الفاتيكان لقادة العالم: انقذوا لبنان

هيام طوق
هيام طوق

الأول من تموز 2021 يوم لبنان المجيد الذي سيشكل محطة مفصلية لهذا البلد المتجذر في التاريخ، والذي يحاول مسؤولوه اقتلاعه من جذوره من دون أن تهتز ضمائرهم، وجوعوا شعبه وأذلوه بكل أنواع الذل من دون أن تظهر لديهم حفنة صغيرة من الإنسانية، لأنهم بكل بساطة لا يعرفون سوى سياسة التجويع، وتعميم واقع التعتير بالقناطير، ونشر ثقافة الموت، ودفن الشعب في آخر طبقة من جهنم.

أمام هذا الواقع السوداوي، لم يشأ قداسة البابا فرنسيس أن يترك “البلد الحبيب” يتخبط بأزماته دون أن يحرك ساكناً بعد أن وصلت إلى مسامعه أن حلول الأرض انتهت، واصطدمت بحائط مسدود لن يخترقه سوى قوة سماوية، فخصص يوماً كاملاً للبنان في الفاتيكان من أجل الصلاة والاستماع إلى القادة الروحيين، ليصرخ بأعلى صوته في آذان قادة العالم: أنقذوا بلاد الأرز.

أمس، كان لبنان ضيفاً عزيزاً، استثنائياً في ضيافة حاضرة الفاتيكان حيث رفرفت الأعلام اللبنانية في الساحات، مهللة بهذا اليوم المبارك، وعلت أصوات المؤمنين الناطقين باللغة العربية في ساحة القديس بطرس، والذين دعاهم البابا إلى الصلاة من أجل لبنان “كي ينهض من الأزمة الخطيرة التي يمر فيها ويظهر للعالم وجهه، وجه السلام والرجاء”. وقرعت الأجراس، وأضيئت الشموع في الكنائس الإيطالية وعلى شرفات المنازل بدعوة من مجلس المطارنة في إيطاليا، على نية لبنان. ووضعت قاعات الاجتماعات في نزل القديسة مرثا في خدمة القادة الروحيين اللبنانيين، وتوقف البحث في كل الأمور العالقة لأن القضية اللبنانية هي المحور الأساس والوحيد على طاولات الحوار المغلقة تحت إشراف مباشر من الحبر الأعظم، ما لفت انتباه العالم بأسره حيث نقلت وسائل الإعلام العالمية هذا الحدث التاريخي لأنه من المرات النادرة التي يجمع فيها البابا قيادات مسيحية من الكنائس الشرقية والغربية في مكان واحد لمناقشة اقتراحات لإنقاذ بلد ما.

يوم “التأمل والصلاة من أجل لبنان” الذي ترافق بصلوات في الكنائس والأديرة اللبنانية، انطلق بترحيب من الحبر الأعظم الذي رأس جلسات النقاش، وصلاة صباحية، وإضاءة الشموع، ثم عقد الاجتماع الأول المغلق بعيداً عن الإعلام حيث افتتحه البطريرك آرام الأول كيشيشيان كاثوليكوس الأرمن الأرثوذكس الذي قدم تقريراً عن الوضع الاجتماعي والسياسي في لبنان. وافتتح البطريرك الراعي، الجلسة الثانية حيث تحدث عن أمرين: دور الكنيسة في المجتمع المسيحي، ودور المجتمع المسيحي في الدولة اللبنانية. واختتم هذا اليوم بصلاة علنية في كاتدرائية القديس بطرس، بحضور السلك الديبلوماسي في الفاتيكان، والجالية اللبنانية في روما. وتضمنت الصلاة نصوصاً عربية وسريانية وأرمنية وكلدانية تكريماً لتقاليد جميع المشاركين.

وألقى قداسة البابا كلمة لفت فيها إلى قلقه الشديد على لبنان، والى توقه لزيارة “هذا البلد الذي أحمله في قلبي”، داعيا “كل من بيده السلطة أن يضع نفسه في خدمة السلام لا في خدمة مصالحه الخاصة، وإلى الكف عن استخدام الناس لمصالح خارجية”. كما طلب من المجتمع الدولي توفير الظروف المناسبة للبنان كي لا يغرق.

وشارك في اللقاء عن الكنائس الكاثوليكية البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، بطريرك السريان الكاثوليك أغناطيوس يوسف يونان، بطريرك الروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي، راعي الكنيسة الكلدانية في لبنان المطران ميشال قصارجي، النائب الرسولي لطائفة اللاتين في لبنان المطران سيزار أسايان. وعن الكنائس الأرثوذكسية، شارك بطريرك انطاكيا للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر اليازجي، البطريرك آرام الأول كيشيشيان كاثوليكوس الأرمن الأرثوذكس، بطريرك السريان الأرثوذكس أغناطيوس افرام الثاني. وعن البروتستانت، رئيس المجمع الأعلى للطائفة الإنجيلية في سوريا ولبنان جوزيف قصاب كما شارك السفير البابوي في لبنان جوزيف سبيتيري، في الاجتماعات.

