الاعتدال المقنع في انتخابات الرئاسة

أحمد عدنان
أحمد عدنان

في جلسة الانتخابات الرئاسية المقبلة، يتصارع مشروعان يتباينان في النظرة الى دور رئيس الحكومة في النظام السياسي، مشروع الزعيم سليمان فرنجية – مرشح الثنائي الشيعي – القائم على تحجيم دور رئيس الحكومة بترسيخ بدعة الثلث المعطل كما صرح هو وحلفاؤه وأوساطهما، ومشروع د. جهاد أزعور القائم على إعادة الاعتبار للدستور والمؤسسات واستعادة دور رئيس الحكومة الوطني كما وعد بذلك في محادثاته مع مجمل النواب، إضافة إلى مشروعه الإصلاحي الإنقاذي الهادف إلى استعادة عافية الدولة والاقتصاد والمالية العامة.

وعلى الرغم من وضوح المشروعين، وبعد استبعاد النواب السنة الموالين للثنائي المسلح (وقد انضم إليهم النائب كريم كبارة)، يبدو موقف بقية النواب السنة مثيراً للتساؤل باستثناء السادة: أشرف ريفي، فؤاد مخزومي، وضاح الصادق وبلال حشيمي، الذين أعلنوا التأييد الصريح للمرشح أزعور.

– فالحديث عن انتخاب مرشح ثالث للخروج من الاصطفافات طريف، فما الانتخابات – مهما كانت درجتها – إلا اصطفاف، وقد خاض الزعيم وليد جنبلاط هذه التجربة بعد انتهاء عهد الرئيس ميشال سليمان بترشيح النائب المحترم هنري حلو، ولم تصل هذه التجربة إلى مكان. والحديث عن خيار الورقة البيضاء في هذا السياق أسوأ بكثير، إذ يصب في نتيجته أيضاً لخدمة مشروع الثنائي المسلح بتدمير مقام رئاسة الحكومة.

– وهناك من يبرر لهذا الخيار بأن المشكلة هي أن أزعور مرشح الثنائي المسيحي (وهذا غير صحيح)، وفرنجية هو مرشح الثنائي الشيعي، وهذا مكمن الاعتراض على المرشحين، وينسى هؤلاء أن عدد النواب الموقرين 128 نائباً، وأنه في أي حساب لا بد أن يجد ضمن جملة المصوتين الأحزاب المسيحية و”حزب الله” و”أمل”.

– ومن أصحاب هذا التبرير من يجترون الماضي، فيقولون ان “التيار الوطني الحر” فعل – وقد فعل – و”القوات اللبنانية” فعلت، ولكن هؤلاء – لأسباب غير مفهومة – لا يقولون ان الثنائي الشيعي فعل وفعل، ولا يذكرون أبداً ماضي سليمان فرنجية مع الرئيسين رفيق الحريري وسعد الحريري قبل أن يرشحه الأخير رئيسا في أواخر 2015، ومن ذلك بيانه في 5 يوليو (تموز) 2006 “سعد الحريري طوال عمره كان غلاماً”. إن اجترار الماضي حق مشروع شريطة أن يطال الجميع بما لا يستثني الذات.

– والزعم بأن جلسة 14 حزيران لن تنتج رئيساً للجمهورية ليس من شأن السادة النواب فضلاً عن أن فيه رجماً بالغيب وتهرباً من المسؤولية، فإن واجب النائب يحتم عليه القيام بدوره بغض النظر عن نتيجته.

– الحديث عن المزايا الشخصية للزعيم سليمان فرنجية – وهي مزايا حقيقية على الرغم من الخصومة السياسية – الحجة الأكثر إقناعاً من كل ما سبق، ومع ذلك، فإن شخصنة العمل السياسي هي المقدمة الحتمية للفشل، خصوصاً وأن لا فرق جوهرياً في التعامل السياسي مع رئيس الحكومة بين الرئيس السابق ميشال عون وبين المرشح فرنجية سوى أن الرئيس عون يمسك رئيس الحكومة بسلسلة من حديد، بينما فرنجية – وفق تصريحات حلفائه – سيمسك رئيس الحكومة بسلسلة من ذهب.

