مطر يُطفئ شمعته السياسية الأولى على عتمة الفراغ والتعطيل!

إسراء ديب
إسراء ديب

أعطت اللقاءات الاعلامية التي أجراها النائب إيهاب مطر تلفزيونياً وإذاعياً، زخماً غير عادي لمسيرته السياسية التي ستُطفئ شمعتها الأولى بعد ساعات معدودة، في ظلّ مرحلة سياسية دقيقة تشهد على الكباش السياسي الذي يسبق الانتخابات الرئاسية التي يُركّز عليها مطر في حواراته الصحافية وكذلك الشخصية، بحيث لا يُخفي حتّى على المقرّبين منه خطورة الاستمرار في الشغور الرئاسي والجمود الحكومي والبرلماني الذي ينعكس مباشرة على قدرات النواب في إتمام إنجازاتهم أو طموحاتهم التي كانوا يرغبون في تحقيقها خلال الشهور الماضية.

وبات واضحاً لغالبية القوى السياسية كما الشعبية منها في البلاد عموماً، وفي طرابلس خصوصاً، أنّ الضغط الذي واجهه معظم النواب لا سيما من المستقلّين خلال هذه الفترة الشائكة، كان واضحاً وكبيراً، وهو ما يُقرّ به مطر الذي واجه في الأشهر القليلة الماضية حملة إعلامية وكذلك ميدانية تسأله عن “التغيير الحقيقي” الذي كان وعد به، كما عن الإنجازات التي أراد تحقيقها محلّياً، في وقتٍ لم يسأل فيه القائمون على هذه الحملات أو من يقف وراءها عن الشعارات التي أطلقها نواب المدينة، وعن سبب جمودهم وغياب تحرّكاتهم السياسية أو الانمائية التي تحتاجها المدينة وهي تُكافح بضراوة للحفاظ على ما تبقّى من مرافقها الاقتصادية والسياحية كما التاريخية.

في الواقع، حرص النائب مطر الذي وصل إلى هذا المنصب بعدما انتخبه عدد لا يُستهان به شمالاً، على نقل هموم الطرابلسيين وقضايا المدينة أينما حلّ ووقتما ظهر على الصعيدين الاعلامي كما الشعبي. كما أظهر ابن أبي سمراء مدى صلابته السياسية التي دفعته دائماً إلى التمسّك بمبادئ واقعية بمرونة وديبلوماسية تامّة لا تدفعه إلى ضرب الآخر بسهام الكلام أو الأفعال مهما بلغ اختلافه السياسيّ معه، وفي الوقت عينه لا يُحاول الاختباء “خلف اصبعه” كما يفعل آخرون لا سيما في ما يتعلّق بقضايا مسّت طرابلس أو الوطن تاريخياً، وهذا ما تُبيّنه اللقاءات جلّياً والتي سبقتها حركة سياسية لافتة كان أجراها مطر، وذلك بعد زياته كلّاً من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة الأسبق تمام سلام، وتلتها زيارة لافتة لدار الفتوى وتأكيد من هذه الدار “السنية” على أهمّية انتخاب الرئيس “المسيحي” في البلاد والمشاركة في كلّ جلسة انتخابية.

ومن خلال الاطّلاع على أبرز المواقف السياسية والانمائية التي أطلقها مطر أخيراً، يُمكن القول إنّ تجربته النيابية اصطدمت بمجموعة عوامل عدّة أبرزها:

أوّلاً، إنّ مطر المغترب والعائد من أستراليا بعد أكثر من عشرين عاماً، واجه حملة “إنكار” من عدد من المدنيين في البداية بعد اعتيادهم “المستميت” على الطبقة السياسية التي أفقرتهم، فكان مطر بالنسبة إليهم “إبرة” جديدة وغير متعارف عليها، ما أدّى إلى استغرابهم منه ومن مواقفه التي تُعبّر عن استقلالية غير مألوفة. وبعد الانتخابات لا يزال يُواجه مطر نوعاً آخر من الحملات نظراً الى تمكّنه من “اختراق” الجسم الطرابلسي فيما بعد، ليُسجّل موقفاً ثابتاً ومغايراً للآخرين تفضّله شريحة واسعة من الطرابلسيين، فإذا كان متمسكاً بالوطنية من جهة، فهو لا يخجل من دعمه لموقع الطائفة السنية والطرابلسيين سياسياً واجتماعياً من جهة ثانية، وهذا ما يراه البعض “كومبو” مميّز يخلط بين الوطنية والانتماء بلا تردّد أو خوف من ردّ الفعل.

