هل النواب السُنَّة الأكثر ارتياحاً؟

عاصم عبد الرحمن

بين جهاد أزعور وسليمان فرنجية مروراً بزياد بارود وجوزيف عون وليس انتهاءً بشعار “لبنان الجديد”، توزعت الخريطة التصويتية لنواب الطائفة السنية الـ 27 بعيداً من أي اصطفافٍ طائفي أو مذهبي عمودي أفرزته الجلسة الـ 12 لانتخاب رئيس للجمهورية. فهل يشكل النواب السُنَّة منطلقاً وسطياً للحل الرئاسي بين مختلف الطوائف والأحزاب؟

انطوت جلسة انتخاب رئيس للجمهورية على مشهد انقسامي حاد اتسم بطابع طائفي عمودي، إذ توزعت الأصوات التي حصل عليها المرشحان سليمان فرنجية وجهاد أزعور بين طوائف ومذاهب محددة بصورة مقفلة، فقد صوَّت نواب الطائفة الشيعية بأكملهم لفرنجية في مقابل تصويت كامل النواب الدروز لأزعور، على وقع صراع مستعر على خلفية تقاطع أكثرية ساحقة حول دعم أزعور ضد مرشح الثنائي الشيعي رئيس تيار “المردة”، ما وضع الشيعة في مواجهة المسيحيين وفق شعارات فرض الهيمنة ورفضها في مقابل محاولات العزل وطعن المقاومة.

وعلى الرغم من أنها الجلسة الانتخابية الأولى، باستثناء جلسة انتخاب الرئيس الراحل سليمان فرنجية الذي تنافس مع الرئيس الراحل الياس سركيس عام 1970، التي اكتست طابع الديموقراطية لناحية وجود مرشحَيْن واضحَيْن – وهو الطابع الإيجابي الوحيد الذي أسفرت عنه هذه الجلسة – إذ إن الرؤساء رينيه معوض، الياس الهراوي، إميل لحود، ميشال سليمان وميشال عون وقبلهم بشارة الخوري، كميل شمعون، فؤاد شهاب وغيرهم أتت جلسات انتخابهم بمرشح وحيد أسفرت عن فوز كل منهم وفق تسوية أو وصاية أو اتفاق، إلا أنها وضعت رؤساء الأحزاب والنواب الشيعة والمسيحيين والدروز في مأزق سياسي كبير يصعب الخروج من دهاليزه ما لم تفكفك خيوط عناكبه الخلافية والاختلافية عبر تفاهم وحوار حول تسوية ما.

النواب الشيعة الـ27 الذين يتوجسون من طعن المقاومة في الظهر، وضعوا أنفسهم في خانة فرض خيارات رئاسية على المسيحيين بقوة السلاح خصوصاً أنهم يدعون إلى حوار حول برنامج مرشحهم لا حول الاستحقاق الرئاسي فحسب. أما المسيحيون فقد تكتلوا بأكثريتهم الساحقة (50 نائباً) اعتراضاً على تعامل الشيعة معهم بازدواجية في الاستحقاقات الدستورية، إذ يعتبرون أنهم فرضوا خيار نبيه بري عليهم في رئاسة مجلس النواب بـ 65 صوتاً من دون إمكان لأي تفاوض أو حوار غير آبهين بأحقية ترشح سليمان فرنجية. ويبقى الدروز الـ 8 الذين انقسموا بين مراعاة الأكثرية المسيحية واحترام مصالحة الجبل ورفض الفرض بقوة السلاح.

حالٌ من شأنه أن تصعب معه مرحلة النزول عن برج التشبث بالخيارات الصلبة والآراء المتصلبة بين الفرقاء السياسيين الذين أفرزهم بصورة طائفية ومذهبية قانون انتخابي أعاد البلاد إلى حكم العشيرة والقبيلة ومملكة الطوائف.

وحدهم نواب الطائفة السنية خرجوا من ميدان الاصطفافات العمودية التي تشكلت في الجلسة الرئاسية، فقد أعطى 9 نواب أصواتهم لسليمان فرنجية، 7 نواب صوّتوا لجهاد أزعور، 3 اختاروا زياد بارود، 7 اقترعوا بشعار “لبنان الجديد” وصوت واحد لجوزيف عون.

لا شك في أن كل نائب اقترع وفقاً لرؤيته المصلحية أو لمصلحة يراها لخير الوطن في زمن الانهيار الشامل والخطاب الطائفي الملتهب، إلا أن الطائفة السنية لطالما اختارت الاحتشاد إلى جانب لبنان الدولة والمؤسسات والحوار وهو ما أرسى مدرسته رجال عظام عرفهم الوطن من الرئيس رياض الصلح مروراً بالمفتيين صبحي الصالح وحسن خالد إلى الرئيسين رشيد كرامي ورفيق الحريري، الذي أطل في الجلسة الـ 12 من نافذة توقيف العدّ الطائفي والفرز المذهبي وفق ما استذكره النائب المسيحي الأرمني هاغوب بقرادونيان.

وإذا كان هناك مَنْ اقترع لصالح فرنجية وأزعور انسجاماً مع انتمائه السياسي، فهناك مَنْ أصر أيضاً على توطين الاستحقاق الرئاسي عبر طرح مرشح آخر.

ما يستدعي التوقف عنده هو تصويت كتلة “الاعتدال الوطني” و”اللقاء النيابي المستقل” بشعار “لبنان الجديد” والذي يحمل في طياته دعوة صارخة إلى ضرورة التحاور والتلاقي حول مساحة لبنانية مشتركة، بهدف الوصول إلى اتفاق يجمع اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم الطائفية والمذهبية والسياسية حول “اللبنان” الذي يحلم به اللبنانيون ويستحقونه.

وعلى الرغم من نيل قائد الجيش العماد جوزيف عون صوتاً وحيداً اقترع به النائب إيهاب مطر، إلا أنه لا شك قد اختصر طريق البحث عن عنوان التسوية الرئاسية المرتقبة والتي من المرجح أن تقود إلى الخيار التوافقي الجامع فتحمل رئيس المؤسسة العسكرية الوطنية من اليرزة إلى بعبدا.

عند كل استحقاق دستوري يتبين حجم الشغور السياسي الذي خلفه غياب سعد الحريري وتيار “المستقبل” وطنياً وسنياً لناحية معالجة قضايا الشأن العام، لكن الطائفة السنية على الرغم من تعدد نوابها وتشتتهم بقيت إلى جانب خيار الدولة والقانون والمؤسسات والوحدة الوطنية والعيش المشترك، فهل تقود سفينة التفاهم حول لبنان الجديد؟

شارك المقال