أيهما قبل… “بيضة” الاصلاح أم “دجاجة” الرئيس؟

ياسين شبلي
ياسين شبلي

الكل يتحدث ويعمل – وإنما الأعمال بالنيات – لانتخاب شخص يملأ فراغ كرسي الرئاسة الأولى، وكلٌ يجهد لتنصيب مرشحه الذي لم يترشح أصلاً. الأسماء تجول بين العواصم والسفارات والمقرات السياسية، بينما لا أحد يتحدث عن برنامج للحكم الآتي إلا بالعموميات، وكأن المطلوب إنتخاب “مس ليبانون” وليس رئيس جمهورية يمثِّل رمز وحدة الوطن والشعب والمؤسسات.

الكل يتحدث عن الفراغ وكأنه عامل جديد أو طارئ على الحياة السياسية اللبنانية، أو كأن الفراغ هو فقط بمعنى غياب الشخص، بينما الفراغ الحقيقي هو فراغ الساحة من البرامج والأفكار الجديدة والحلول التي يجب أن تكون لمشكلات الناس والبلد.

الكل يتحدث و”يسعى” ويعمل وكأن البلد في وضع طبيعي، يتراشقون ويتبارون في إظهار صورة “مرشحهم” على أنه الشخص المناسب للمنصب المناسب في الوقت المناسب، وذلك بالاعتماد على شخصه فقط وسيرته السياسية أو الوظيفية، وكأن المطلوب شخص عادي يأتي ليستكمل “إنجازات” سابقة، بينما المطلوب شخص إصلاحي إن لم نقل تغييري للواقع المهترئ الذي هو عليه البلد، وهذا لن يكون إلا ببرنامج عمل واضح وشفاف وصريح، يحمل بنوداً “ثورية” في الاصلاح الاداري فالاقتصادي والسياسي.

الكل يتحدث وكأن الرئيس مطلوب لذاته، أو للمنصب بذاته، أو لـ “البرستيج” أمام الدول والسفارات والمؤسسات الدولية، بينما المطلوب هو الرئيس لبرنامجه أمام شعبه وضميره أولاً، لخريطة طريقه التي سيسلكها لإعادة بناء المؤسسات، التي تحولت إلى أوكار لبعض سماسرة السياسة والمال والدين، يسرحون بها ويمرحون بإسم الطائفة أو المذهب أو الحزب، أو “الراعي” الخارجي الذي إستقدموه ليستثمر في حاضر اللبنانيين ومستقبلهم، مقابل “عمولة” يتلقونها على شكل نفوذ ومناصب لتسييلها لاحقاً ثروات تصب في حساباتهم في بنوك الخارج.

الكل يتحدث وكأنه لم يكن لدينا لشهور خلت، رئيس حَكَمَ لست سنوات كانت كافية لإيصالنا إلى جهنم، بإسم الرئاسة القوية القادرة على الاصلاح والتغيير، والزعيم الأكثر تمثيلاً للطائفة التي “حلَّق بجناحيها” قبل تعطلهما ليسقط البلد في الفراغ، على الرغم من وجوده في قمرة القيادة، وغيرها من النعوت والمسميات التي أثبتت الأيام أنها لا تُصرَف في أي موقف لأنها بلا رصيد وطني حقيقي.

الكل يتحدث ويصول ويجول في أمور الرئيس وأصوله وفروعه وإمتداداته، ولا أحد يتحدث عن القِيَم التي يجب أن يتحلى بها ويحملها هذا الرئيس، فلا الأصل ولا الفرع ولا الامتدادات هي ما نريده كلبنانيين، ولا نريد رئيساً على مقاس أحد منهم “هني يخيطوا وهوي يلبس”، ولا نريد الرئيس “خيال صحرا” أو رئيساً للرئيس على طريقة “الفن للفن”، إنما نريد برنامجاً يتجسد في شخص، نريد إصلاحاً يظهر على صورة رئيس بغض النظر عن طول قامته أو قصرها أو لون عينيه، فكما أن العدل أهم من القانون، الاصلاح أهم من الرئيس، ولا داعي للدخول في نقاش البيضة والدجاجة لتمييع الموضوع، فالرئيس يجب أن يخرج حكماً من “بيضة” الاصلاح لا من صفوف الأحزاب الفاسدة، ولا من أدراج مكاتب السفارات القريبة والبعيدة، ولا من قبعة أي “ساحر” نصّاب يمارس الخدع البصرية والسمعية على الناس، لأنه في هذه الحال سيكون لسان حال غالبية اللبنانيين، ألف كلمة فراغ ولا كلمة رئيس عاجز أو “دمية”، أو روبوت متحرك بالتحكم عن بعد أو عن قرب، إلا لما فيه مصلحة الناس والوطن في المحاسبة أو التضييق – أقله – على الفساد والفاسدين أياً كانوا ولأي جهة إنتموا، فلا وطن ولا مؤسسات ستكون قادرة على النهوض بعد اليوم بلا إصلاح، ولا إصلاح بلا إصلاحيين حقيقيين، ولا إصلاحيين من دون شفافية ووضوح في الرؤية والهدف والوسائل، وإذا كان لا بد من “تدوير زوايا” فليكن بطريقة إحترافية لا تدمي الوطن والمواطن، بإختصار بيضة الاصلاح قبل دجاجة الرئيس، وإلا فلن يبقى لا “بيض” ولا “دجاج”.

شارك المقال