ذكرى استشهاد كرامي هذا العام… “غير كل مرّة”!

إسراء ديب
إسراء ديب

تمرّ ذكرى وقوع أسوأ فاجعة سياسية ألمت بمدينة طرابلس بعد اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رشيد كرامي، مع ضربة سياسية “أفندية” جديدة أعلن عنها النائب فيصل كرامي عشية اليوم الذي اغتيل فيه عمّه، وهي ولادة تكتل نيابي جديد تحت اسم “التوافق الوطني”، يضمّ 5 نواب هم إضافة إلى كرامي: عدنان طرابلسي، حسن مراد، محمّد يحيى وطه ناجي.

سياسياً، لم يربط بعض المتابعين تأسيس هذا التكتل بذكرى مرور 36 عاماً على استشهاد “الأفندي” الذي كان معروفاً بولائه القوميّ وحدّة ذكائه السياسيّ، فيما يرى آخرون أنّ اختيار كرامي لهذا التوقيت يحمل رسالة سياسية “شديدة اللهجة” بعد مرور عام على الانتخابات النيابية، وعقب عودته كنائب عن مدينته منذ 6 أشهر بقرار من المجلس الدستوري.

من هنا، تلفت أوساط شمالية إلى أنّ إعلان ولادة هذا التكتل واختيار هذا التوقيت تحديداً، يشملان بعض الرسائل أبرزها: أولاً، تأكيد من “أبو رشيد” أنّ منزل آل كرامي لا يزال مفتوحاً أمام الجميع، تماماً كما كان يفعل الرشيد الذي كان يُحبّه الطرابلسيون بلا مقابل، وبعد استشهاده ووفاة الرئيس عمر كرامي، يُعيد فيصل التمسك بارث هذه العائلة العريقة شمالاً والمرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالاستقلال والافتاء، عبر إعادة طرح نفسه كنائب كانت ظلمته الأحكام المسبقة عليه أحياناً، وفق ما يرى بعض المناصرين له.

ثانياً، إنّ هذا الاعلان لم يكن عشوائياً بل جاء بعد جولات عدّة كان قد أجراها كرامي، نذكر منها جولة بقاعية وأخرى عكارية أعلن منها نيته في هذا التأسيس، وهي خطوة تسبق الانتخابات الرئاسية التي قد تثمر وصول رئيس تيّار “المردة” سليمان فرنجية إلى سدّة الرئاسة، وإنْ اختلفت السيناريوهات الرئاسية، يسعى كرامي إلى الوصول الى سدّة رئاسة الحكومة منذ أعوام.

ثالثاً، يعتبر البعض أنّ تأسيس تكتل يجمع نواباً سنّة مناصرين للنظام السوري من جهة، كما للثنائي الشيعي من جهة ثانية وليسوا من طرابلس فقط، مع القدرة على إضافة نواب آخرين من مناطق أو محافظات أخرى، قد يصبّ في مصلحة التكتل الذي ستكون له قدرة وازنة نيابياً لا شمالياً خصوصاً مع دعم حزبي ممانع. ومع إعلان كرامي أنّ التكتل “ليس معارضة أو موالاة” بل داعٍ إلى الاعتدال، يُمكن القول إنّه دليل على محاولة ملء الفراغ على الساحة السنية، فبعد أكثر من عام على تعليق تيّار “المستقبل” العمل السياسي، كان لشخصيات طرابلسية عدّة رغبة في تأسيس هذه القوّة الحزبية أو السياسية لكن أيّاً منها لم يُحدث صدى ونجاحاً.

رابعاً، يُعدّ هذا التكتل مواجهة غير مباشرة لشخصيات سياسية شمالية، ويُمكن التأكيد أنّ كرامي أدرك حجم النشاط السياسي الذي يحدث على الصعيد الطرابلسي، كما رصد أيضاً الجمود الذي يُقابل هذه الحركة على الصعيد السنيّ، ما دفعه إلى العودة من جديد إلى الواجهة بعد 6 أشهر خصوصاً اثر استيعابه كما استيعاب الطرابلسيين مسار الطعن الذي حدث، الأمر الذي دفعه إلى التهجم على رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في منطقة القبة بحضور حشد شعبي، معتبراً أنّ “طرابلس ليست بحاجة إليه”. وفي وقتٍ سابق كان يُهاجم النائب أشرف ريفي بعد تحالفه مع “القوات اللبنانية” المتهمة بقتل الرئيس رشيد كرامي، وهو الآن ووفق المعطيات لا يُريد أن يكون زعيماً طرابلسياً فحسب (مع رغبته في تحقيق هذه الخطوة التي عجز عن تحقيقها لأسباب عدّة سياسياً)، لكنّه يسعى ليكون زعيماً وطنياً يُدافع عن اتفاق الطائف ضد الفديرالية التي تدعو إليها بعض القوى السياسية وأبرزها “القوات”.

خامساً، انّ كرامي الذي لم يكن النائب جهاد الصمد ضمن تكتله الجديد، لا يُريد أن يُكرّر فكرة عدم نجاح “اللقاء التشاوري” السابقة، ولهذا السبب يُبدي نفساً قوياً ونبرة تصاعدية على الصعيد السياسي هذه المرّة وبشكلٍ يبدو مختلفاً عن تجاربه السابقة.

في الواقع، إنّ ما رأته الأوساط السياسية لا ينطبق على ما يُؤكّده مصدر متابع لهذه الأحداث، إذْ يرى أنّ ما صدر عن هذا التكتل سواء بعد ولادته أو بعد لقاءاته التي يُقال انّها ستكون دورية، لا يُعدّ وطنياً جامعاً أو نابعاً من فكرة الاعتدال الوطني، فالاعتدال أو القرارات الجماعية لا تصدر عن الوجوه السنية فحسب، كما لا تصدر عن الوجوه التابعة لجهات سياسية واحدة أو تتبع منطقاً واحداً، وبالتالي إنّ الحريرية التي هوجمت من هذا الطرف كثيراً كانت تطرح فكرة الاعتدال، لكنّها كانت تأخذ في الاعتبار السنية والوطنية في آن معاً، وهذا ما يُؤدّي إلى إجهاض أيّ مبادرات سنية جديدة تقوم إمّا على فكرة واحدة كمحاربة “حزب الله” وإيران، أو على طرح الأفكار عموماً من دون تنوّع في طرحها أو في شخصياتها.

وفي الذكرى الـ 36 لاغتيال “الرشيد”، يقول المصدر: “انّ الزعامة الوطنية تكاد تكون كنزاً لا يُمكن لأيّ شخص أن يقتنيه، فدهاء رشيد كرامي سياسياً أم اجتماعياً، كما أسلوبه الديبلوماسي وطرحه الذي لم يكن إلّا وطنياً، مكّنوه من تولّي مناصب عدّة في الدّولة، فكان صمّام أمان لمدينته التي أعادت انتخابه باستمرار إلى لحظة اغتياله التي دفع معها ثمن مواقفه من دمه ولحمه بنبل حتّى طالته نيران الغدر التي قد تكون صديقة، وبالتالي إنّ تجسيد الوطنية لا يُعدّ أمراً سهلاً ولا يُمكن اختصاره بمؤتمر من هنا وتصريح من هناك”.

شارك المقال