بين أردوغانين: مَلْهاةُ الرجل الملوّن

أحمد عدنان
أحمد عدنان

في نوفمبر 2010 زار رئيس الوزراء التركي، في حينه، رجب طيب أردوغان لبنان، وفي مهرجان شعبي أقيم شمال البلاد ترحيبا به – بحضور رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري – خاطب الجماهير قائلا: “أكرر ندائي لحكومة إسرائيل بأن تتراجع عن أخطائها وتتوقف عن أفعالها التحريضية وتعتذر لأبناء المنطقة”. سبقت الزيارة اتهام المحكمة الدولية لعناصر من حزب الله باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وكان تعليق أردوغان على هذا الحدث بأن بلاده ستمنع وقوع حرب أهلية جديدة في لبنان.

ووفق وكالة رويترز، أقفلت المدارس في عكار (شمال لبنان) للاحتفال بالضيف التركي. وانتشرت لافتات الترحيب به على الطرق الرئيسة في بيروت وكتب على بعضها عبارات باللغة التركية ومنها “أهلا وسهلا بحفيد السلطان عبد الحميد” و”أهلا بالذي قال لا للصهاينة”. هؤلاء اللبنانيون الطيبون لم يقرؤوا ما صرح به أردوغان لوسائل الإعلام في بلاده بعد عودته إليها، إذ قال بالنص: “حزب الله يقول إنه الروح المقاومة في لبنان، بل هو يتحدث عن رفيق الحريري كشهيد، ولا يمكن لأحد بأن يصدق بأن الحزب له علاقة باغتيال الحريري، والحزب يدعم اللقاء السوري – السعودي من أجل تخفيف التوتر”. وأضاف عن الرئيس سعد الحريري: “طبعا سعد الحريري وفق تعبيره هو ينظر إلينا كأخ أكبر، وهذا تقدير عائد له، لكن الميزة الأكثر أهمية لسعد الحريري هي والده”.

المسافة بين تصريحات أردوغان اللبنانية وبين تصريحاته التركية هي التعريف الموجز والبليغ لأردوغان نفسه، والحق أن تصريحاته كانت متسقة تماما مع سياساته في تلك المرحلة، ومن عايشها يتذكر أن الشرق الأوسط انقسم إلى معسكرين في التعامل مع التطورات اللبنانية، المعسكر الأول، جمع دول الخليج والأردن ومصر لدعم قوى 14 آذار من أجل تحرير لبنان من الوصاية السورية ومن الميليشيات الإيرانية وتمكين منطق الدولة، بينما وقف المعسكر الآخر والذي يتألف من سورية وإيران وقطر وتركيا ضد كل ذلك بدعم قوى 8 آذار. وقد استضافت دمشق آنذاك أكثر من قمة حضرها أردوغان وأمير قطر (حمد بن خليفة) من أجل هذا الغرض. قطر كان موقفها السلبي ضد المحكمة الدولية معلنا ولم تدعمها بقرش، والأكثر من ذلك أن إسقاط حكومة سعد الحريري الأولى واختيار نجيب ميقاتي خليفة له حصل بتنسيق صريح بين ميليشيا حزب الله وبين قطر وتركيا وفي هذا الباب شهدت الضاحية الجنوبية اجتماعا شهيرا بين أمين عام الميليشيا وبين وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم، وَوزير الخارجية التركي أحمد داوود اوغلو.

لا يمكن لوم أردوغان على تقلب مواقفه وتغيير جلده فهو يراعي مصلحة حزبه ومصلحة بلاده كما يراها، بما في ذلك موقفه الواضح والصريح من الثورة السورية، اللوم يقع على أولئك الذين ينظرون إليه بعين البلاهة التي تتجاوز عين الرضا.

والملفت هنا حقا الآلة الدعائية التركية التي نجحت في ترويج مبالغات وأكاذيب عن أردوغان صدقها عرب ومسلمون “طيبون”، فأصبح الموقف من أردوغان – في أوساط ملحوظة – يجتزئ ويبرر الكثير من أفعاله ليكون الحديث عن أردوغان متخيل لا علاقة له بأردوغان الواقع، واستخدمت هذه الآلة وسائل التواصل الاجتماعي بدقة وبمهارة للوصول إلى مبتغاها.

