ذروة العبث في لبنان: السيادة لـ”حزب إيران”

عبدالوهاب بدرخان

اختلفت الآراء حيال مناورة “حزب إيران/ حزب الله” في عرمتى وما اذا كانت موجّهة الى إسرائيل أم الى القمّة العربية أم الى الداخل اللبناني؟ واقعياً، هي موجّهة الى الجميع، لأن “الحزب” يمرّ بمرحلة تحوّل بعد التقارب الإيراني – السعودي، ويهمّه أن يقنع نفسه قبل الآخرين بأن وضعه لن يتغيّر، وأن مستقبله ومصير سلاحه مضمونان.

لا شك في أن الرسالة الأولى موجّهة الى العدو الإسرائيلي، وقد حرص حسن نصر الله على تأكيدها خلال اطلالته في “يوم التحرير”، بإطلاقه التحدّي لرئيس وزراء إسرائيل: “لستم أنتم من تهدّدون بالحرب الكبرى وإنما نحن من يهدّدكم بها”. مع إضافة أن حرب إيران الكبرى ستودي بإسرائيل الى الهاوية أو خصوصاً الى “الزوال” الذي بات لازمة ثابتة في خطاب “محور الممانعة”.

أما بالنسبة الى “قمة جدّة” فإن المناورة في حدّ ذاتها روّجت “الجهوزية” لحرب محتملة، وناقضت جذرياً نصّ قرارات القمّة وروحها. فبين تأكيد “مركزية” القضية الفلسطينية وتمسّك العرب بـ”التهدئة” رأت إسرائيل وزمرة المتطرّفين في حكومتها أنها تستطيع أن تواصل خططها لتهويد القدس والسيطرة على مقدّساتها ولتوسيع الاستيطان في عموم الضفة الغربية. وبين تلك “التهدئة” العربية وتهديد إيران وميليشياتها بمواجهة متعدّدة الجبهات فلا شك في أن إسرائيل ستهتم بهذا التهديد سواء لأنه يتماشى مع عقيدتها العسكرية أو لأنه يمكّنها من إقصاء أي أفق لسلام لم يعد وارداً في برامج حكوماتها.

وأمّا في ما يتعلّق بالداخل اللبناني فإن الرسالة واضحة ومفادها أن إيران تثبّت واقع احتلالها للبنان بواسطة “حزبها”، وأقصى ما تواجهه المناورة أن يرفض رئيس الحكومة ما فيها من “انتقاصٍ من سلطة الدولة وسيادتها” وأن يعتبر السلاح غير الشرعي “إشكالية تحتاج الى وفاق وطني شامل” يحيله على أولويات المرحلة المقبلة، وبما أنه يؤيّد مرشح “محور الممانعة” للرئاسة فإنه يدعو الى “وفاق” يعلم يقيناً بأنه لن يتحقق. في أي الأحوال لم يكن الداخل في حسابات إيران و”حزبها” لدى التخطيط للمناورة، وقد اختصر نعيم قاسم الموقف بتكرار ما أصبح قاعدة ثابتة في سياسة “الحزب”، وهي “أنتم تقولون ما تشاؤون ونحن نعمل ما نشاء”.

الأكيد أن المناورة في جنوب لبنان، معطوفةً على “التفاهم الاستراتيجي” الموقّع حديثاً بين الرئيس الإيراني ورئيس النظام السوري، ومعطوفة على واقع الهيمنة والاحتلال الإيرانيين في العراق، تتضمّن ملامح المرحلة المقبلة للمنطقة كما رسمتها طهران. فالدول الثلاث باقية “إيرانية” أيّاً تكن مفاعيل التقارب السعودي – الإيراني، خصوصاً أن إيران أحدثت فيها تغييرات لا يمكن الرجوع عنها أو تجاوزها. يمكن الدول العربية أن تنسج معها علاقات تجارية واستثمارية، ولا يمكن دمشق وبيروت وبغداد أن تبدّل توجّهاتها الدفاعية والاستراتيجية إلا بموافقة طهران.

