الأسد حراً… خسروا أميركا ولم يربحوا سوريا؟

أنطوني جعجع

ماذا يملك الرئيس بشار الأسد مما يمكن أن يحتاج اليه العرب سواء في الحرب أو في السلام؟ وماذا دفع العرب الى التغاضي عن ارتكاباته، وتجاوز المحظورات الأميركية، وهواجس القوى المعارضة في سوريا ولبنان، لملء المقعد السوري الشاغر في الجامعة العربية؟

سؤالان خيّما على الدوائر الديبلوماسية والسياسية وحتى الشعبية منذ أشهر عدة، من دون أن يجدا حتى الساعة من يملك جواباً مقنعاً أو جواباً نهائياً باستثناء اشارات “فوقية” من فريق متباهٍ يتحدث عن “انتصارِ” محوره، وخجولة من فريق معترض يجاهد لاخفاء صدمته.

وثمة سؤالان آخران: هل تغيّر الأسد الى الحد الذي بات يفعل اليوم ما لم يفعله في الأمس؟ وهل وصل العرب الى مكان رأوا فيه أن المنطقة من دون سوريا هي منطقة عربية ناقصة، وأن سوريا من دون منطقة عربية حاضنة هي “كيان ايراني” غير مباشر لا مكان للغالبية السنية فيه؟ وهل وصل العرب الى اقتناع بأن استعادة سوريا – الأسد ستكون أكثر أهمية من خسارة أميركا، وأكثر أهمية من تركيبة سياسية وديموغرافية متوازنة وجديدة في كل من دمشق وبيروت؟

وهل لا تزال النظرية التقليدية القائلة “إن السلام في المنطقة غير ممكن من دون سوريا” صالحة للخدمة، في وقت بات نصف العرب تقريباً على سلام أو تطبيع أو تواصل مع الدولة العبرية؟

الواقع أن كل الأسئلة واردة وجائزة، خلافاً للأجوبة التي لا يبدو أي فريق عربي قادراً على الحسم حيالها أو قادراً على تسويقها في غير مكان.

والواقع أيضاً، أن من أراد اعادة احتواء سوريا، أضاف شرخاً آخر الى الكتلة العربية وتحديداً مع كل من قطر والكويت والمغرب، وهي الدول التي تعاني كل منها قصة مريرة مع النظام الحاكم في دمشق، وأن من أراد الرهان على دور الأسد في تفكيك “الهلال الفارسي” الممتد من طهران الى البحر المتوسط، والى اعادة التوازن الى التركيبة الديموغرافية في بلاده، اصطدم سريعاً بموقفين لافتين من الرئيس السوري وهما أولاً: الاصرار على اعتبار “حزب الله” و”الحرس الثوري” قوى “شرعية” جاءت بطلب رسمي من ادارته، وتركيزه على سحب القوى الأخرى أي الأميركية والتركية والكردية، والثاني قوله ان اللاجئين السوريين “هم من يرفضون العودة الى بلادهم”، قاطعاً بذلك الطريق على أي مساعٍ عربية جدية لاقفال هذا الملف الذي تحول الى قنابل موقوتة وتحديداً في لبنان، ومتماهياً في الحد الأقصى مع المجتمع الدولي الذي يعمل ضمناً مع النظام السوري لابقاء هؤلاء حيث هم سواء في لبنان أو في أي مكان خارج سوريا وأوروبا.

وثمة أمر آخر لا بد من التوقف عنده ملياً، وهو القمة التي احتضنت الأسد مع نظيره الايراني ابراهيم رئيسي في دمشق في عز الانفتاح العربي على سوريا وقبل أيام من القمة العربية المقررة في جدة في ١٩ الجاري، وهي القمة التي استغلها الايرانيون للقول ضمناً إن سوريا هي “وديعة ايرانية” حصرية على المستويات الاقتصادية والعسكرية والاستراتيجية، ولثبات سيطرتهم على قوى الممانعة المسلحة التي ترابط قبالة اسرائيل في سوريا ولبنان وغزة، وعلى دوائر صنع القرار في دمشق الى جانب موسكو التي تعزز تشابكها الاستراتيجي مع كل من الطرفين في مواجهة الولايات المتحدة والمعسكر الغربي الذي يعوق مسارها الحربي في أوكرانيا ويستنزف قواها العسكرية والاقتصادية والديبلوماسية.