ولنضرب بعض الأمثلة:

1- تصريح منسوب للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يقول فيه “يصعب التعامل مع أردوغان لأنه يضع مصلحة الإسلام والمسلمين فوق كل اعتبار”. التصريح الصحيح في أغسطس 2020: “أردوغان ينتهج سياسة توسعية تمزج بين المبادئ القومية والإسلامية ولا تتفق والمصالح الأوروبية، وتشكل عاملا مزعزعا لاستقرار أوروبا، لذلك لا بد من مواجهة هذه السياسة”.

2- تصريح مختلق لبوتين يقول فيه: “عندما أقابل أردوغان أشعر أنني أقابل رئيس كوكب لا رئيس دولة”.

3- تصريح مختلق لرئيس حكومة إسرائيل (لا أحد بسميه) يقول فيه: “لولا خوفنا من أردوغان لاحتللنا غزة وقضينا على حماس”، والحقيقة أن إسرائيل تضرب غزة وحماس متى شاءت، والحقيقة الأهم أنه في معارك غزة كانت مصر هي صاحبة اليد الطولى في وقف العنف وإعلاء التسوية.

4- أردوغان يطرد ملك تايلند لأنه أساء معاملة خادمة تركية أثناء زيارته السياحية إلى تركيا، وهي حادثة لا أساس لها من الصحة.

5- أن تركيا في عهد أردوغان حققت معجزة اقتصادية إذ سددت ديون صندوق النقد الدولي، ثم أقرضته 100 مليار دولار، وفي رواية أخرى أنها أقرصت البنك الدولي هذا المبلغ. والحقيقة أن تركيا سددت بالفعل ديون صندوق النقد ولم تقرض الصندوق ولم تقرض البنك، بل إن البنك هو من أقرضها غير مرة وهذا ليس عيبا (منها قرض في 2017 بنحو351 مليون دولار لدعم المدخرات المحلية وضمان تحقيق نمو مستدام)، والحقيقة أيضا أن تركيا مثل أغلب دول الكرة الأرضية عليها دين خارجي يناهز نحو نصف قيمة ناتجها القومي الإجمالي، وتعاني من تضخم واضح، حيث كان سعر الدولار نحو 3 ليرات في 2017، فيما يبلغ اليوم نحو 20 ليرة، ويحمّل أتراك أزمات الاقتصاد التركي إلى سياسات أردوغان نفسه، أي أن المعجزة الاقتصادية التي حققها أردوغان هو من يهدمها، وما حدث في الاقتصاد سبق أن حدث في السياسة، فمن النجاح في تطبيق نظرية تصفير المشاكل إلى النجاح – لاحقا – في تأجيج المشاكل بصورة مضاعفة.

تصور أردوغانَ آلتُه الدعائية على أنه حامي حمى السنة والإسلام في وجه إيران والغرب وإسرائيل، ويستندون في ذلك إلى موقفه من الثورة السورية، فقد هاجم بشار الأسد غير مرة ووصفه بالإرهابي وطالب برحيله، بالإضافة إلى تسليحه للمعارضة ودعمه للاجئين (دول الخليج فعلت ذلك وأكثر خصوصا في شق التمويل). يريد أنصار أردوغان التصديق بأن هذه المواقف هي خالصة لوجه الشعب السوري بينما الواقع في مكان لا علاقة له بالعاطفة، إذ يصعب بشدة إيجاد تصريح واضح لأردوغان ينتقد فيه الدورين الروسي والإيراني ضد الثورة السورية، ويصعب إيجاد أي تصريح له ينتقد دور ميليشيا حزب الله سواء في لبنان أو في سورية أو في أي مكان. فالرجل صاحب التصريحات الرنانة ضد الأسد وضد حسني مبارك خلال ثورة 25 يناير “عليه أن ينفذ مطالب شعبه بلا تردد”، كان موقفه من الاحتجاجات الإيرانية (بداية من 2018) سلبيا مع تلميحات بأنها نتيجة تدخلات خارجية “المظاهرات هناك تشبه مظاهرات تقسيم في إسطنبول، هذا يعني تدخلا خارجيا في الشؤون الداخلية الإيرانية، يجب المحافظة على السلم والاستقرار في إيران”!. وأكمل وزير خارجيته مولود جاويش أوغلو “يوجد شخصان فقط يدعمان ما يجري في إيران هما الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو”، وأكمل الناطق باسم الحكومة بكر أوزداغ موقف بلاده من احتجاجات الشعب الإيراني ضد نظامه الذي يناقض تماما موقف تركيا من الثورتين السورية والمصرية: “نعارض تولي وتغيير السلطة في بلد ما عن طريق التدخلات الخارجية، أو استخدام العنف، أو الطرق المخالفة للدستور والقوانين، ووقوع أزمات أو فوضى أو نزاعات في إيران سيلحق الضرر بها وبشعبها والمنطقة”.

