لبنان ما بين اللائحة الرمادية والسوداء

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

ماذا بعد؟ لبنان قد يوضع على اللائحة الرمادية المالية، الأزمات تحيط به من كل حدب وصوب، سياسية واقتصادية وأمنية ومالية والمخاطر على وجوده ليست كلاماً في الهواء، انها واقع يومي معاش، لكأننا أصبحنا في غابة “علي بابا والأربعين حرامي”، فما سرّب عن مجموعة العمل المالي الدولية، من مصادر مطلعة عن سبب إدراج لبنان على اللائحة الرمادية يعود إلى إقتصاد “الكاش” والممارسات غير المرضية لمنع غسل الأموال وتمويل الارهاب، وهذا يعني أن التحويلات من الخارج لن تكون سهلة وستتعرض الى المساءلة والاستفسار والتدقيق، في ظل الحديث عن فتح حسابات مصرفية لأموال غير معروفة المصدر.

وبالطبع، قد لا يتوقف الأمر عند اللائحة الرمادية فينتقل لبنان الى اللائحة السوداء ما يعني عزله عن النظام المالي العالمي، ولن يستطيع المودعون استعادة أموالهم وسط مؤشرات عن فرض عفو على الجرائم المالية، وإقرار طباعة أوراق نقدية جديدة لورقتي الـ 500 ألف والمليون ليرة ما يعني زيادة التضخم وسحق الطبقة الفقيرة التي كانت متوسطة الى ما تحت خط الفقر.

أمام حالة المراوحة التي يعيشها لبنان سياسياً من دون إقدام هذه الطبقة السياسية على التفاهم أقله على انتخاب رئيس لينتظم بعدها عمل ما تبقى من المؤسسات، بانتظار أوامر الخارج، تؤشر بعض التحليلات الى كتابة تسوية يكون الرابح فيها فريق الممانعة لأن الطرف المقابل لم يرص صفوفه في مواجهة ما يسعى اليه “حزب الله” الذي يستبيح لبنان بالطول والعرض، والمهادنة معه تأتي نتيجة الحسابات الصغيرة والمصالح ولا همّ آخر لهذه الطبقة التي تتقاسم وتتحاصص وحتى تفسد الفساد.

في العودة الى تهديد مجموعة العمل المالي إدراج لبنان في القائمة الرمادية، وهي هيئة حكومية دولية أنشأتها G7 لتحديد البلدان المتورطة في غسل الأموال وتمويل الارهاب، يرى البعض أن ذلك قد لا يكون بسبب الأنشطة الحكومية الشائنة لمن هم في السلطة. ففي غالبية الأحيان، يكون الافتقار إلى تنفيذ البروتوكولات المعمول بها هو ما يجعل من السهل استهداف بلدان معينة من الداخل. إنها بمثابة بطاقة صفراء تظهر للحكومة، من منظمة تساعد بعد ذلك في العودة إلى الامتثال. ببساطة، اذ تساعد مجموعة العمل المالي الحكومات على تنظيف أفعالها، وتندرج القائمة الرمادية للبنان في هذا التعريف تحديداً.

هناك قائمة من عشرين دولة تشمل الامارات العربية المتحدة تخضع ممارساتها المالية للتدقيق وتواجه إعادة تأهيل.

ومع أن مصدراً مالياً استغرب توقيت هذا الاعلان على الرغم من أنه أتى مترافقاً مع قضية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي صدرت بحقه مذكرة توقيف دولية من “الانتربول”، الا أنه فسر الأمر بأن “التأخر في إصلاح القطاع المصرفي في البلاد هو الذي أدى إلى اتخاذ هذا القرار. فالبنوك المنتسبة دولياً في لبنان كانت على اتصال بشركائها في الخارج منذ الاعلان، وسيكون التأثير، بالنسبة اليهم على الأقل، ضئيلاً”.

اما عن كيفية تأثير ذلك على الشعب اللبناني، وليس على النظام المصرفي أو الحكومة وحسب، فمن وجهة نظر المصدر أن القائمة الرمادية للبنان ليست بالأمر السيء. قد يكون هناك دعم لنظام غذائي ثابت للشعب اللبناني لسنوات عديدة حتى الآن، و”ليس هناك شيء آخر يحدث بصورة خاطئة هنا. كما أن امتثال المصارف ليس شيئاً سيئاً على الاطلاق، فهذا يمكنها من تجديد ثقة المستثمرين وتدفق رأس المال على المستوى الاقليمي وفي مناطق أبعد”.

لكن هذه النظرة المتفائلة قد لا تكون واقعية تماماً في الوضع اللبناني، فاقتصاد لبنان غير رسمي ومعظم المعاملات النقدية كذلك. ولن يرى اللبنانيون أي فائدة من هذا السيناريو، لأن هذا النوع من التدخل يميل إلى تحقيق نتائج مختلطة مع دول أخرى.