ففي سوريا نظام يريد أن يبقى وأن يجنّب نفسه أي “حلٍّ سياسي” ينتقص من قدرته على الاجرام في حق شعبه، وليس لديه ضمان إلا بوجود الحليف الإيراني على الأرض. وفي العراق لم يعد خافياً الهدف من تفريخ عشرات الميليشيات، بل تبيّن أن مهمة الكبرى منها أن تسيطر على الحكومة وتخترق الجيش الوطني لمراقبته، أما الصغرى فتُستخدم في الاغتيالات وسائر الأعمال القذرة كما ظهرت خلال الانتفاضة الشعبية. وفي لبنان أنجز “حزب إيران” سيطرته على الدولة وقرارها باختراق كل مؤسسات الدولة وتطويع جميع الطوائف والأحزاب بالاغتيالات والترهيب، وأخضع منظومة الفساد التي “تحكم” باسمه ولمصلحته متولّياً حمايتها، ويشرف على عمليات التهريب عبر المنافذ الحدودية، ولم يعد في الإمكان ضبط سلاحه غير الشرعي أو تجاوزه.

قبل أيام حذّر رئيس هيئة الاستخبارات الإسرائيلية من أن نصر الله اقترب من “الخطأ” الذي قد يتسبب بـ “حرب كبرى”. وحين هدد نصر الله لم يقترب من “الخطأ” بالفعل، ولا حتى بالمناورة في الجنوب، لكنه اقترب منه بالقول. كان تهديده بمثابة “اعلان حرب” مقنّع، وكأنه مقتنع بأن ما يجري حالياً بين إسرائيل وإيران و”الحزب” مجرد تبادل لفظي. نصر الله كرّر ما يقوله قادة “الحرس الثوري” محذّرين إسرائيل من “أي خطأ في التقدير”، وهذا هو أيضاً مضمون التحذيرات الإسرائيلية. غير أن رئيس الأركان الإسرائيلي كان الأكثر وضوحاً بقوله إن “المواجهة مع إيران أصبحت مباشرة”، مشيراً الى جبهتَي الجولان وجنوب لبنان. وتضمن ردّ نصر الله شرحاً وافياً لـ “حرب كبرى ستشمل كل الحدود”، معتمداً على أن “جبهة العدو الداخلية ضعيفة وواهنة تعاني من قلق وجودي مقابل جبهة مقاومة ملأى بالثقة وروح الأمل أكثر من أي وقت مضى بتحرير فلسطين والصلاة في المسجد الأقصى”.

مهما بلغ القلق الإسرائيلي من هذه التهديدات التي باتت لها أرجل على الأرض، من خلال الربط بين “الساحات”، فإنه لن يفوق قلق اللبنانيين الذين لا كلمة لهم ولا رأي في ما يذهب اليه “حزب إيران”. فهذا “الحزب” يمضي في مشروعه الإيراني غير آخذ في الاعتبار حال لبنان واللبنانيين وإنما يتخذهم دروعاً بشرية واقية، ويستفيد من الأزمة المالية والاقتصادية، إذ أن الانهيار الحاصل لن يشكو من مزيد من الانهيار والدمار، بل انه على العكس يضاعف من تمكين “الحزب” ومن قدرته على فرض املاءاته على الدولة وسائر المكوّنات. استطاع “الحزب” أن يحقق الدرس الأول من حرب 2006، وهو أن تكون الحكومة بإمرته حين يدخل أي حرب وأن تدير الأزمة بتوجيهاته، أي بتوجيهات الولي الفقيه. ووفقاً لهذه المعطيات لم يعد نصر الله و”حزبه” يحسب أي حساب للداخل اللبناني في قضية انتخاب الرئيس أو أي قضية أخرى، ولا للرفض العربي لوجود ميليشيا تفرض ارادتها على الدولة.

شارك المقال