واللافت أن الأسد الذي لم يقدم أي وعود علنية حيال شروط العرب، قابل المطبّعين معه بشروط مضادة أبرزها المساهمة معه في ضرب “الارهاب” في بلاده، أي المعارضة السنية والكردية، والسعي الى فك العقوبات الأميركية عنه، وفي ضرب أوكار الكبتاغون متنصلاً من أي دور مباشر له في مواجهة “حزب الله” وعائلته الغارقين حتى الرأس في الانتاج والتسويق والتهريب والحماية، الأمر الذي يفسر الصمت الرسمي السوري غداة الغارة الأردنية الأخيرة على معامل التصنيع وحماتها قرب الحدود مع سوريا.

ويسأل مصدر في المعارضة السورية : ماذا يمكن أن يجني العرب بعد اطلاق الأسد من حجرته، وهم أكثر العارفين بعجزه عن اتخاذ أي قرار أحادي ومنفرد؟ وأين يمكن أن يخدم أي قضية عربية بعدما وضع كل بيضه في سلة طهران، وبات بابراك كارميل العرب؟ وهل يجب أن يُقتل أو يُفقد مليون سوري آخر كي يحصل الأسد على نقطة عربية سوداء في سجله؟

مصدر في المعارضة اللبنانية، يسأل من جهته: ماذا يمكن أن يجني العرب في بيروت، ما دام الأسد لا يملك الكثير مما يمكن أن يلجم “حزب الله” ولا الكلمة الفصل في اختيار رئيس يرتاحون اليه أو ينتزعون منه ما هو أكثر من وعود واطراءات، لافتين بذلك الى “أمر العمليات” الذي أصدره حسن نصر الله أخيراً في ما يتعلق بـ “واجبات” لبنان و”مهامه”؟ وماذا يمكن أن يقدموا في ملف اللاجئين السوريين بعدما تحولوا بالنسبة الى الخزينة السورية الدجاجة التي تبيض ذهباً، وبالنسبة الى “حزب الله” البعبع الذي يهول به على قوى المعارضة؟

ويجمع الفريقان على أن ما فعله العرب، يبدو حتى اثبات العكس، “عملاً مجانياً” استفاد منه محور الممانعة المنتشي بمرور الحرب السورية من دون إسقاط النظام و”الهلال الفارسي” معاً، وخطوة ملتبسة وضعتهم في مواجهة الولايات المتحدة من جهة، ولم تمنحهم الشعور بالأمان مع الأسد وايران من جهة ثانية.

في اختصار العرب يطلبون من الأسد المثقل بالديون أن يخوض حرباً ضد دائنيه و”مصادر قوته” لتحقيق أمر لا يرغب أساساً في تحقيقه، والأسد يطلب من العرب أن يخوضوا حرباً ضد أميركا وروسيا وتركيا وايران من أجل “شحنة” من حبات الكبتاغون القادر على ازالتها بشحطة قلم.

وليس المقصود هنا تسخيف المصالحة العربية – السورية، بل الاضاءة على خطوة ضربت الخطوط الحمر الأميركية، وحوّلت واشنطن من قوة أحادية مطمئنة الى قوة جريحة مستنفرة في أكثر من مكان، بدءاً بسلاح العقوبات الذي قد تضرب به يسرة ويمنة، مروراً بعسكرة الممرات البحرية واحتواء نيران السودان وتوترات أذربيجان وصولاً الى غزة التي تحرشت بها اسرائيل لتحذير ايران من الاقتراب من حدودها، معتبرة أن العرب ربما، شرعوا “توحيد الجبهات الثلاث”، وهم في الطريق الى قصر المهاجرين.

ويختم ديبلوماسي عربي قائلاً: “لقد وقف حافظ الأسد مع ايران في حرب الخليج الأولى ضد كل العرب، فهل تنقلب الأدوار بحيث يقف بشار الأسد ضد ايران ويمضي مع العرب سواء ذهبوا الى الحرب أو ذهبوا الى السلام؟”. يضيف: “أخشى على المطبعين العرب أن يخسروا أميركا ولا يربحوا سوريا، ما دام الأسد لا يلتزم ما هو خارج قصره سواء كان اتفاقاً عربياً أو دولياً”. يجيب مصدر آخر: اذا أردتم أن تعرفوا موقف الأسد، فليس أمامكم سوى أمرين: راقبوا أولاً ماذا يمكن أن تقرر ايران عن سوريا وفي سوريا، ومحّصوا ثانياً في خلفيات نصر الله عندما دعا لبنان الى “التطبيع” مع سوريا وليس العودة الى العرب، متجاهلاً أن أي رئيس للجمهورية قد يختاره بشار الأسد أو العرب أو العالم للاقامة في بعبدا لن يخفي أن الرئيس الفعلي يقيم في الضاحية الجنوبية!

شارك المقال