لبنان أمام الفوضى: ماذا عن المخيمات الفلسطينية؟

زاهر أبو حمدة

يبدو لبنان أمام فوضى عارمة آتية لا محالة. لا يُعرف شكلها وأدواتها ومدتها، إلا أن الوضع يشي بسيل من البشر والدماء في الشوارع. هذا ليس توقعاً أو تنبؤا وضرباً في الودع، إنما الحقيقة: حين تصرخ “الغالبية الصامتة” تكون الفوضى. هذه الغالبية هم الفقراء، أن تحركوا لا يملكون خطة بل يبحثون عن قوت يومهم ويعرفون خصمهم جيداً ولو لم يصرحوا بذلك على الهواء مباشرة. تتحول الأزمات في العادة حين يدخل الجوع، إلى صراع طبقي. غالبية فقيرة تواجه أقلية ثرية محمية بشعارات طائفية وحزبية وجوازات سفر أجنبية.

يرى الجميع طوابير الناس أمام محطات الوقود، والطابور الخامس يراقب وربما يتدخل في لحظة ما. أزمة المحروقات جزء من أزمات كبرى تعاني منها البلاد، ستكون نتائجها كارثية في مناطق لبنانية أكثر من أخرى لأسباب مختلفة.

ومما لا شك فيه أن ديكتاتورية الجغرافيا تلعب دوراً هاماً في التأثير والتأثر. واستقرت المخيمات الفلسطينية في أكثر المناطق اللبنانية فقراً. الخطر سيكون في أربعة مخيمات أكثر من غيرها. مخيما نهر البارد والبداوي في طرابلس، ومخيما عين الحلوة والمية ومية في صيدا، إضافة إلى بعض التجمعات الفلسطينية في المدينتين. وذلك لأن خط الفقر انخفض نحو القاع، ويعتبر السكان فيهما الفلسطيني شريكاً وليس دخيلاً. فهو شريك تاريخي في الحرب الأهلية وفي مناحي الحياة كافة. وبالتالي، ما سيحصل للبنانيين سيكون الفلسطيني جزءاً منه والأمر ليس اختيارياً. فالفقر لا يفرق بين لبناني وفلسطيني والجوع لا يطلب هوية قبل دخول البيوت.

استطاع الفلسطينيون أن يتأقلموا جزئياً مع النكبات المتلاحقة، لا سيما بعد أزمة كورونا وفقدان العمل اليومي وهبوط قيمة الليرة إضافة إلى الأزمات المعيشية الأخرى. وذلك لأن “الفريش دولار” يدخل إلى ما يقرب من سبعة آلاف عائلة فلسطينية، من أصل 250 ألف فلسطيني يرجح تواجدهم في لبنان مع الفلسطينيين النازحين من سوريا، عبر موظفي وكالة “الأونروا” ومناضلي منظمة التحرير الفلسطينية، علماً أن راتب ذوي الشهداء والجرحى مثلا لا يتعدى المئتي دولار شهرياً، والتضخم الآتي سيبتلع حتى من يصله دولار أيضاً. واعتمد فلسطينيو لبنان على بعض التحويلات المالية من الخارج، يصل بعضها بالدولار عبر مكاتب التحويلات أو عبر المسافرين. لكن مع ارتفاع الأسعار واستفحال الأزمات وفقدان السلع والأدوية الأساسية من الأسواق، يعني أن الفلسطيني ضحية مثل اللبناني، والضحايا إن توحدوا يتحولون إلى ناقمين منتقمين بطرق مختلفة.

وحتى الآن، الأمن شبة ممسوك في المخيمات عبر اللجان الأمنية المشتركة. وهناك قرار من سفارة دولة فلسطين والفصائل بالحفاظ على الأمن مهما كلف الأمر. لكن المراقب في داخل المخيمات يلاحظ غضب الناس وكثرة المشاكل الفردية وصرخات الحاجة الماسة. ومن هنا، لا بد من خطة إغاثية إنقاذية عاجلة من وكالة “الأونروا” مع ضغط سياسي من الفصائل، إضافة إلى تخفيف الدولة اللبنانية من إجراءاتها عند مداخل المخيمات كي لا يستغل الوضع والضغط النفسي أي  طرف ويعمل على أي  احتكاك أمني بين الجيش اللبناني والفلسطينيين. ويعرف الجميع أن الفلسطيني انكفأ خلال المراحل السابقة إلى المخيمات مع إصرار على عدم التدخل في الشؤون اللبنانية سياسياً وميدانياً. لكن مع ما يجري الىن، سيجد الفلسطيني نفسه في أتون الموت البطيء، ولا بد له أن يصرخ وبعض الصرخات تكون زلزالاً.

شارك المقال