طرابلس غاضبة وتعزف لحن آلامها

إسراء ديب
إسراء ديب

يبدو أن الوضع الأمني والاجتماعي في مدينة طرابلس قد خرج فعليًا عن السيطرة هذه المرّة، حتّى وإن أعلنوا عودة الأوضاع إلى الهدوء، ولكن يبقى هذا الهدوء حذرًا بعد ساعات من اشتعال المدينة احتجاجًا على الجوع الذي كسر أهالي طرابلس المستائين من هذه الأزمات التي تجعلهم بلا قوّة ولا سند، وبالتالي لا يُمكن القول أن “عروس الثورة” قد استسلمت أو توقفت عن احتجاجاتها المختلفة ضدّ الفقر والعوز، بل إن شوارعها تغلي بخاصّة في الأيّام الأخيرة ممّا اقترفته القوى السياسية اللبنانية والطرابلسية.

إن هذه الأزمة الاقتصادية التي تُواجهها طرابلس لا تُشبه سابقاتها، بل هي تراكمات اشتدّت طيلة السنوات الأخيرة، وأدّت إلى مضاعفة أحزمة البؤس والفقر في مدينة تعب أهلها من الإهمال الرسمي الذي يدفعها اليوم إلى إعلان العصيان المدني ضدّ كلّ من أوصلها إلى هذه المرحلة الصعبة.

لا مبرّر للحالة التي وصل إليها أهالي مدينة طرابلس، ومن يجول في شوارعها الغاضبة اليوم يُدرك تمامًا أنّهم غير ملامين وسط تردّي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بشكلٍ مرعب.

مظاهر مسلحة وتفلّت أمني

إطلاق رصاص في الهواء وقنابل، مسلّحون منتشرون بين الطرقات والأحياء لا سيما الشعبية منها، وغيرها من المظاهر المسلّحة التي تُشير إلى فلتان الوضع الأمني في المدينة ما يُعيدنا إلى سنوات كانت تسود فيها الحرب بين جبل محسن وباب التبانة، وهي حالة من الفوضى والغضب التي تعمّ مختلف شوارع المدينة.

وقد حاول الجيش الدخول إلى المناطق الشعبية حيث كانت الأجواء متوترة، إلا أنّه واجه صعوبات بسبب عملية إطلاق النار، وغضب الشارع المنفجر من ترّدي الأوضاع المعيشية وانقطاع التيار الكهربائي من جهة، كما قطع أصحاب المولّدات الاشتراك من جهة ثانية.

في السياق، يرى المحامي خالد صبح أنّه من الطبيعي أن يخرج الوضع عن السيطرة في طرابلس هذه المرّة بشكلٍ محقّ، ويقول لـ”لبنان الكبير”: “إن ممسكي القرار في لبنان يدفعون الوضع في البلاد ليصل إلى هذه المرحلة من الانهيار وهم منعوا الناس من الحصول على أبسط حقوقهم”.

ويُضيف: “نحمّل رئيس الجمهورية ميشال عون مسؤولية ما يحصل وذلك لعدم تشكيله الحكومة حتّى هذه اللحظة والتي تُسهم في الحدّ من الانهيار كما نحمّل غيره من المسؤولين دون استثناء هذه المسؤولية”.

ويُؤكّد أن الوضع في مدينة طرابلس صعب للغاية، ويقول: “لا شكّ أن البلد منهار وأنّ تشكيل الحكومة بات أمرًا ضروريًا ولا بدّ أن يكون سريعًا للحدّ من هذه الأزمة”.

وفاة طفلة يُشعل طرابلس؟

وفق المعلومات، فقد بدأ إطلاق الرصاص، بعد انتشار خبر على مواقع التواصل الاجتماعي يُشير إلى وفاة الطفلة ملك الحموي التي سبق لوالدها أن نشر عبر الصفحات الإخبارية الشمالية فيديو يلفت إلى حالة ابنته الصحية الصعبة لأنّها تُعاني من الربو في ظلّ ارتفاع درجات الحرارة فضلًا عن انقطاع الكهرباء كما الاشتراك، وتطوّر الوضع بعد تضامن عدد من الشبان في المدينة إلى حدوث إطلاق نار وصولًا إلى تدخل الجيش اللبناني للحدّ من الفوضى، ما أدّى إلى حدوث تطوّرات فجّرت الوضع أكثر.