ولدينا حادثة إسقاط تركيا لطائرة سوخوي روسية في سوريا 2015 بذريعة اختراق الاجواء التركية، في البداية قال أردوغان إنه لن يعتذر لروسيا، لكنه اعتذر في 2016 وحمل تنظيم فتح الله غولن مسؤولية إسقاطها!. واليوم في خضم الحرب الأوكرانية يتباهى أردوغان بعلاقته الخاصة مع الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين التي لا تبالي بما اقترفه بوتين ضد السوريين.

إن موقف أردوغان في سوريا هو موقف تركي خالص فيه تقاطع ملحوظ ومؤقت مع مصالح السوريين ومصالح العرب، أما الموقف التركي من مصر فكان في سياق آخر، فثورة 25 يناير التي أتت بالإخوان “هي الثورة التي علمتنا بأن الاستبداد لن يدوم”، بينما ثورة يونيو 2013 على حكم الإخوان: “انقلاب ضد الديمقراطية أسهمت فيه إسرائيل. ولن أحترم الانقلابيين في حياتي لأنهم قتلوا آلاف الناس”. أما الموقف المحابي للنظام الإيراني ضد شعبه سببه المصالح الوطيدة بين البلدين فضلا عن تشارك ثقافتيهما في احتقار العرب والرغبة في استتباعهم واستخدامهم.

في كل حادثة سنجد أردوغانين، أردوغان الجماهير المتخيل الحريص على الإجراءات الشكلية المخدومة دعائيا، وأردوغان الواقع الذي يعرف حجمه وقدرته ومصالحه، والنموذج الواضح هو علاقته بإسرائيل، فالسجال بين أردوغان وشيمون بيريز في منتدى دافوس 2009 (الذي اعتذر عنه سراً معاونه آنذاك أحمد داوود أوغلو)، وتدهور العلاقات بعد الهجوم الإسرائيلي على سفينة مرمرة التركية المتجهة إلى قطاع غزة 2010، وسحب السفراء بين البلدين عقب نقل الولايات المتحدة لسفارتها إلى القدس 2018، كل ذلك لم يؤثر على العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين البلدين، والأطرف أن عودة التمثيل الدبلوماسي بين تركيا وإسرائيل لم ينتج عن تغير وضع السفارات في القدس، بل كان بمسعى من أردوغان الذي طلب وساطة أذربيجان ثم صرح في مارس 2022 عندما استقبل الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتزوغ: “أنقرة مستعدة لزيادة التعاون مع إسرائيل في مجالات الدفاع والطاقة ورفع إجمالي التبادل التجاري إلى 10 مليارات دولار، ولعلنا نستذكر أن الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك قد سحب سفيره من إسرائيل أكثر من مرة، لكنه لم يجد تهليلاً كالذي حظي به أردوغان.

طبعا علقت جماعات الإسلام السياسي على عودة العلاقات التركية – الإسرائيلية بأن أردوغان فعل كل ذلك من أجل فلسطين! وهو قول مرسل لتبرير التبعية أو لتأكيد قدسية أردوغان، وهذه الجماعات تتغاضى تماما – للأسباب نفسها – عن تصريحات أردوغان لبرنامج منى الشاذلي في سبتمبر 2011: “أنا مسلم أرأس حكومة دولة علمانية، العلمانية لا تنشر اللا دينية، على الشعب المصري أن لا يكون قلقا من العلمانية وأرجو أن ينظر إليها بشكل مختلف بعد تصريحاتي هذه”.