بكل وضوح، يحتم الظرف السياسي التصويت للدكتور جهاد أزعور لجملة أسباب، وكلها أهم من الذرائع المطروحة للتهرب من الاستحقاق الوطني الكبير، ومن هذه الأسباب على سبيل المثال لا الحصر:

1- تحرير منصب الرئاسة الأولى من سطوة الثنائي المسلح، ونتيجة هذا التحرير بالضرورة فك قيود الرئاسة الثالثة.

2- إن وصول فرنجية في انتخابات 2023 سيعني قطعاً وحتماً أن الرئيس المقبل في 2029 سيكون مرشحاً ممانعاً كذلك.

3- إن حصول أزعور على نحو 65 صوتاً يعني الوصول إلى رئيس ممتاز، أو يحسن شروط التفاوض في حال تمت تسوية لمصلحة مرشح بديل عالي الجودة.

4- وفي حال وصول أزعور أو التسوية على مرشح بديل بشروط المعارضة سيعني هذا إنهاء المفاعيل السياسية لأحداث 7 أيار 2008 ودفع الثنائي الشيعي إلى التواضع، وبالتالي انتظام الدولة اللبنانية بقوة التوازن لا بتوازن القوة.

5- خنق الثنائي المسلح بتهمة التعطيل إقليمياً ودولياً.

6- نسف مشروع تحالف الأقليات من الداخل، وهو التحالف الذي أقامته إيران بين مسيحيين وشيعة ضد السنة، وبالتالي إنهاء التوتر بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة.

7- حلحلة أسرع لعزلة لبنان السياسية والاقتصادية إقليمياً ودولياً.

8- ان تركيبة ترشيح أزعور يندر تكرارها وطنياً، شخصية قريبة من تيار “المستقبل” السني تحظى بتزكيتين درزية ومسيحية.

9- ربما مستقبلاً يساهم وصول أزعور في إنهاء سنة التعطيل التي سنها الثنائي الشيعي منذ نهاية الولاية الممدة للرئيس إميل لحود.

10- سيرة المرشح أزعور توكد وطنيته وعروبته وتمسكه باتفاق الطائف وبالقيم الليبرالية في الاقتصاد وفي غيره.

11- ان التصويت لأزعور هو الرد الأمثل على صلف الثنائي المسلح طوال الفترة الماضية سواء في انتخابات الرئاسة أو قبل ذلك، خصوصاً وأن استمرار هذا الصلف يهدد السلم الأهلي ويعزز دعوات التقسيم.

وفق المعطيات السابقة، يجدر التأكيد أن لا عتب على فئتين من النواب، الأولى تلك التي أعلنت صراحة انضواءها تحت مظلة قوى 8 آذار، والثانية تلك التي تعرضت لتهديدات أمنية، أما العتب والمساءلة فعلى أولئك الذين تذرعوا بالوسطية للهرب من المسؤولية، أو لخدمة 8 آذار بشكل غير مباشر احتيالاً على ناخبيهم، وليت هؤلاء يسفرون عن انتمائهم السياسي صراحة أقله لاحترامهم أكثر.

إن التبعات المترتبة على عدم التصويت لأزعور جد خطيرة، فهي تعزز الأصوات الدولية التي لا ترى لبنان إلا تحت وصاية، كما أنها تساهم في إضعاف مقام رئاسة الحكومة أكثر فأكثر، والنتيجة المنطقية لهذا الخيار هو المزيد من عزلة اللبنانيين وإهمالهم ومعاناتهم، وحينها لا ينفع لوم ولا عتاب ولا شكوى ولا ندم، فعلى نفسها جرت براقش، “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” والعاقبة للمتقين.

شارك المقال