من بكين إلى جدة… هل ابتعدت سوريا عن الحزب؟

عاصم عبد الرحمن

قبل نحو عامين انطلقت مساعٍ جدية لإعادة سوريا إلى الحضن العربي، استهلها الملك الأردني عبد الله الثاني بتقديم خطة ذات خطوات متسلسلة تأخذ في الاعتبار مصالح الدول المجاورة والمضيفة للاجئين السوريين، وكان أحد أبرز شروط التطبيع السعودي – السوري هو شكل العلاقة مع إيران وأذرعها في المنطقة خصوصاً “حزب الله”. اليوم عادت سوريا إلى الجامعة العربية بالاجماع، فهل أخذ المشهد بين الحزب والنظام السوري في التحول؟

في 17 تشرين الثاني 2021 كتبنا مقالاً في موقع “لبنان الكبير” تحت عنوان “الحزب والعودة العربية – السورية” عن توجس “حزب الله” من عودة العلاقات إلى مجراها الطبيعي بين سوريا والعرب، على اعتبار أنه ملأ الشغور السياسي الذي خلفه خروج الوصي السوري من لبنان على أثر اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري عام 2005، فالحزب يخشى إعادة تكليفٍ عربي لسوريا بلعب دور سياسي ما في لبنان، يأتي على حساب الحزب الذي يتحكم باللعبة اللبنانية على الصعد السياسية والدستورية والاقتصادية وغير ذلك.

يعمل “حزب الله” منذ استشعاره رياح التسويات والتفاهمات في المنطقة على ضبط ساحاته المشتركة مع سوريا في الميدان اللبناني، وما يعزز هذه الفرضية هو نتائج الانتخابات البرلمانيّة التي جرت قبل أكثر من عام، إذ لم يكن تفصيلاً عادياً سقوط رجال سوريا فيها وأبرزهم: إيلي الفرزلي، طلال إرسلان، وئام وهاب وفيصل كرامي الذي أُعيدت نيابته بقرار من المجلس الدستوري لاحقاً، بالاضافة إلى الهزيمة المدوية التي لحقت بالحزب “السوري القومي الاجتماعي” في مختلف الدوائر الانتخابية في مقابل عدم بلوغ أي من مرشحي حزب “البعث” السوري عتبة الفوز على الرغم من التحالف الانتخابي مع “حزب الله” والذي يسهل فيه التحكم بتوزيع الأصوات داخل اللائحة.

تحت سقف محور المقاومة يختلط حابل ولاء التابعية والجماهير المطلق للقادة بنابل شعرة معاوية التي تقصم ظهر بعير المصالح الفردية لكلٍ من أقطاب هذا المحور، من هنا نجد أن الخطاب السياسي لقوى الممانعة لا يزال موحداً ولا اختلاف في المصطلحات المستخدمة في الأدبيات السياسية، إلا أن التحولات المصلحية تتجلى في بعض الرسائل التي قد تكون مشفرة حيناً أو واضحة أحياناً.

في هذا السياق، قُرِئت أربع رسائل سورية بارزة تجاه “حزب الله” مؤخراً قد تكون عادية شكلاً إلا أنها استثنائية في المضمون هي:

– الرسالة الأولى: استقبال الرئيس بشار الأسد الرئيس السابق ميشال عون في الوقت الذي بلغ فيه تفاهم مار مخايل حداً حرجاً، وما الحفاوة البالغة التي استقبل فيها عون المعارض لترشح سليمان فرنجية إلا خير دليل على التمايز السوري – الحزبي الذي يتبنى ترشيح رئيس تيار “المردة”، الذي قام مؤخراً بزيارة إلى سوريا اتسمت بطابع السرية والكتمان كان بالامكان استغلالها لتظهير الاهتمام السوري بانتخاب صديق سوريا الأسد رئيساً للبنان.

– الرسالة الثانية: عدم طلب بشار الأسد من ميشال عون التصويت لصديقه سليمان فرنجية على الرغم من مفاتحته بإمكان ترشيح زياد بارود كبديل عن فرنجية، لا بل أحال الموضوع على الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصر الله، وهو يدرك ضمناً أن الحزب مأزوم بتأمين أكثرية نيابية لفرنجية، فلو أراد الأسد التدخل أو كان يرغب في ذلك لطلب إلى عون التصويت لصديقه وتأمين كتلة مسيحية وازنة إلى جانبه.

– الرسالة الثالثة: في الوقت الذي يستعر فيه الصراع الانتخابي بين محورَيْ سليمان فرنجية وجهاد أزعور ومَنْ وراءهما داخلياً وخارجياً، أعلن وئام وهاب الحليف اللصيق بالنظام السوري عن استعداد “حزب الله” للسير في انتخاب قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية في إطار تسوية سياسية توافقية، ما يعكس عدم اهتمام أو تمسك سوري بخيار سليمان فرنجية في رئاسة الجمهورية.

– الرسالة الرابعة: لأول مرة ومنذ أعوام تتجاهل سوريا الرسمية دور المقاومة في مواجهة العدو الاسرائيلي “فقد وجهت وزارة الخارجية السورية التحية إلى الشعب اللبناني وجيشه لدفاعهما عن أرض لبنان وسيادته ضد الاعتداءات الاسرائيلية في كفرشوبا. وختمت بالقول إنّ الجمهورية العربية السورية تُحيي الشعب اللبناني وجيشه لدفاعهما الباسل عن أرض لبنان وسيادته”.

إلى حين جلاء لوحة الاصطفافات السياسية والعسكرية المستجدة في المنطقة، ستبقى التحالفات قائمة على حالها ضمن محور المقاومة خصوصاً وأن السياسة السعودية تقوم على الخطوة مقابل الخطوة أي في ما يتعلق بمندرجات اتفاق بكين وتالياً إعلان جدة، وعليه ما إن ترسو سفينة التفاهمات عند شاطئ مصالح الأطراف الراعية تترسخ خريطة الحلفاء إن لم تكن بشروط جديدة فستكون بمعالم مستجدة.

إذاً، من العرض العسكري إلى تخوين داعمي أزعور وما بينهما، لا شك في أن “حزب الله” يدرك أن هناك بنوداً نصَّ عليها اتفاق بكين ليست في صالحه، ويدرك أن مساراً في غير صالحه أيضاً يُستكمل في سوريا وفق مقتضيات إعلان جدة، فالانهيار الاقتصادي الذي تشهده كل من سوريا وإيران يفرض عليهما دفع أثمان سياسية وعسكرية حيث لا يرغب الحزب، فكيف سيترجم ردود فعله في القادم من الاستحقاقات؟

شارك المقال