١٤ حزيران… “عزيمة عالهزيمة”!

أنطوني جعجع

هل يتخلى “حزب الله” عن سليمان فرنجية في العام ٢٠٢٣ كما تخلى عنه في العام ٢٠١٦؟ سؤال يأتي في وقت لم يحدث منذ حرب تموز العام ٢٠٠٦، أن وجد “حزب الله” نفسه في زاوية صعبة كالتي يشهدها اليوم، وتحديداً في الزاوية التي تخيّره بين التسليم بهزيمة لا يتحملها وانتصار ليس في متناول اليد.

وليس في الأمر أي مبالغة اذا أدركنا أن “حزب الله” خسر أوراقاً سياسية وشعبية ثمينة في الداخل، وعلق أوراقه العسكرية في الخارج، وتحديداً الخارج العربي، ليجد نفسه عشية استئناف الانتخابات الرئاسية أمام أربعة خيارات قاسية، الأول التسليم بعدم القدرة على ايصال سليمان فرنجية الى الرئاسة الأولى، وهو خيار مُّر لا يقوى على تحمله، والثاني السير بمرشح لا يدين له بولاء مطلق وهو خيار مفخخ لا يأمن له، والثالث استنهاض تجربة “السابع من أيار” وتدمير الهيكل على رؤوس الجميع، وهو خيار مرهون بضوء أخضر لم يحصل عليه حتى الآن، والرابع الذهاب الى مواجهة عسكرية مع اسرائيل يعرف كيف تبدأ ولا يعرف كيف تنتهي.

ولا توحي أجواء الضاحية الجنوبية بأن حسن نصر الله يميل الى حل وسطي مع المعارضة، ولا الى أي نية لتبني مرشح آخر لا يكون سليمان فرنجية، معتبراً أن أي تنازل أو تساهل أو مرونة في هذا المجال سيكون “نصف هزيمة” مهما حاول البعض تجميلها والحد من سلبياتها.

وتشير الأجواء الى أن نصر الله يتعامل مع المعركة الرئاسية من منطلق شخصي أكثر منه منطلق وطني، معتبراً أن سقوط فرنجية سيكون سقوطاً أمام جبران باسيل دون سواه من أركان المعارضة الأخرى، وهو أمر أكثر قسوة على موقعه من أي هزيمة أمام اسرائيل أو حتى الولايات المتحدة.

وتقر أوساط قريبة من “حزب الله” بأن نصر الله تسرّع، مع الرئيس نبيه بري في وضع المعارضة أمام واحد من خيارين: اما فرنجية واما الفراغ، في خطوة حملت في طياتها ما يشبه “الحكم الشيعي المطلق” المتحكم بكل شيء من دون أي شراكة مع أحد ومن دون أي مراعاة للخصوصيات والحساسيات سواء الدينية منها أو السياسية.

وتضيف الأوساط عينها أن بري ونصر الله ذهبا في عنادهما بعيداً الى الحد الذي قطع عليهما طريق العودة، لافتة الى أن الرجلين فوجئا بنجاح المعارضة في التجمع حول مرشح واحد، خلافاً لما حدث في العام ٢٠١٦ عندما غرّد ميشال عون وحيداً على مدى عامين ونصف العام.

وما زاد في ارتباك الرجلين، وتحديداً نبيه بري، هو تلويح واشنطن بفرض عقوبات على معرقلي الانتخابات الرئاسية، ودخول الرئيس بشار الأسد على خط المعادلات اللبنانية من خلال أمرين أساسيين: تشكيل كتلة نيابية برئاسة فيصل كرامي وسحبها من حضن الممانعة الايرانية الى حضن النفوذ السوري العائد بعد ثمانية عشر عاماً، واحياء العلاقة مع “التيار الوطني الحر” والرئيس ميشال عون وسحبهما من “رعاية مار مخايل” في أرض الضاحية الى “رعاية مار مارون” في بلاد الشام.

وانطلاقاً من هذا المشهد القاتم، نعود الى السؤال الأول، ماذا يمكن أن يفعل “حزب الله” قبل جلسة الغد وماذا يمكن أن يفعل بعدها؟

يقول مصدر قريب من الثنائي الشيعي ان الأخير لن يقدم على أي شيء سلبي قبل الجلسة العتيدة التي يعتبرها نوعاً من الاستفتاء الذي يحدد الأحجام والأرقام ويرسم خريطة طريق للجلسة التي تليها، مشيراً الى أن النيات والقرارات ستظهر بعد الرابع عشر من حزيران عندما يعود النواب الى منازلهم استعداداً لجولة جديدة.

