على الرغم من أن الأخبار المتعلقة بفرض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على معطلي انتخاب رئيس للجهورية كان يتم تداولها منذ فترة غير قصيرة، إلا أن إعلان مساعدة وزير الخارجية الأميركية للشرق الأدنى باربرا ليف أول من أمس أن إدارة الرئيس جو بايدن تدرس هذا الاحتمال، ساهم في خلق دينامية سريعة باتجاه دعوة مجلس النواب إلى عقد جلسة انتخابية قريبة.
وفي حين اعتبرت مصادر معنية أن هذا التهديد هو رسالة موجهة أولاً وأخيراً إلى الثنائي الشيعي وتحديداً إلى الرئيس نبيه بري، سارع الأخير الى إصدار بيان جدد فيه “التأكيد على أن أبواب المجلس النيابي لم ولن تكون موصدة أمام جلسة إنتخاب رئيس للجمهورية في حال أُعلن عن ترشيحين جديين على الأقل للرئاسة وخلاف ذلك من تشويش وتهديد لا يعود بفائدة ولا ينفع لا سيما مع رئيس المجلس”.
ومغزى هذا الكلام أن بري لم يعد يوجه دعوة إلى جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية بعدما كان قد دعا خلال 11 مرة النواب ليقوموا بواجبهم الدستوري، إلا أن هذه الجلسات أضحت فولكلورية ولم تسفر عن أي نتيجة ملموسة، ذلك أن بطلها كان الأوراق البيض التي سددها نواب الثنائي إلى جانب نواب “التيار الوطني الحر” الى مرشح المعارضة رئيس “حركة الاستقلال” النائب ميشال معوض في الجلسة الأولى، ثم فقدان النصاب القانوني بعد انسحابهم قبل انعقاد الجلسة الثانية.
لكن التهديد الأميركي بفرض عقوبات على معرقلي انتخاب رئيس عتيد للجمهورية، سيف ذو حدين على ما وصفه مصدر بارز في قوى المعارضة، بحيث أن رئيس حزب “الكتائب” النائب سامي الجميل ومعه عدد من نواب “الجمهورية القوية” وهي كتلة “القوات اللبنانية”، هددوا علناً برفضهم أي جلسة انتخابية تؤدي الى وصول مرشح الثنائي الشيعي، رئيس تيار “المردة” النائب السابق سليمان فرنجية إلى بعبدا، فهل ستقوم الولايات المتحدة بفرض عقوبات على فريق يعتبر مؤيداً لها إذا أقدم على تعطيل نصاب جلسة انتخاب رئيس للجمهورية؟
وتوازياً، نقل نقيب الصحافة عوني الكعكي بعد لقائه مع وفد من النقابة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي عقب عودته من باريس، أن “البطريرك وبعد الاتفاق بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر والكتائب اللبنانية وبعض المستقلين على اسم واحد، دعا الى الاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية ووعد بالقيام بالاتصال بجميع الأطراف بمن فيها الثنائي الشيعي”، مؤكداً أن “التواصل مع الرئيس بري لم ينقطع في يوم من الأيام”. أما عن صلاحيات رئيس الجمهورية، فقال صاحب الغبطة: “بمجرد فراغ كرسي بعبدا، فقد تعطلت كل الدولة”. وشدد على أن “الوضع لم يعد يُحتمل والهجرة في ازدياد كبير”، لافتاً الى أنه “لم يدعُ الى مؤتمر دولي بل قال انه في حال تعثّرت الأمور سندعو الى مؤتمر دولي”.
لا شك في أن التهديد الأميركي كان له مفعوله السريع من حيث تسريع خطوات التوافق بين القوى المعارضة حول اسم وزير المال السابق جهاد أزعور لكي يكون المرشح الذي ستواجه به فرنجية، لكن التشكيك السائد بين هذه القوى حول حقيقة موقف رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، أخّر الاعلان عن ترشيحها أزعور بانتظار جلاء موقف باسيل والتأكيد منه على ما أعلن عضو كتلة “الجمهورية القوية” النائب فادي كرم، بحيث أن هناك شعوراً بأن باسيل يناور لكي يدفع “حزب الله” باتجاه إعطائه ضمانات يسعى إليها في التعيينات الادارية والأمنية والعسكرية إلى جانب حصته الوزارية في حكومة العهد الجديد الأولى، وهي مطالب يصفها البعض بأنها ستكون بمثابة خطوة انتحارية من فرنجية إن قبل بالسير فيها.
وسألت المصادر في حديث لموقع “لبنان الكبير”: “هل من المعقول أن يرضى فرنجية بتسليم مفاتيح إدارته كاملة إلى باسيل، وكيف يمكن له أن يدير عهده إذا كانت كل المواقع والمفاتيج الأساسية بيد خصمه اللدود؟”.
إلى ذلك، وكما أوضح عضو “اللقاء الديموقراطي” النائب وائل أبو فاعور، فإن الذين يعوّلون على موقف رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط لمعرفة موقف الكتلة في أي موقع سيكون، فإن أمين السر العام للحزب “التقدمي” ظافر ناصر أكد في حديث تلفزيوني أن “كتلة اللقاء الديموقراطي ستعقد اجتماعاً الثلاثاء المقبل ولا زلنا عند موقفنا بأن الاستحقاق الرئاسي يحتاج الى تفاهم بين القوى السياسية ونحن نحتاج جميعاً الى الحوار في ما بيننا للاتفاق على رئيس للجمهورية”.
ويفهم من هذا الكلام أن انتخاب رئيس للجمهورية من أي من الفريقين سيجعل الفريق الداعم للرابح يشعر بأنه حقق انتصاراً مقابل الفريق الآخر وفي ظل الظروف المعقدة سياسياً واجتماعياً ومالياً، فإن هذا الشعور قد يدفع البلاد باتجاه منحى لا تحمد عقباه ولا تستطيع البلاد تحملّه.
ولذا، فإن الحل الأمثل سيكون بتراجع الثنائي الشيعي عن التهديد بالفراغ إن لم تتم الموافقة على انتخاب فرنجية رئيساً، كما إن على فريق المعارضة السير خطوة إلى الأمام باتجاه الحوار والتوافق مع الثنائي الشيعي على الوصول إلى قاسم مشترك حول اسم مرشح لا يعتبر استفزازاً أو تحدياً لأي من الفريقين، والرئيس بري غير بعيد عن هذا التفاهم.