وفي اتصال مع والد الطفلة، فاروق الحموي، نفى الإشاعات التي انتشرت مؤكّدًا أن طفلته ما تزال على قيد الحياة ولكنّها مرهقة للغاية، ويقول: “منذ أسبوع والكهرباء مقطوعة كذلك الاشتراك الذي لا يتمّ تشغيله إلّا بعد التاسعة مساءً، وبالفعل ما زلت أحمل طفلتي بين يديّ متنقلًا بها من مكان إلى آخر عسى أن يُساعدني أحدهم لأنّها تحتاج دائمًا إلى كهرباء بسبب معاناتها من مرض الربو وحاجتها المستمرّة إلى الأوكسيجين”.

معاناة وصعوبات شديدة

لا يُعاني فاروق وحده من هذه المشكلة وتداعيات الفقر، ففي جولة قام بها “لبنان الكبير” بين عددٍ من الأحياء الشعبية، وجدنا أن عددًا كبيرًا من الأطفال يُعاني من مرض الربو وغيره من الأمراض المستعصية وهو غير قادر على الاستمرار في التنفس في هذا الجو الحار”.

ويقول عزام هاشم وهو من حارة البرانية- عقبة الزاهد أن المنطقة ومنذ 3 أيام وهي بلا كهرباء، كما أن الاشتراك مقطوع منذ أكثر من 24 ساعة، مؤكّدًا أن 3 أطفال وهم أولاد أحد العسكريين يعانون من الربو، وهم شعروا بضيق تنفس شديد، ممّا دفع أبو أحمد وهو خادم في مسجد الأشعري إلى تشغيل مولّد الكهرباء في المسجد من أجل الأطفال.

ويقول أبو أحمد: “نفتح أبواب هذا المسجد لكلّ طفل يُعاني من ضيق التنفس وغيرها من المشاكل وذلك بعد التأكّد من تبرّع أحد الأشخاص بمولّد كهربائي كذلك قارورة أوكسيجين للمساعدة، وهي مساندة ضرورية في هذا الوضع وفي هذه المنطقة المنكوبة التي لا يُساعدها أحد ولا يكترث إليها أي شخص أو مسؤول”.

أمّا نعمت رشيد التي توفي زوجها من 5 أعوام، فهي تُعاني الأمرّين بسبب الوضع المعيشي الذي حدّ من قدرتها على مساعدة أطفالها لا سيما بعد محاولتها العمل في ميادين عدّة ولكنّها باتت تُعاني من مرض أصاب جهازها العصبي، وابنتها أيضًا (12 عامًا) تُعاني من الربو وتعيش في منزل قديم للغاية وفيه نسبة مرتفعة من الرطوبة وبلا كهرباء أيضًا، فضلًا عن مشاكل صحية لأبنائها الآخرين الذين تقوم بتربيتهم وحدها بلا مساعد.

بدورها، تشتكي عبير عكاري من كثرة المصاريف التي تدفعها لعلاج ابنها وابنتها اللذين يعانيان من نوع من أنواع التلاسيميا الذي يُحدث الكثير من الآلام المبرحة ولا يتمّ تهدئته إلّا عبر المورفين، وهذه الأجواء سواء أكانت حارة أم باردة لا تُناسب جسديهما الضعيفين حتّى إن التعرّق فحسب يُكلّفهما الكثير، كما بات الدخول إلى المستشفى يُكلفها حوالي 3 ملايين ليرة لمعالجتهما في كلّ مرة تحدث فيها نوبة ألم، وزاد غياب الكهرباء من معاناتها الكبيرة لأنّها تحتاج إلى أدوية للالتهابات توضع في الثلاجة وهذا ما يُعدّ غير متوافر في هذه الأوقات الصعبة التي وصلنا إليها.

شارك المقال