الحقيقة إن العلاقة بين أردوغان وبين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب المعجب بشخص نظيره التركي، جديرة بالدرس، فأردوغان الذي تتسم تصريحاته بانعدام اللياقة واللباقة أحيانا – على غرار تصريحه بأن الرئيس الفرنسي ماكرون يجب أن يفحص صحته العقلية – شاهدنا منه نسخة مخففة مع ترمب الذي يفوقه بذاءة، إذ قال ترمب لأردوغان في رسالة علنية في أكتوبر 2019 : “لا تكن متصلبا ولا تكن أحمقا”، جاء رد أردوغان بأن رسالة الرئيس ترمب لا تتلاءم مع معايير اللياقة الدبلوماسية والسياسية، “بالتأكيد لم ننس هذا الأمر، ولكن من باب الحب والاحترام المتبادل لا ينبغي علينا أن نُبقيها دائما على الأجندة، ولا نعطي هذا الموضوع أولوية اليوم، ونود أن يعلم الجميع أننا سنقوم باللازم عندما يحين الوقت”. يعلم أردوغان جيدا أن السجال اللفظي بينه وبين ترمب سينتهي إلى مصلحة الأخير وهذا سيؤدي إلى تهشم صورته وهيبته أمام أنصاره، وعلى ما يبدو فإن ثمة كيمياء شخصية بين الرجلين، لكن هذا لم يمنع ترمب من تأديب أردوغان بالعقوبات في 2018 و2019 مما أوجع الاقتصاد التركي بوضوح. قال أردوغان إنه لن يستقبل مبعوثي ترمب (نائبه مايك بينس ووزير خارجيته مايك بومبيو)، لكنه استقبلهما صاغراً وأوقف عمليته ضد الأكراد في سوريا بمنتهى الوداعة، تلك العملية التي كشفت وجه أردوغان الغازي الخشن.

هذه السطور دعوة إلى معرفة أردوغان كما هو والتعامل معه بحقيقته، وتنبيه بعض العرب – خصوصا في بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي – بأن القليل من سذاجتهم أو بلاهتهم يثير الغثيان والكثير منها يثير الشفقة، ففوز أردوغان في الانتخابات لن يحسن معيشتهم، والدليل أنه منذ 2003 – بداية حكم أردوغان لتركيا – وحال هذا الجمهور في بلدانهم او تياراتهم من سيئ إلى أسوأ.

لعل الدرس الأهم في مسيرة أردوغان السياسية هو أهمية “السياسة” نفسها في تحقيق الأهداف وكسب الشعبية وربما حماية الذات بهالة من الأوهام والأماني، وربما لو كنتُ تركياً لانتخبته لأجل ذلك.

قيل إن الإنسان حيوان ناطق، وقيل إنه حيوان له تاريخ وفق أحمد بهاء الدين، وأردوغان كائن سياسي محترف لمصلحة نفسه ولمصلحة حزبه ولمصلحة بلاده كما يراها، تتقاطع المصالح الأردوغانية أحيانا مع مصالح جمهوره العربي وتتضارب في أحيان كثيرة، لكن هذا الجمهور لا يرى هذا التضارب والتناقض والتضاد – مهما تم إبراز الحقائق والوقائع – بفعل الأداء السياسي المتقن لأردوغان ولآلته الدعائية ولظروف هذا الجمهور.

جمهور أردوغان في دنيا العرب ينتمي إلى دول فاشلة، أو ينتمي إلى تيارات الإسلام السياسي الذي ينتسب له أردوغان، أو ينتمي إلى جماعات لها خصومات مكتومة مع أنظمة حكم عربية، وضمن الفئات الثلاث سنلاحظ شرائح تنظر للغرب بعين الكراهية، أو تتمتع بالقابلية للاستعباد أو الاستعمار وفق مصطلح مالك بن نبي، وهذه الشرائح والملاحظات هي التي يستغلها أردوغان لتحقيق أهدافه أو تمدده، ومن سوء وضع بعض العرب، أن حاجة أردوغان إلى الكلام وإلى الدعاية أكبر من حاجته إلى الفعل لتحقيق تلك الأهداف.