واستطلع ” لبنان الكبير” آراء المعنيين من رجال دين ومدنيين، حول هذا اللقاء التاريخي، وأهميته بالنسبة للأزمات التي يتخبط بها لبنان على الصعد كافة، وما هي الخطوات التي يمكن أن يقوم بها الفاتيكان على الصعيد العالمي خصوصاً مع الدول المؤثرة حيث كان تأكيد من الجميع أن لبنان قبل هذا اللقاء لن يكون كما بعده لأن البابا سيعمل بكل اتجاه لإنقاذ لبنان، وبأن بلد الأرز أصبح بين أياد أمينة، ونتيجة اللقاء ستثمر خلال أشهر قليلة.

قزي: لا نضوج للقضية اللبنانية قبل أيلول

قدم الوزير السابق سجعان قزي قراءة لأهمية اللقاء الذي هو ” لقاء تفكير وصلاة وليس لقاء للبحث في استراتيجية دفاعية، وبالتالي قيمته مختلفة عن اللقاءات السياسية، ونتائجه أيضاً”، موضحاً أن “اللقاءات الكبرى التي انتهت بصدور قرارات وتوصيات إن كان على الصعيد اللبناني أو على الصعيد العربي – الدولي الخاصة بلبنان، لم ينفذ منها شيء.”

واعتبر أن “ليس المهم صدور القرارات إنما العمل على إنقاذ لبنان بطريقة موضوعية بعيدة عن الضجيج، وهذا هو دور الفاتيكان”.

وتحدث عن “أربعة أبعاد للقاء. البعد الأول، أن الفاتيكان مهتم ليس بوجود المسيحيين في لبنان فقط إنما بإنقاذ المسيحيين من خلال إنقاذ لبنان. البعد الثاني، هو أن الفاتيكان بدأ يعمل على المشاركة في حل القضية اللبنانية. والبعد الثالث، أن البابا لا يبحث مع الطبقة السياسية في حل القضية اللبنانية، إنما مع مرجعيات روحية ليس لأنها مرجعيات دينية إنما لأنها مرجعيات ليس لديها مصالح سياسية وانتخابية، وبالتالي رأيها يُفترض أن يكون مجرداً عن أي أنانية ومصلحة. والبعد الرابع، هو أن حركة الفاتيكان تلتقي مع تحركين: تحرك لبناني بدأه البطريرك الراعي من خلال طرح الحياد والمؤتمر الدولي وتنفيذ القرارات الدولية كافة. ويلتقي من جهة أخرى مع تحرك دولي بدأ باتجاه لبنان أن كان من خلال المبادرة الفرنسية أو من خلال اللقاء الثلاثي بين وزراء خارجية فرنسا وأميركا والسعودية أو من خلال زيارة وزير خارجية أميركا إلى الفاتيكان، واجتماعه مع البابا، كل هذه الاجتماعات كان لبنان طبقاً أساسياً فيها”.

وشدد قزي على أن ” الفاتيكان لا يعتبر نفسه دولة أو جهة لديها سلطة تنفيذية كي يصدر القرارات أو التوصيات انما يستجمع الأفكار بعد أن يطلع على الطروحات، ويستخلص الأساسي ويعتمد القابل للتنفيذ. والأمور التي سيعتمدها الفاتيكان ويعمل عليها في الأسابيع والأشهر المقبلة لن تعلن بالضرورة. هذه هي طريقة الفاتيكان في التعاطي، كي لا تعطل قدرته على الوساطة والحوار، لكنه يعلن عن نتائج مساعيه فيما بعد”.

ورأى انه “قبل أيلول المقبل لن تنضج الخطوط العريضة للحل اللبناني لأنه من الآن حتى أيلول، الدول الكبرى خاصة أميركا، مهتمة بالمفاوضات مع ايران بخصوص الملف النووي، ويفترض خلال شهر بروز النتائج، وسيعرف ما إذا ما سيكون هناك تجديد للاتفاق النووي، حينها تحصل تسويات. أما إذا فشل الحوار الأميركي – الإيراني، فتحصل الاصطدامات. على ضوء هذه الأمر، نعرف كيف سيتطور الحل بالنسبة للقضية اللبنانية”.

