من أميركا والسعودية. ولكن قد يصر الحزب على الانتخاب بـ 65 صوتاً حتى لو أدى ذلك الى شق تكتل “لبنان القوي” وخصوصاً أن هناك نواباً منه فازوا بأصوات ناخبين من “حزب الله”، ولكن هذا لن يؤمن لرئيس السير بادارة البلد وسيكون رئيساً يجلس في القصر من دون أن تكون لديه أي قدرة على ذلك، وبالتالي في هذه الحالة، السعودية هنا ستبتعد لست سنوات مجدداً عن لبنان وربما تتخذ الادارة الاميركية عقوبات اقتصادية كبيرة على الكثير من الشركات والمؤسسات والشخصيات والكيانات المرتبطة بـ “حزب الله” والممانعة، وسينعكس هذا الانتخاب سلباً ليس على الجمهور المعارض وحسب، وانما على حركة الحزب ودوره وتنقلاته في البلد، وقد يحوّل لبنان الى غزة ثانية. وقد أرسلت الادارة الأميركية العديد من الرسائل سابقاً في فرض عقوبات على الأخوين ريمون وتيدي رحمة المقربين من فرنجية، وعلى حسن مقلد وأولاده، وحسن دقو ونوح زعيتر وماهر الأسد وهي رسائل مباشرة الى القيادات السياسية وربما الاقتصادية.

شارك المقال