تضع مجموعة العمل المالي التي تشرف على الاتجاهات العالمية في غسيل الأموال وتمويل الارهاب، وتعمل مع الدول الأعضاء والمنظمات الاقليمية لوضع إطار قانوني وتنظيمي لمواجهة هذه التهديدات، كجزء من جهودها، قائمة سوداء كذلك، تُعرف رسمياً باسم السلطات القضائية عالية الخطورة التي تمت الدعوة إلى اتخاذ إجراء بشأنها.

اما القائمة الرمادية، فتشمل البلدان التي التزمت بمعالجة الثغرات الاستراتيجية في سياستها المتعلقة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب. ومن خلال نشر هذه القائمة، تأمل المجموعة في تشجيع الدول على تحسين أنظمتها التنظيمية وفقاً لقواعد ومعايير مكافحة غسل الأموال وتمويل الارهاب. ومن المرجح أن تخضع الدول المدرجة في القائمة السوداء لعقوبات اقتصادية وإجراءات حظر أخرى من الدول الأعضاء في مجموعة العمل المالي والمنظمات الدولية.

يتم نشر القائمة السوداء وتحديثها بانتظام، ونشرت أول قائمة سوداء في العام 2000 وضمت خمس عشرة دولة. منذ ذلك الحين، تم نشر هذه القائمة مرة واحدة في السنة، أو حتى كل ستة أشهر، كجزء من البيانات والدقائق والتقارير الرسمية لمجموعة العمل المالي، وأدرجت فيها كوريا الشمالية وايران وبورما.

وعلى الرغم من عدم تمتعها بسلطات تحقيق مباشرة، إلا أن مجموعة العمل المالي تراقب عن كثب أنظمة مكافحة غسل الأموال وتمويل الارهاب دولياً من أجل تحديث قائمتها السوداء باستمرار. وانتقد بعض المراقبين استخدام مصطلح “غير متعاون” في إشارة إلى البلدان المدرجة في القائمة السوداء، مشيرين إلى أن بعضها، بدلاً من التصرف في تحدٍ للممارسات الدولية الجيدة، لا يمتلك ببساطة البنية التحتية التنظيمية أو الموارد اللازمة لتطبيق معايير مكافحة غسل الأموال وتمويل الارهاب الصادرة عن مجموعة العمل المالي.

وتشمل القائمة الرمادية التي يطلق عليها رسمياً الاختصاصات الخاضعة للاشراف المعزز، البلدان التي تعاني من أوجه قصور في أنظمة مكافحة غسل الأموال وتمويل الارهاب. ومثل القائمة السوداء، أنشئت القائمة الرمادية في العام 2000 ويتم تحديثها بانتظام، وتخضع البلدان المدرجة فيها لمزيد من التدقيق لتحسين نظام مكافحة غسل الأموال وتمويل الارهاب.

وعلى الرغم من أن التصنيف في القائمة الرمادية ليس سلبياً مثل التصنيف الموجود في القائمة السوداء، إلا أن البلدان المدرجة في هذه القائمة لا تزال تخضع لعقوبات اقتصادية من مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وتعاني من آثار سلبية على تجارتها.

يتم تحديث القائمة الرمادية بانتظام وإضافة بلدان جديدة بينما تُزال بلدان أخرى بمجرد اكتمال خطة العمل الخاصة بها، ومن البلدان التي أدرجت فيها: ألبانيا، بوركينا فاسو، جزر كايمان، جمهورية الكونغو الديموقراطية وهايتي.

لا شك في أن وضع لبنان على هذه اللائحة اليوم ضربة كبيرة خصوصاً في ظل عدم التوصل الى اتفاق مع البنك الدولي، وبعد فقدان الليرة اللبنانية أكثر من 98% من قيمتها ما أغرق أكثرية اللبنانيين في الفقر. وبات الاقتصاد اللبناني يعتمد على العملة النقدية، ما يفسح المجال أمام تدفق أموال غير مشروعة.

ووفق البنك الدولي، فإن وضع بلد على القائمة الرمادية بإمكانه أن يدمر تدفق رؤوس الأموال اليه، لأن المصارف تستطيع أن توقف تعاملها مع الزبائن الموجودين في هذا البلد حتى تخفض التكاليف الناتجة عن عدم امتثالها لهذا التوافق. ووضع بلد على هذه اللائحة يضر أيضاً بسمعته ويسبب تعديل درجة الائتمان كما يعوق الوصول إلى تمويل دولي ويؤدي إلى تكلفة أكبر في الصفقات.

شارك المقال