ثانياً، قد تكون الاستراتيجية التي اتّبعها مطر أو أسلوب تفكيره وطرحه للقضايا الوطنية أو الطرابلسية، مختلفاً عن النواب الآخرين خصوصاً في المدينة، فهو متأثر بأسلوب تعاطي الأستراليين سياسياً وإدارياً مع قضاياهم، لذلك اختار نقل هذه التجربة الى الطرابلسيين للافادة منها، وكانت فكرة الاجتماعات النيابية الدورية أحد أركانها، لتحسين وضع المدينة الانمائي وعرض أبزر مشكلاتها وأزماتها، فنجحت هذه الخطة لأشهر عدّة بدأت منذ شهر 6 وصولاً إلى شهر 11، الأمر الذي تعرقل فيما بعد لأسباب ترتبط بالغياب المتكرّر لبعض النواب عنها، إضافة إلى انعكاس نتائج الطعن التي لم تُسقط مطر نيابياً، لكنّها “أجهضت” جهوده في هذه الاجتماعات، وهذا ما عبّر عنه بصراحة في حوار عبر “صوت لبنان” اذ أكّد أنّ “المبادرة استهدفت وضع الخلافات السياسية جانباً للتحدّث عن الانماء الذي تحتاجه المدينة بعد سنوات من الإهمال الممنهج وغير الممنهج، أو الممنهج قطعاً من بعض الأطراف داخلها وخارجها، فلا يُعقل أن تحصل هذه الأمور السياسية بالصدفة، لكنّ الطّعن غيّر المشهد النيابي شمالاً”، لافتاً إلى دعوة جديدة أطلقها هذا الأسبوع للاجتماع مع النواب ومعرفة مزاجهم لكن “لا جواب شافٍ لدى الجميع”.

ثالثاً، لا يُخفي مطر صعوبة الواقع السياسي القائم على الفراغ والتعطيل، مع رفع المواطن سقف طموحاته التي علّقت بمطر فحسب في طرابلس، بينما لا يُواجه نائب آخر هذه المواجهة المحقّة في ظلّ غياب التشريع وشلل البلاد، فلا قوانين يُمكن إقرارها ولا إنجازات يُمكن تحقيقها، مع تأكيد مطر المستمرّ حرصه على سنّ قوانين تخدم لبنان وطرابلس حينما تسمح الفرصة تشريعياً، حتّى على صعيد الانماء الغائب عن المدينة، فهو يدعم “مجموعة إيهاب مطر للتنمية” لدعم القطاع التربوي وعقد دورات تعليمية وتدريبية للأطفال وتحسين مهاراتهم، وللمرأة أيضاً مع أهمّية فصل الانتماء السياسي، الديني والعقائدي عن هذه الخدمات.

رابعاً، يُحاول النائب مطر في كلّ ملف وطني، ربطه بالشؤون الطرابلسية وبالطائفة السنية وبأهمّية الموقع “السنّي الأوّل” وهذا ما ظهر أيضاً في لقائه مع الرئيس سلام ودعوته إلى “عدم ادخال موقع رئاسة الحكومة في بازارات التسويات أو المحاصصة”، وهو ما اصطدم عموماً بالتحالفات السياسية التي تضرب هدفه الجامع، ما يوضح سبب عدم قدرته على التوصل إلى توحيد أبناء هذه الطائفة سياسياً بعد مبادرته القائمة على البحث عن “أرضية مشتركة للتعاطي مع الاستحقاقات الدستورية المقبلة”، وهو تواصل سياسي مهمّ استهدف تحسين صورة الطائفية السنية سياسياً بعد استبعادها أخيراً عن المشهد المحلّي.

خامساً، لم تُغيّر التحالفات السياسية التي لم ينخرط فيها، كما الاغراءات المختلفة النائب مطر خصوصاً في هذه الظروف السياسية، فلم يتفق مع محاولات النواب اختراق اتفاق الطائف، ولم يُهاجم السعودية، ولم يتخذ من “حزب الله” شعاراً للتصويب عليه بلا هدف وبلا خطوات واقعية، بل صوّب على السلاح غير الشرعي وأهمّية الجيش اللبناني والدّولة، كما لم يُحاول تجميل صورة سوريا بنظامها المعادي لأبناء طرابلس، مذكّراً بجرائمها التي لا تُنسى في الفيحاء كما قال في مقابلة له عبر “الجديد”، وفي الوقت نفسه يتمسّك بالنائب ميشال معوّض رئيساً لاتفاقه مع المواصفات الرئاسية التي لا تمنعه من التفكير باسم آخر شرط ألّا يكون على حساب الشعب اللبناني والطرابلسي.

يُمكن القول إنّ “السنوية الأولى” لمطر كانت مفعمة بالتحرّكات والنشاطات التي اخترقت الجمود والبرودة الطرابلسية، فصحيح أنّه يعترف بصعوبة تحقيق إنجازات نيابية، لكنّه في الوقت نفسه استهدف في عامه الأوّل إتمام خطوات عدّة لم يقم بها نائب عن مدينته منذ أعوام، فلم يترك شخصية سياسية، دينية إلّا وتحدّث معها عن وضع مدينته، حتّى عندما كانت تُعقد جلسات في المجلس، كان “يُقحم” مدينته في كلّ صغيرة وكبيرة، لأنّه يُدرك تماماً أنّه نائب عن أمّته ومدينته التي كانت ترافقه في غربته أيضاً بتواصله مع مختلف الفعاليات الأسترالية لمحاولة تحسين وضعها ومساعدتها.

شارك المقال