وهنا لا بد من سؤال يراود الكثير من المراقبين، ماذا يمكن أن يفعل “حزب الله” لتجنب هزيمة سياسية قاسية تأتي في ظرف اقليمي – دولي دقيق لا يحتمل أي دعسات ناقصة؟

هل يقفل المجلس النيابي حتى اشعار آخر، أو حتى ارغام المعارضة على التسليم بمشيئته المطلقة؟ وهل يعتمد سياسة التهويل والترهيب والترغيب مع النواب المترددين لحملهم على الاختيار بين الانحناء والالغاء؟ وهل يعمد الى سياسة التصفيات كما حدث مع اغتيال النواب أنطوان غانم وبيار الجميل وجبران تويني ووليد عيدو، وتماماً كما حدث في العام ١٩٨٢عندما حاولت القوى المسيحية اغتيال النائب حسن الرفاعي ثم بعد سنوات اغتيال النائب نجاح واكيم؟

في احدى الجنازات التي حضرتها في الأمس اتصل نائب من فريق المرشح جهاد أزعور، بأهل الفقيد معتذراً وقال: “لا أستطيع تقديم العزاء شخصياً… أخاف أن أتعرض للاغتيال”.

وسواء كان هذا الأمر صحيحاً أو مجرد ذريعة، فليس هناك دخان من غير نار، ولا يعني أن الجهة التي قتلت حيثية سنية بحجم رفيق الحريري في محاولة للتخلص من القرار ١٥٥٩ لن تتوانى عن استخدام أي وسيلة لمنع المعارضة من الوصول الى موقع يمكن أن يفتح ملفات ساخنة أو أن يغيّر في معادلات حساسة أو يعدل في توازنات قائمة.

انها معركة مصالح ومواقع وكرامات بالنسبة الى الاستراتيجية الايرانية في لبنان والمنطقة، وكذلك الأمر بالنسبة الى المعارضة التي تسعى الى استرجاع مقاعدها الأمامية على الرغم من علمها المسبق بأنها لا تملك مفاتيح الفوز في البرلمان غداً الأربعاء ولا مفاتيح الشارع، ولا مفاتيح الضغط الدولي الذي يكتفي بالتفرج في مكان والتمني في مكان آخر، خلافاً لحال “حزب الله” الذي يستطيع الانتصار في الشارع اذا فشل في البرلمان.

انه في اختصار، توجه الفريقين الى ساحة النجمة تحت شعار “عزيمة عالهزيمة”، في انتظار مخرج قد يأتي من سليمان فرنجية نفسه وهو ما لمح اليه في ذكرى “مجزرة اهدن” مؤكداً استعداده للسير بأي مرشح يحظى باجماع وطني، أو قد يأتي من خيار ثالث لا يزال البحث عنه جارياً.

وانه في اختصار أيضاً ما يمكن أن يقدم عليه بشار الأسد العائد تدريجاً الى الزواريب اللبنانية على أكتاف مصالحة مع السعودية التي تشترط على الرئيس السوري، اما سحب النفوذ الايراني من بلاده واما تحجيمه في لبنان.

والسؤال هنا: هل يستطيع الأسد أن يفعل ذلك وهو العالق بين تنظيم مسلح ساعده على البقاء في السلطة، ومصالحة يأمل في أن تحرر يديه من عقوبات تثقل أكتافه ومن دماء تحول دون أي مصالحة مع شعبه المشرد، والتزام مع رجل، أي فرنجية أعطاه من المواقف الداعمة ما لم يعطه لأقرب الناس اليه؟

الجواب لن يأتي في جلسة الغد وقد لا يأتي في الجلسة التي تليها، ولن يأتي الا من خلال فرنجية الذي أنقذ نصر الله في العام ٢٠١٦ كرمى ميشال عون، وقد ينقذه ثانية هذه المرة بسبب ميشال عون الذي ركب موجة “حزب الله” عندما ضعف الأسد ويركب الآن موجة الأسد بعدما تراجع “حزب الله”.

شارك المقال