مسؤولون غير مسؤولين!

رامي الريّس

ثمّة من يقول إن لبنان إنتهى وإن الآتي من الأيّام سيكون أكثر قسوة وتقهقراً وتراجعاً. لا يمكن إنكار حقيقة الأمر الواقع، فعمق المأزق بكل مفاصله وصل إلى درجات غير مسبوقة من التدهور التي لم يشهد لبنان لها مثيلاً في أحلك أيّامه وأصعبها ما حدا بالبنك الدولي إلى إصدار التوصيف المعروف حول ضراوة الأزمة وشدتها وانعكاساتها السلبيّة على مختلف المستويات.

وثمة من يقول إن الأوطان لا تنتهي أسوةً بالشركات التجاريّة التي تتوخى الربح ويتم تصفية موجوداتها وأملاكها، فالوطن ليس شركة وليس فندقاً أو منتجعاً سياحيّاً، ومقومات وجوده واستمراره لا تُقاس وفق معايير الخسارة والربح.

لكن هذا لا يعني ألا تتوفر مقومات العيش الكريم واللائق في حدودها الدنيا، وأن تتأمن أبسط الحقوق الإنسانيّة التي صارت مفقودة في لبنان، بحيث عادت عقارب الساعة فيه عقوداً إلى الخلف. صحيحٌ أن السياسات الاقتصاديّة السابقة مسؤولة إلى حدٍ كبير عن وصول الأمور إلى ما هي عليه اليوم، ولكن لم يسبق أن تدهورت الأحوال إلى هذه المستويات.

سياسات الاحتكار والوكالات الحصريّة وغياب الضوابط الاقتصاديّة والقانونيّة على القطاعات التجاريّة يؤدي في جانب منه إلى هذه النتيجة. غياب الدعم بشكل شبه تام عن القطاعات ب لا سيّما الصناعة والزراعة والعداء التاريخي لهما أيضاً يؤدي للوصول إلى هذه النتيجة. عدم الاكتراث لصياغة الوظيفة الاجتماعيّة للدولة ومنعها من القيام بدورها بسبب فوائض القوة التي توزعت على القوى السياسيّة في مراحل مختلفة يساهم كذلك في الوصول إلى هذه النتيجة.

عدم تدهور الأمور إلى هذا الحد سابقاً، لا يعني أن السياسات السابقة كانت صحيحة، بل يعني أن ثمة ظروفاً داخليّة وخارجيّة حالت دون بلوغ هذا الواقع الأليم. لطالما سادت في لبنان ثقافة الخدمات والسياحة والمصارف على حساب القطاعات الأخرى، وثقافة الاستهلاك والريع على ثقافة الانتاج والعمل والتوزيع العادل للثروة.

لماذا لا تُفرض ضرائب على الثروات؟ ولماذا لا تُقر الضريبة التصاعديّة التي تحقق عدالة بحسب شطور الدخل للمواطنين، فلا يدفع الفقير كما يدفع الثري وكأن مداخيلهما متشابهة؟ لماذا لا يُعاد النظر بالسياسة الضرائبيّة برمتها؟ لماذا لم يتحقق أي إصلاح في أي قطاع: كهرباء، إتصالات، الأبنية المستأجرة من قبل الدولة، الأملاك العامة البحريّة، وسوى ذلك من عشرات القطاعات التي تشهد هدراً يفوق الخيال؟

الأسئلة كثيرة ولكن الإجابات معدومة. ليس هناك من يجيب لأن المسؤولين غير مسؤولين. من يتولون زمام السلطة في لبنان في هذه المرحلة لا يتمتعون بالجرأة السياسيّة والأدبيّة للترفع في أدائهم السياسي إلى ما يرقى إلى تحديات المرحلة ومصاعبها وتعقيداتها.

قبل الوصول إلى تلك المرحلة، يكون لبنان قد دخل في الغيبوبة!

شارك المقال