نصر الله قالها أخيراً: الأمر لي!

أنطوني جعجع

لقد حسمها الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله أخيراً من دون مسايرة أو تردد أو تحفظ: أنا هو الحاكم بأمري لا شريك لي ولا منافس لا في المعارضة ولا في الموالاة ولا في السعودية ولا في أميركا ونقطة على السطر.

لم يحدث منذ اطلالات الرجل الكثيفة والطويلة أن ذهب في “فوقيته” الى هذا الحد من التحدي المكشوف، وهذا الحد من السلطة المباشرة، مؤكداً لمن يهمه الأمر سواء كان لبنانياً أو عربياً أو دولياً، أن لا خيط يُقطع في لبنان من دون علمه في مكان ومن دون اذنه في مكان آخر، ومن دون مباركة ايران في كل مكان.

ولم يحدث أيضاً، أن ذهب حسن نصر الله بعيداً في “أوامره” الى الحد الذي وضع لبنان الرسمي والشعبي أمام خريطة طريق لا تحيد قيد أنملة عن خط الممانعة، ولا تتبع أي مسار لا يصل الى سوريا ومنها الى ايران، ولا يصادق أو يحاور أو يوالي أي نظام لا يقوم في دمشق أو في قم، موحياً بأن لا عالم آخر قائم خارج هذه الجغرافيا وهذه البيئة الممتدة من بلاد فارس الى البحر المتوسط.

انه بكل بساطة “نشوة” من يعتبر نفسه منتصراً بعد عودة العرب الى دمشق وانفتاحهم على ايران، وبعد عجز أميركا عن لجمهم، وعجز اسرائيل عن ردع القوة العسكرية الفلسطينية في غزة، اضافة الى عجز المعارضة اللبنانية عن تغيير المعادلة السياسية اللبنانية نتيجة أمرين: الحياد السعودي أولاً والصراع على السلطة ثانياً.

ويجمع القسم الأكبر من المراقبين على أن حسن نصر الله، لم يكترث كثيراً في خطابه الأخير، بالمصالحات العربية مع كل من ايران وسوريا بقدر ما ركز على حتمية التطبيع بين لبنان وبشار الأسد، وكأنه بذلك يطلب من القتيل أن يبرئ القاتل أو يطلب من السجين أن يعتذر من جلاده.

ويضيف هؤلاء ان الرجل لم يبدِ أي استعداد لفتح صفحات جديدة بين دمشق وبيروت تختلف عن الصفحات القديمة، فاما الخضوع لمشيئة الأسد وخامنئي واما الفراغ الى ما شاء الله، سواء على مستوى الرئاسة الأولى أو على مستوى الحلول المطروحة هنا وهناك.

ويسأل أحد المراقبين تعليقاً على خطاب نصر الله: لماذا يطلب من حكومة مبتورة الذهاب الى قصر المهاجرين للبحث في اعادة اللاجئين السوريين، وهو القادر باتصال هاتفي مع الرجل الذي حماه واستنزف رجاله من أجله على مدى اثني عشر عاماً، أن يطوي ملف هؤلاء في غضون أسابيع؟ موضحاً أنه لن يفعل ذلك لسببين: انه يسهم مع الأسد في تركيب مجتمع ديموغرافي جديد في سوريا، ويعتبر اللاجئين المدعومين بالعملة الصعبة من المجتمع الدولي، بمثابة الدجاجة التي تبيض ذهباً بالنسبة الى الخزينة السورية المثقوبة، والبعبع الذي يهوّل به على قوى المعارضة في لبنان.

