رئيس أو… على لبنان السلام!

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

ينتظر اللبنانيون أن تتبلور صورة الوضع في البلد، وترجمة ما دار في كواليس قمة جدة حول سبل تخطي أزمة انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة للتعاطي معها، إذ ترددت أصداء تؤشر الى أن التسوية ستوضع على النار، بعيداً عما ورد في الاعلان الرسمي “نعرب عن تضامننا مع لبنان ونحث كل الأطراف اللبنانية على التحاور لانتخاب رئيس للجمهورية يرضي طموحات اللبنانيين وإنتظام عمل المؤسسات الدستورية وإقرار الاصلاحات المطلوبة لاخراج لبنان من أزمته”.

الواضح أن محاولة تصفير المشكلات تجلت في الخطابات ومحاولة الابتعاد عن كل ما يثير الخلافات، باستثناء اشارات نقدية من رئيس النظام السوري والمندوب اليمني، الا أنها لم تكن على شاكلة مؤتمرات القمم السابقة التي كان من نجومها معمر القذافي وصدام حسين وحسني مبارك.

بالطبع، لا يمكن النظر الى ما ورد في البيان عن لبنان ليجري تقويم مدى الاهتمام العربي بحل أزمته، والتي تقع في الدرجة الأولى على عاتق اللبنانيين أنفسهم لأخذ الخطوات العملية والدستورية لسد الفراغين الرئاسي والحكومي، وسيكون هناك تشغيل للمحركات منها زيارة للأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، مع توقع وصول الوفد القطري من جديد الى بيروت، قبل انعقاد اللجنة الخماسية في باريس، والحراك السياسي في لبنان على حاله من التكثيف إن كان بالنسبة الى السفراء أم القوى السياسية المتناحرة، لفتح باب التسوية بعد استبعاد مرشحي الطرفين لصالح شخصية ثالثة، وهنا تبدو حظوظ قائد الجيش جوزيف عون مرتفعة لكنها تحتاج الى تليين موقف رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الذي ينتظر طبعاً للموافقة عليه، تقديم ما يحلم به وهو توسط قطر لالغاء العقوبات الأميركية المتخذة ضده.

مما لا شك فيه أن هناك حالة من القلق لدى اللبنانيين وتخوفاً من مصير الكيان اللبناني في ظل الانقسام السياسي الحاصل والمعرقل لقيام الدولة الواحدة، اذ بات يظهر للخارج مع ضعف الدولة ورضوخها لنظام دويلة “حزب الله” وسياساته ومصالحه أن لكل طائفة دولتها ونظامها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، بحيث تجري تجاوزات قانونية لحقوق اللبنانيين الذين يحترقون يومياً بنار جهنم المنظومة التي أحرقت وطنهم وهددتهم في أمنهم وسلمهم وسيادتهم من دون أي رادع.

بالتأكيد، ما لم يتفق اللبنانيون على مرشح وسطي سيكون هناك تحرك خارجي لفرض تسوية عليهم، وبالتالي لن يستطيع أي فريق التهرب فمن غير الممكن الاستمرار في لعبة الوقت لفرض ما يبتغيه فريق والفوز على معارضيه، ولن يكون بالامكان مع سياسة تصفير المشكلات القبول بالتهرب من المسؤوليات، والعرب لن يراعوا خواطر من يعرقل، والا فان فرض العقوبات أمر سيحصل. وكان العرب والخليجيون تحديداً واضحين في أن أي مساعدة لن تقدم الى لبنان أو وديعة تنقذ ماليته اذا لم يستعد اللبنانيون زمام الأمور عبر تشكيل سلطة تعنى بالاصلاح والانقاذ ليتم التعامل معها من الدول المانحة وتستعيد الثقة محلياً ودولياً.

لقد بلغ الانهيار حداً كبيراً في لبنان في كل المؤسسات الحيوية وهي ليست على المستوى المالي وحسب، بل ما يتبعها من مؤسسات تربوية وصحية واقتصادية واجتماعية وخدمات من مياه وكهرباء وصرف صحي ونفايات، فمشكلات لبنان تتفاقم وستكون عصية على الحلول ما لم يبادر الى انقاذ ما يمكن انقاذه والانتقال من العيش في الماضي الى رؤية ما يستوجبه المستقبل، علماً أن كل المشاريع التنموية المطلوبة لا يمكن أن تحصل وفقاً للمحاصصة والتقاسم اللذين أديا الى تراكم الفساد الى حد بات من المستحيل تفكيكه الا بمعجزة، والى تحلل الدولة.

وعليه، سيكون الشهر المقبل وفق التقديرات شهر الحسم، فإما أن ينتخب الرئيس وتشكل حكومة اصلاحية تعمل لا تعطل والا… فعلى لبنان السلام.

لقد آن الأوان أن يثبت اللبنانيون للخارج أنهم ليسوا قاصرين وقادرون على اجتراح حلول داخلية والاتفاق والا فالتسويات التي تفرض خارجياً لن تستطيع الصمود، اذا ما بقي الانقسام الداخلي. لقد قام اللبنانيون باخراج جيشي الاحتلالين الاسرائيلي والسوري، وبانتفاضة شعبية ضد الفساد ومنظومة السرقات، وسعوا الى دولة المواطنة والمساواة والوحدة وفرض السيادة، والى الحرية وهم لم يقصروا في تقديم التضحيات من أجل تحقيق ذلك.

لا حل الا بالعودة الى الممارسة الديموقراطية والى قيام مجلس النواب بمهمته في انتخاب رئيس والتخلص من شوائب الأعراف غير الدستورية وتفسير القوانين وفقاً للأهواء والمصالح الحزبية.

ولعل التدبير الأول هو فتح أبواب المجلس النيابي لانتخاب الرئيس، بدل ترك الفراغ ينهش جثة لبنان، فليتمسك كل بمرشحه وليترشح من يريد وفي الجلسة المفتوحة يكون القرار النهائي، تلك هي الممارسة الديموقراطية الحقيقية التي يمكن أن تنقذ لبنان وتضعه على سكة الصواب. لا يجوز انتظار تسمية مرشح للمعارضة ولا الاتفاق على مرشح الثنائي، بل يجب التوجه فوراً نحو انتخاب الرئيس وليفز من يفوز.

شارك المقال