لقد حكمت تركيا العثمانية بعض أوروبا، ولم يستغل أردوغان هذا الإرث لاختراق تلك البلدان كما يفعل مع العرب، لأن سلامة الانتماء الوطني المبنية على كفاءة النظام السياسي وشرعيته وصلاح الدولة – إضافة إلى العوامل التاريخية والثقافية المعروفة – تجعل النظرة إلى أردوغان ونموذجه سلبية، فضلا عن أن المجتمعات السوية تقدس القوانين والمؤسسات لا الأشخاص، وتتطلع إلى المستقبل ولا تتعلق بالماضي، فمقارنة ذكريات الخلافة العثمانية – التي يروج لها الرئيس التركي عند بعض العرب – بفضائل الدولة الحديثة تشبه مقارنة الطائرة الورقية بالطائرة النفاثة.

على صعيد التنمية ما فعلته بعض دول الخليج تنمويا واقتصاديا أهم من التجربة التركية، لكن أغلب هذه الدول أقل نجاحا في الدعاية لقادتها وأقل اهتماما بالهيمنة على الخارج، وعلى صعيد تحقيق المصلحة العامة فأغلب قادة دول مجموعة العشرين على الأقل – وغيرهم – يعملون بنجاح من أجل مصالح بلادهم كما يتصور العامة أن أردوغان فعل وأكثر، لكن يتفوق أردوغان على الجميع في الخطابة وفي الدعاية وفي ممارسة السياسة بمعناها البهلواني والاحتيالي، تمتع في زمن مضى بقدرات إدارية متميزة وبفريق عمل ممتاز، ولأسباب متعددة – منها توهم الفرادة وإدمان السلطة – انفض عنه رفاق النضال وبدأ بيديه في هدم ما بناه من منجزات اقتصادية، تلك المنجزات التي وضع أساساتها بعض من سبق أردوغان مثل توركوت أوزال وبولنت أجاويد، ولن يفهم جمهور أردوغان العربي بأن جزءاً كبيرا من ثقل حضوره الإقليمي والدولي يعود إلى أهمية وقيمة تركيا نفسها، وكل ما سبق لا يلغي أثر أردوغان في تاريخ تركيا.

سينزعج جمهور أردوغان العربي حين تواجهه بحقيقة أن أقل من نصف الشعب التركي بقليل ليس راضيا عن أردوغان شخصا وسياسة، سينزعج هذا الجمهور أكثر من انزعاج أردوغان نفسه.

لقد شاهدت عقب المحاولة الانقلابية في 2016 أكاديميا عربيا يقول في برنامج تلفزيوني بأنه على الدول العربية أن تعلن ولاءها لأردوغان وتأتمر بأمره وتحكمه فيما شجر بينها!، ومؤخرا سمعت مواطنا تركيا – يبدو محدود العقل – يقول في مادة لعرب التواصل الاجتماعي بأنه سينتخب أردوغان لأنه أعز الإسلام وتركيا فقد افتتح في نيويورك “البيت التركي” (المقر الدائم لممثل أنقرة في الأمم المتحدة ومقر القنصلية التركية) وزاره سفراء كل دول العالم، مع أنه يمكن أن يحدث ذلك في افتتاح مطعم أو مقهى أو متجر أحذية راقية، وما يثير الدهشة كيف تجد هذه المواد المضحكة والسطحية رواجاً وتداولا وربما قبولا عند البعض.

المصالحات التي تشهدها المنطقة هذه الأيام – والتي يرتجى منها الوصول إلى خواتيم سعيدة تحقق الاستقرار والازدهار في المنطقة – لا تلغي التاريخ ولا تلغي الوقائع، ستبقى إيران هي إيران، وسيبقى بشار الأسد هو بشار الأسد، وسيبقى أردوغان هو أردوغان.

شارك المقال