حجة “الميثاقية” في تعطيل انتخاب الرئيس

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

لا أحد يعرف ما يمكن أن تنتجه الجلسة الــ 12 لانتخاب رئيس الجمهورية، على الرغم من السيناريوهات التي تروّج على لسان المحللين السياسيين الذين يتبعون فرقاء الخصوم ويعبّرون عن توجهاتهم. وأكثر ما يقلق اللبنانيين احتمال انفجار الوضع أمنياً، لا سيما أن الثنائي الشيعي ومرشحه رفعا سقف المواقف، والطرف الآخر يتخوف من تكرار التجارب السابقة التي قام بها “حزب الله” في 7 أيار ومحاولات اسقاط الدولة لاعلاء شأن الدويلة تحت عنوان “الميثاقية” التي روّج لها الرئيس نبيه بري في المجلس النيابي وإسقاط حكومات بحجة فقدانها الميثاقية، التي صارت شعاراً لتعطيل عمل المؤسسات لا سيما في العهد العوني لربح السمسرات.

من يرون أن الأمور قد تذهب نحو التوتر الأمني يربطون ذلك، بتشنج “حزب الله” واصراره على دعم مرشحه سليمان فرنجية وايصاله الى بعبدا عبر السلاح القديم، باعتبار أن مرشح الطرف الآخر لن يحصل على أصوات من النواب الشيعة الذين يمثلهم في البرلمان، أي “حزب الله” وحركة “أمل” حصراً، وهو يخوّن الآخرين ويتهمهم بالتآمر على مقاومته، ولا يريد رئيساً ترشحه أي جهة كانت، فكلهم مرفوضون منه وليس جهاد أزعور وحده بل ربما قائد الجيش جوزيف عون أيضا، والذي يجري له اختبارات أمنية مرة في هذه المنطقة ومرة في تلك.

هناك من يعتقد أن بامكانه طرح اسم ثالث لا سيما ممثلو بعض التغييريين ونائبا صيدا وتمريره، لكن الرد الصاعق جاء من فرنجية على اسم زياد بارود وهو ما يؤكد أن “حزب الله” كما ألغى في السابق أدوار أحزاب المقاومة لن يقبل أن تطل برأسها من جديد والا فالطريق مفتوح نحو التعامل مع مثل هذه الحالات، وسبق له أن نجح في التخطيط والتنفيذ سواء بالابعاد أو الاغتيال أو الشراء للتبعية.

لكن السؤال: لبنان يعتمد نظاماً برلمانياً ديموقرطياً فلماذا يجري تعطيله تحت عنوان “الميثاقية”، التي تعقد الأمور ولا تؤدي الى إدارة شؤون البلاد والعباد عبر المؤسسات كما يجب؟ اذ يتوقف الزمن ولا تتقدم الساعة، فلا الأكثرية تحكم والأقلية تعارض كما يجب أن يكون، بل يتحول البلد الى قنبلة موقوتة، تطيح بالدستور والقوانين لصالح تفسيرات تخدم أطرافاً سياسية تعمل على تنفيذ أجندات خارجية من دون أي اعتبار الى أن الميثاقية التي يتحججون بها تعود الى الميثاق الوطني غير المكتوب بين الرئيسين بشارة الخوري ورياض الصلح عام 1943 واللذين أخذا في الاعتبار الخصوصية اللبنانية وكانت تسوية أقرت نهائية الكيان اللبناني وحددت علاقته بمحيطه العربي وانفتاحه على الشرق والغرب. لكن الميثاقية على لسان بعض القوى السياسية اليوم ليست سوى تعبير عن رغبة فريق ما في فرض شروطه على الطرف الآخر لحفظ مصالحه والتغطية على الارتكابات المشينة عبر استضعافه، لا سيما في ظل ما يمتلكه من قوة مسلحة لربطه بمشروع اقليمي بعيداً عن عروبة لبنان التي أقرت في دستور الطائف، وحوّلت مقولة لبنان ذو وجه عربي الى لبنان عربي وأقر بتوزيع عادل للطوائف في الحكومة.

لقد تحولت الميثاقية مع حكم أحزاب سياسية والمحاصصة في السلطة ونشوء طبقة سياسية تحمي مصالحها على حساب مصالح الشعب اللبناني من كل الطوائف والاتجاهات، الى ميثاقية فوقية يستخدمها الزعماء للحصول على امتيازات وفرض الشروط والابتزاز والغاء الآخر، واستخدام المؤسسات كمشروع للهيمنة من دون حفظ حقوق المواطنين في الحصول على الوظائف والعمل من خارج التقاسم بين أحزاب السلطة وزعماء طوائفها، وهو ما أدى الى ضعف المؤسسات وترهلها وسهولة الهيمنة عليها لبناء الدويلة وتبعية السلطات المحلية، فانتهكت حقوقها وأهدرت اموالها وباتت في حالة عجز وترهل وبالطبع لا تستطيع اليوم الصمود في هذه الأزمات المتلاحقة نتيجة التعطيل والنكايات.

أهواء البعض تجاه الميثاقية لن تنقذ لبنان من أزماته، لأن الانقسام حاد وكبير، وهي أداة معطلة اليوم لانتخاب رئيس للجمهورية كما لعمل الحكومات والمجلس النيابي وللعدالة أيضاً. والميثاقية هي بين المسلمين والمسيحيين الذين أقرت المناصفة بينهم في الدستور بينما سعى البعض الى المثالثة وتطبيقها بقوة الأمر الواقع وليس بقوة الدستور، والخوف من أن يدعونا واقع الحال الى خيارات تريد الذهاب بلبنان الى اتفاقات ومؤتمرات جديدة تقر تعديلات دستورية بقوة القمصان السود.

شارك المقال