مناورة “حزب الله”… رسالة في أكثر من اتجاه!

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

لا شيء أدل على استهانة “حزب الله” بلبنان وسيادته من مناورته العسكرية التي أجراها يوم الأحد مستعرضاً قوته العسكرية أمام الاعلام، فلبنان كما يقول المثل “لا تهزو واقف ع شوار”، لكن الحزب كعادته غير مهتم بتعريضه لمخاطر عدوان اسرائيلي جديد، ولا بمشاعر اللبنانيين الرافضين لحزب مسلح يـأتمر بأوامر الخارج ويتحدى القرارات العربية والدولية غير آبه بمصالحهم وبالحفاظ على السلم والاستقرار وعدم الدخول في مغامرات سبق وأن أوصلت لبنان الى الجحيم وأفقرت دولته ومؤسساته كرمى لعيون النظامين الايراني والسوري.

قد يقرأ البعض في هذه المناورة علامة ضعف للحزب لأن الاستعراض العسكري هو تأكيد على الفشل الميداني في تحقيق أهداف ما يدّعيه من تحرير شبعا الى تحرير القدس، فالمقاومة ليست استعراضات على طريقة “شوفيني يا منيرة”، وبالتأكيد فان رسالة “حزب الله” من استعراض “القوة” هذا موجهة الى بيئته للقول “نحن هنا”، ولأخصامه في السياسة بأنه يمسك بالقرار اللبناني ولن يتنازل عن سلاحه وأنه سيفرض الرئيس المقبل الذي يتعهد بعدم المس بهذا السلاح الذي لم ينتهِ دوره في المنطقة بعد على ما يبدو عقب الاتفاق السعودي – الايراني.

المناورة انتهاك واضح لسيادة لبنان وأمر مخالف للدستور الذي نص على انهاء الميليشيات وللقرارات الدولية، وهي مؤشر على استحالة قيام الدولة في ظل السلاح، وعلى خروج لبنان من الأزمات في ظل تحكم “حزب الله” بالقرارات السيادية وادعاء الحق الحصري له في الدفاع عن البلد، اذ انه يستبيح ويتحدى باستعراض قوته الدول العربية التي أعلنت في قمة جدة رفض ظاهرة الميليشيات.

لم ينبهر اللبنانيون بمشهدية المناورة واستعراضات السلاح الجديد والمسيرات والصواريخ لأنهم يعلمون جيداً أن الغلاء الذي ينهشهم كان سببه السلاح الذي فاقم أزماتهم واستخدم للسيطرة على مؤسسات الدولة بمفهوم “المقاومة” التي لم تفعل شيئاً خلال السنوات الــ 23 الماضية، ولم تحقق أي انجاز سوى تهجير الشعب السوري وإنقاذ بشار الأسد ومد الميليشيات الايرانية في اليمن والعراق وغيرهما بكل وسائل المساعدة والدعم وزيادة تجارة الكبتاغون وتبييض الأموال.

في المقلب الآخر، كان مثيراً للاستغراب عدم صدور مواقف رسمية ردّاً على هذه المناورة، باستثناء كلام رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بأنّ “الحكومة اللبنانية ترفض أيّ مظهر يشكّل انتقاصاً من سلطة الدّولة وسيادتها”، لكنه اعتبر أن “الاشكاليّة المتعلّقة بموضوع سلاح حزب الله تحديداً، ترتبط بواقع يحتاج إلى وفاق وطني شامل، وهو أمر يجب أن يكون من أولويّات المرحلة المقبلة”. ولفت إلى أنّ “الحكومة تشدد في الوقت الحاضر، على الحفاظ على الاستقرار الأمني على كامل الأراضي اللّبنانيّة، وعدم القيام بأيّ عمل يتسبّب بزعزعته”.

بالطبع، أراد “حزب الله” ومموّله الحرس الثوري الايراني الذي يتردد في تحليلات اعلامية أنه غير راضٍ عن الاتفاق السعودي – الايراني، توجيه رسالة الى المملكة وليس الى اسرائيل على الرغم من حصولها على الحدود الجنوبية، والظاهر أن ايران قلقة من اعادة تجميع العرب وتوحيد صفوفهم، لذلك كان لا بد لها من توجيه رسائل من لبنان للتأكيد أيضاً أنها لن تتنازل في الانتخابات الرئاسية والموافقة على رئيس وسطي، بل التمسك بما يعلنه “حزب الله” على هذا الصعيد أي رئيس “يحمي ظهر المقاومة”، وهذا معناه “مكانك راوح” وبالتالي لن يكون هناك امكان لتنفيذ مقررات متخذة أو ستتخذ مستقبلاً في ما يتعلق بسلاح الحزب.

الواضح أن “حزب الله” يقول من خلال مناورته العسكرية ان سلاحه سيبقى ولن يسلمه الى الجيش وبالتالي سيبقى حكم الدويلة والأمر لي، لكن السؤال: هل استفاد الحزب من هذه المناورة في زمن التغيرات؟ ولماذا قدم نفسه شكلاً ليس كمقاومة سرية تعمل ضد العدو في الخفاء وانما باستعراض علني أمام أعين الاسرائيليين؟ لقد أراد القول انه جيش منظم، وتخويف الآخرين حتى يمشوا رئاسياً في خياراته.

مشهدية المناورة يجب أن تدفع بالنواب الذين لا يزالون يناورون الى جانب “حزب الله” من مستقلين أو معتدلين أو تغييريين الى حسم موقفهم، فهل سيرضون بالتصويت لصالح الحزب ليتحكم بسلاحه برقاب العباد والبلاد، أم يرصون صفوفهم مع القوى المعارضة والسياديين من أجل حماية لبنان من مغامراته التي دفع بسببها دماء كثيرة ثمناً لتحريره من احتلالين اسرائيلي وسوري وللحفاظ على عروبته ووحدته وسيادته وحريته بعيداً عن الميليشيات التي جعلت منه ساحة للتلاعب الاقليمي وانتهكت حدود الدول وتجاوزت القوانين الدولية وهددت أمنها واستقرارها؟

قيل ان المناورة كانت وسيلة للاعراب عن قلق “حزب الله” على مصير سلاحه ومقاومته وان من حقه التمسك بموقفه الداعي الى التوافق على مرشحه، ولكن في الحقيقة أنها أضرته أكثر مما نفعته كما “انتصاراته” السابقة، فارهاب اللبنانيين لم يعد ينفع، الا أن الرسالة وصلت وهي أن هذا السلاح سيكون خارج اطار الاتفاق السعودي – الايراني ولن يتم المس به وهو ما لم يقله الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان بالمباشر خلال زيارتيهما الى كل من سوريا ولبنان، ولكن قاله “حزب الله” عبر مناورته العسكرية.

شارك المقال