أضاف: “السبب الثاني لعدم ظهور نتائج فورية، هو أن الإدارة الأميركية في حالة تحضير ملفاتها التي تصبح جاهزة في أيلول، لذلك، حصلت خلال شهر حزيران الماضي كل الاجتماعات الكبرى في العالم، وجرى استجماع لكل المواقف حيث إن الادارة الاميركية ستغربلها. وفي أيلول المقبل، يكون كل شيء جاهزاً ويبدأ البحث في الحلول. أما السبب الثالث، فهو أنه يحصل تحضيراً لاستعادة الدول العربية لدورها في التعاطي الإيجابي في الشأن اللبناني، ومعرفة مدى القدرة على عقد مؤتر عربي دولي بشأن لبنان، وهذا يتطلب تحضيراً. في المقابل، علينا أن نرى من الآن حتى أيلول ماذا سيحصل في الوضع الداخلي اللبناني. هل نحن ذاهبون لتأليف حكومة وإصلاحات ومساعدات أو إلى استمرار تعطيل التأليف، ففوضى وأحداث أمنية؟ لذلك، هذا اللقاء الروحي، أساسي من ناحية إعطاء معنويات ورجاء لشعب يائس ومحبط كما أن الفاتيكان سيضع خطة تحرك بالاتفاق مع القادة الروحيين وخاصة مع البطريرك الراعي. وعلى ضوء هذه الخطوط العريضة، سيعمل الفاتيكان الذي لديه قدرة أحياناً أكثر من دولة لديها جيش لما له من هيبة وسطوة ومونة على مراكز القرار الدولي”.

واعتبر قزي انه “بقدر ما البطاركة يقتربون من السماء في لقاء البابا، يجب على اللبنانيين أن يقتربوا من لبنان”.

أبو كسم: نحن بين أياد أمينة

اعتبر رئيس المركز الكاثوليكي للإعلام الأب عبدو أبو كسم أن “أهمية هذا اليوم تكمن في أن الفاتيكان سيكوّن فكرة واضحة عن لبنان، وعن أوضاعه الاجتماعية والسياسية والمعيشية ، ويطلع من القادة الروحيين خلال جلسات النقاش على الحلول الممكنة للأزمة ، وبالتالي، يتحرك الفاتيكان في الاتجاه المناسب للإنقاذ”.

وأشار إلى أن “هناك الكثير من التكهنات حول اللقاء مع البابا” مشدداً على ان” الحبر العظم لا يحل أزمة التأليف أو الأزمة الاقتصادية إنما يريد التحدث مع المجتمع الدولي خصوصاً الدول المؤثرة لإخراج البلد من هذا الوضع المأزوم”.

وأعرب عن تفاؤله ” بهذه الخطوة إذ إن الفاتيكان عندما يحمل هذه القضية إلى الدول المؤثرة، سيكون هناك نتيجة إيجابية حتماً على الوضع اللبناني. نحن أصبحنا بين أياد أمينة”، معتبراً أن “أي كلام خارج إطار الواقع يضر ولا ينفع”.

ضو: على الجهات الداخلية وقف التعنت

وتحدث رئيس مؤسسة “أديان” الأب فادي ضو عن” أهمية اللقاء في الفاتيكان لسببين: الأول، لأنه يدل على اهتمام الفاتيكان والديبلوماسية الفاتيكانية بالمساعدة في إنتاج حل للأزمة، وسعيه على هذا الصعيد محلياً ودولياً. ثانياً، اللقاء مع رؤساء الكنائس المؤتمنين على لعب دور داخلي على المستوى الاجتماعي والاقتصادي كما على المستوى الوطني، وهم يؤكدون أن الأزمة وطنية وتحتاج إلى حل وطني”.

ولفت إلى أن “الكنائس ترفض أن يحاول أي سياسي استغلال الأزمة طائفياً”، مشيراً إلى أن “الفاتيكان ليس لديه جيوش إنما يسلك منهجية التواصل الديبلوماسي، وهو على تواصل مع صناع القرار في العالم. على سبيل المثال، جوهر الاجتماع بين البابا ووزير خارجية أميركا تمحور حول الوضع في لبنان.

ورأى ضو أن “الأزمة لا تحل بتدخل خارجي فقط لأن الخارج يساعد، لكن على الجهات الداخلية أن تسهّل، وأن لا تبقى متمسكة بالسلطة وتمارس سياسة التعنت من دون أي حل حيث يسعى بعض الأفرقاء لأخذ لبنان في اتجاه لا يريده. هكذا لن نصل إلى نتيجة لأنه لو أراد كل العالم أن يساعدنا علينا أولا مساعدة أنفسنا”.

واعتبر أن “تخصيص البابا يوما كاملاً للبنان في الفاتيكان يعني أنه يدق جرس الإنذار، وأن لبنان يقترب من الموت، ومن ضياع هويته، لكن ما يجعلنا نشعر بنوع من الراحة والتفاؤل أن لبنان ليس متروكاً وهو بين أياد قوية تسعى لعلاجه”.

وتحدث ضو عن “علاقة لبنان بالفاتيكان التي تعود إلى مئات السنين، وعن دور لبنان الأساسي في المنطقة لأنه نموذج وإذا سقط لبنان يسقط نموذج التعايش”.

شارك المقال