ويضيف: ربما يتناسى نصر الله أن سوريا لا تزال تعتبر لبنان “خطأ تاريخياً”، وأن السوريين ليسوا “دخلاء” أو “غرباء” في لبنان، بل مواطنون فقط بدلوا أماكن سكنهم من محافظة الى أخرى ليس الا، متسائلاً أيضاً: كيف نطلب من الأسد البحث في ترسيم أو ضبط الحدود المشتركة بين لبنان وسوريا هو الذي رفض استقبال وفد لبناني حاول فتح هذا الملف انطلاقاً من بحر الشمال؟ وكيف نطلب من “حزب الله” أن يدفع في اتجاه ترسيم الحدود مع سوريا هو الذي يرفص أي مسعى أو أي قرار محلي أو دولي يدعو الى ذلك، ويستغل الفلتان البري في أعمال التبادل العسكري والأمني والتجاري والمالي مع الجانب الآخر من الحدود اللبنانية؟

ولفت في هذا المجال الى أن سعد الحريري ذهب الى دمشق وكذلك فعل وليد جنبلاط وجبران باسيل والبطريرك بشارة الراعي الذي كسر مسار سلفه نصر الله صفير، فماذا تغير؟ وماذا قدمت سوريا التي كانت تتهالك في ذلك الوقت لاستقبال أي مسؤول عربي أو دولي ومن أي رتبة كانت، يفك عنها عزلتها الخانقة وحصارها المحكم، باستثناء المزيد من المكابرة وسياسة الالغاءات المتنوعة؟

وأكثر من ذلك، يسأل مصدر في المعارضة: لماذا لا يسحب نصر الله رجاله من سوريا “الآمنة والمنتصرة” أو يحمي السوريين العائدين اليها من أي قمع محتمل كما أسهم في حماية النظام الحاكم ومنعه من السقوط قبل تدخل الجيش الروسي في اللحظة الأخيرة؟

ويتفق الكثير من المراقبين على أن نصر الله لم يمارس فوقيته على اللبنانيين بل تعداها، سواء عمداً أو سهواً، الى الأسد نفسه وتولى بدلاً منه دعوة الحكومة اللبنانية الى مفاوضته، وكأنه أراد بذلك أن يقول للمعنيين بالملف اللبناني إن أي حل في لبنان لن يكون الا الحل الذي يفرضه، وان أي رئيس للجمهورية لن يكون الا الرئيس الذي يباركه أو يختاره، وان أي وسيط لن يكون الا الوسيط الذي يطلع على سيرته الذاتية مسبقاً.

وكشف مصدر قريب من الضاحية الجنوبية، أن حسن نصر الله رفع سقف سطوته، بعدما أيقن أن فرص وصول سليمان فرنجية الى قصر بعبدا ضئيلة أو هزيلة، وأنه يشعر بنوع من “الانكسار” أمام المعارضة هو الذي وعد بيئته بالانتصارات الدائمة محاولاً بذلك الظهور بمظهر الرجل الذي لا يزال قادراً على صنع الرئيس الذي يواليه في المطلق أو على الأقل الرئيس الذي لا يجرؤ على طعنه في الظهر.

وأضاف أن نصر الله، حاول أن يقول لقوى المعارضة على تنوعها اضافة الى الرياض والدوحة وواشنطن، إن أي رئيس يمكن أن يصل الى القصر الجمهوري من دون رضى الممانعين، لن يستطيع أن يخرج من بعبدا، ولن يكون أكثر من رئيس صوري يأخذ تعليماته اليومية من الرئيس الحقيقي المقيم في الضاحية الجنوبية.

في اختصار، قال حسن نصر الله ما كان يتحاشى قوله من قبل لأكثر من اعتبار، وقرر أن ينصّب نفسه حاكماً مطلقاً على لبنان بقوة الأمر الواقع ما دامت تفسيمات الطائف لا تسمح بذلك، وما دام بعض الوجود المسيحي في لبنان لم يعد يشكل الرافعة التي كان يحتاج اليها أحياناً، ولم يعد يتولى عن الشيعة أمر المواجهة مع السنة حيناً ومسيحيي المعارضة حيناً آخر، ويوفر عليه الدخول في “حرب أهلية” يرى أنها سيف ذو حدين أو أن أوانها لم يحن بعد.

ويختم مصدر ديبلوماسي واكب خطاب نصر الله قائلاً: “وأنا استمع اليه اعتقدت لوهلة أنه يقرأ البلاغ رقم واحد، وأن انقلاباً وقع في البلاد وأطاح كل شيء بدءاً من مداورة الموارنة في الرئاسة وانتهاء بالحكومة التي تعامل مع رئيسها ووزرائها وكأنهم مجموعة من القاصرين”.

شارك المقال